أخبار اقتصادية- عالمية

جدل عالمي حول الاستثمارات الخضراء .. حماس أوروبي وتحفظ أمريكي ورفض صيني - هندي

 جدل عالمي حول الاستثمارات الخضراء .. حماس أوروبي وتحفظ أمريكي ورفض صيني - هندي

تثير الاستثمارات الخضراء جدلا عالميا بشأن مدى قدرتها على إحداث توازن بين المخاوف البيئية وعدم عرقلة نمو الاقتصاد العالمي.
ويرى اقتصاديون أن هناك انقساما حادا بين دول العالم بشأن تنفيذ الصفقة الخضراء الجديدة، حيث يتحمس الأوروبيون لتنفيذ مشاريع تريليونية للحفاظ على المناخ والبيئة، فيما يتحفظ الأمريكيون على ذلك وترفضه الصين والهند.
التحركات الأوروبية بدأت في الـ28 من الشهر الماضي عندما صوت البرلمان الأوروبي بالأغلبية لمصلحة إعلان حالة "طوارئ مناخية وبيئية" في أوروبا.
وقد يبدو مفهوم الطوارئ المناخية والبيئية غريبا بعض الشيء وغير متداول حتى في وسائل الإعلام، لكن الأكاديميين يعرفون هذا المصطلح بأنه "وضع يتحتم فيه اتخاذ إجراءات عاجلة لخفض أو وقف التغير المناخي وتجنب الأضرار البيئية الناتجة عن ذلك التي يتعذر تغييرها".
وعلى الرغم من أن القرار الذي وافق عليه البرلمان الأوروبي، يظل رمزيا، إلا أنه يجعل القارة العجوز أولى القارات الخمس التي تعلن حالة الطوارئ المناخية والبيئية.
ومع هذا، فإن رمزية القرار لا تتناقض مع مساعي الاتحاد الأوروبي لطرح ما يعده أكثر الخطط طموحا في العالم، لمواجهة التغير المناخي والبيئي، عبر إصلاح جذري لاقتصاد دول التكتل، وهو ما سيتم تأكيده خلال قمة الزعماء الأوروبيين في 12 من الشهر الجاري في بروكسل، حيث سيعلن القادة المشاركون في القمة التزامهم بخفض صافي انبعاثات الغازات الدفيئة إلى الصفر بحلول عام 2050، مع التعهد بمزيد من الاستثمارات الخضراء.
وتزامنت تلك الخطوات الأوروبية مع انطلاق مؤتمر الأمم المتحدة الـ25 للمناخ في مدريد الإثنين الماضي، الذي يواصل أعماله على مدى أسبوعين، حيث من المقرر أن ينتهي في 13 من الشهر الجاري.
وحول بعض النقاط التي سيعلنها الجانب الأوروبي خلال قمة المناخ، التي تنسجم مع إعلان حالة الطوارئ المناخية والبيئية، تقول لـ"الاقتصادية"، ماجي إيان من حزب الخضر البريطاني ومسؤولة الحزب عن متابعة تطورات الجهود الأوروبية بشأن المناخ، إن "أبرز ما سيدعو له القادة الأوروبيون، هو تخفيف القيود المفروضة على تقديم مساعدات حكومية للشركات، وتغيير قواعد المشتريات العامة، والنظر في أهداف أكثر طموحا لخفض الانبعاثات الغازية بحلول عام 2030، وتقليص الواردات من الدول التي لديها ضوابط أقل للانبعاثات الغازية، على أن يرصد بنك الاستثمار الأوروبي تريليون يورو لتمويل قضايا المناخ خلال العقد المقبل".
وفي الواقع، فإن تلك الجهود الأوروبية تنسجم مع اتجاه عالمي أكثر سعيا للربط بين قضايا المناخ والبيئة من جانب وإصلاح الاقتصاد العالمي من جانب آخر، فعلى الضفة الأخرى من الأطلسي وفي الـ25 من آذار (مارس) الماضي طرح أعضاء من الحزب الديمقراطي الأمريكي تشريعا يهدف إلى معالجة التغير المناخي وعدم المساوة الاقتصادية في آن واحد.
وعلى الرغم من الفشل في تمرير التشريع المقترح في الكونجرس، إلا أن الاسم الذي اقترن بـ"الصفقة الخضراء الجديدة" بات ذائع الانتشار ومؤشرا على مرحلة جديدة للتعامل مع قضايا المناخ، فقد استمدت اسمها أساسا من مجموعة الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية ومشاريع الأشغال العامة التي قام بها الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت لمواجهة أعوام الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.
وقد سعت "الصفقة الخضراء الجديدة" للدمج بين أفكار روزفلت الاقتصادية والأفكار الحديثة مثل استخدام الطاقة المتجددة ومزيد من الكفاءة في استخدام الموارد.
وتكشف مقترحات إدوارد ماركي السناتور الديمقراطي وأليكساندريا كورتيز السياسة الأمريكية المخضرمة بشأن "الصفقة الخضراء الجديدة" عن نهج يسعى إلى تحويل الولايات المتحدة لاستخدام مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 100 في المائة، بما يتضمنه ذلك من استثمار في السيارات الكهربائية، وأنظمة السكك الحديدية فائقة السرعة، وتنفيذ ما يعرف بـ"التكلفة الاجتماعية للكربون" التي كانت جزءا من خطة أوباما لمعالجة تغير المناخ في غضون عشرة أعوام، إلى جانب زيادة الوظائف العامة، ومعالجة الفقر عبر تحسين الأوضاع المعيشية للمجتمعات المحلية الأشد فقرا والدعم وتقديم الرعاية الصحية الشاملة وزيادة الحد الأدنى للأجور.
وعلى الرغم من فشل تمريرها في الكونجرس الأمريكي، إلا أن "الصفقة الخضراء الجديدة" أكدت على أن نجاح الجهود الدولية في قضايا المناخ والبيئة، لا يمكن أن يكتسب زخما شعبيا دون معرفة جوهر الجدوى الاقتصادية وتأثيره في مستويات المعيشة.
فالقضايا البيئية تتجاوز الرؤية الراهنة التي تحصرها ضمن اهتمامات مجموعة من النخب الاجتماعية، وتختصرها في قضايا الحفاظ على الغطاء النباتي أو زيادة الرقعة الخضراء، التي يتطلب النجاح فيها إدماج مزيد من القطاعات الشابة والفئات المهمشة اجتماعيا واقتصاديا عبر الربط بين القضايا البيئية وقضايا عدم المساومة على المستوى المحلي والعالمي.
"الاقتصادية" استطلعت آراء عدد من الخبراء في مجال البيئة والاقتصاد في محاولة للتعرف على الأبعاد الاقتصادية "للصفقة الخضراء الجديدة" وشروط نجاحها.
ويقول الدكتور باكويل كلاس أستاذ الاقتصاد الحديث في جامعة جلاسكو، إن "تنفيذ تلك الصفقة يتطلب عددا من المكونات، فهي خطة طموحة للتعامل مع التحديات المناخية والبيئية في آن واحد، ومن ثم يتطلب الأمر وضع خطة استثمارية طموحة وأكثر استدامة، وكذلك فرض ضريبة على الكربون، وتحويل جزء من النظام المصرفي العالمي إلى بنوك معنية بقضايا المناخ والبيئة، والأهم اعتماد سياسة تصنيع جديدة، وإصلاح السياسات الزراعية بحيث تشهد مزيدا من الاندماج لمصلحة الدول الفقيرة، مع توفير الوصول إلى طاقة آمنة ونظيفة وميسورة التكاليف".
ويضيف كلاس، "الصين والهند يعتقدان أن الحديث عن التغير المناخي والبيئي خطاب أوروبي بالأساس لعرقلة تقدمهما الاقتصادي، ولهذا على أوروبا أن تبعث برسالة إلى البلدين بأنهما سيتحملان الجزء الأكبر من تمويل تلك الصفقة الخضراء. ومن ثم فإن ارتفاع التكاليف نتيجة فرض رسوم على الانبعاثات الكربونية، وما سينجم عن تلك الضريبة من زيادة أسعار تذاكر الطيران والشحن البحري والسيارات وعديد من المنتجات، سيجعل أوروبا والولايات المتحدة واليابان تتحمل الجزء الأكبر منها في المراحل الأولى على الأقل، لإقناع الصين والهند بأهمية اتخاذ إجراءات جادة لمواجهة التحديات المناخية والبيئية".
من جهتها، توضح إرينا هاردنج نائبة رئيس منظمة "التحالف الأخضر" البريطانية التي تأسست عام 1979، وتعد أحد أبرز مجموعات الضغط لتشريع قوانين صديقة للبيئة، أن "حصر الحلول البيئية في المجال التكنولوجي فقط لن يسمح بإحراز تقدم حقيقي في تلك القضية، فالأساليب المحاسبية والنظر إلى التكلفة والعائد لن يسمحا لنا بتحقيق نتائج ضخمة، وإنما يجب التركيز على جوهر المشكلة وهو اختلال عملية التنمية على المستوى العالمي، فلا بد من إعادة النظر في المفاهيم التنموية المطروحة سواء التي توجد تعارض بين الإنسان والبيئة أو التي تنحاز لمصلحة الدول الغنية على حساب الدول الفقيرة، أو الطبقات الأكثر ثراء على حساب الطبقات المعدومة أو المهمشة".
لكن بخلاف أوروبا حيث تحظى القضايا البيئية والمناخية بوعي جماهيري ملحوظ، فإن الأمر يختلف في الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن "الصفقة الخضراء الجديدة" تواجه بمعارضة من الجمهوريين الذين يعدونها نهجا اشتراكيا يضر بالاقتصاد الحر للولايات المتحدة، إلى الحد الذي جعل توم كوتون السناتور الجمهوري المعارض للاتفاق للتصريح بأن "الصفقة الخضراء الجديدة" ستصادر سيارات الأمريكيين، وسيتم بمقتضاها حظر الماشية، كما أن الرئيس ترمب ادعى بأن هذا الاتفاق سيكلف الاقتصاد الأمريكي نحو 100 تريليون دولار.
ولا تنكر الدكتورة سارة كوكسون الاستشارية في الأمم المتحدة بشأن قضايا المناخ أن "الصفقة الخضراء الجديدة" ستكون مكلفة، إذ إنها ترمي إلى إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي ليكون صديقا للبيئة، وستدخل تغييرات في الأنماط الاستهلاكية الراهنة، وستتطلب في كثير من الأحيان إبداع أنواع جديدة من التكنولوجيا للتعامل مع تحديات المرحلة الانتقالية، وبالطبع جميع تلك الإجراءات مكلفة اقتصاديا.
وتعتقد سارة أن "المعارضين للصفقة الخضراء الجديدة ينظرون فقط إلى جانب التكلفة ولا ينظرون إلى العائد، ففي عام 2018 وفر العمل في مجال الطاقة الخضراء 2.1 مليون فرصة عمل في الولايات المتحدة، وإذا خصصت الأموال اللازمة للحد من الانبعاثات الغازية بحلول عام 2050، فسيتم إيجاد 7.5 وظيفة جديدة في الاقتصاد الأمريكي".
وتواصل سارة قائلة "إن الفائدة التي سيجنيها الاقتصاد العالمي من تطبيق الصفقة الخضراء الجديدة ستكون ذات طابع شمولي، وربما تعيد تعريف الاقتصاد الكوني من جديد".
ومن المؤكد أن "إزالة الكربون" من الاقتصاد العالمي سيتطلب زيادة كبيرة في الاستثمار العام، في قطاعات مثل النقل النظيف والطاقة المتجددة وأنظمة الغذاء، وسيتطلب الأمر دعما ماليا ضخما لمساعدة الدول النامية لتحقيق قفزات ملموسة في هذا السياق. ويوضح توماس بوريل الباحث في وكالة الأمم المتحدة للتجارة والاستثمار والتنمية، الفائدة التي يمكن أن يجنيها الاقتصاد الدولي من "الصفقة الخضراء الجديدة" بأنه "إذا زاد العالم من إجمالي استثماراته الخضراء بنسبة 2 في المائة من الناتج العالمي، أي ما يقدر بنحو 1.7 تريليون دولار في العام، فسيتم توليد 170 مليون وظيفة عمل إضافية، وسيؤدي ذلك إلى تصنيع أنظف في الدول النامية، وهذا المبلغ يبدو للوهلة الأولى ضخما، لكنه حاليا لا يمثل سوى ثلث ما تنفقه الحكومات على دعم الوقود الأحفوري الذي يزيد من معدلات التلوث المناخي، وإذا أخذنا في الحسبان أن ارتفاع درجة حرارة الكوكب بدرجتين فقط سيؤدي إلى خسائر تقدر بمئات المليارات، فإن هذا يكشف أن العائد الإجمالي من الصفقة الخضراء الجديدة سيكون مربحا للجميع".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية