تقارير و تحليلات

الإصدارات الدولية السعودية تسجل انخفاضا في تكلفة التمويل بنهاية الربع الثالث

 الإصدارات الدولية السعودية تسجل انخفاضا في تكلفة التمويل بنهاية الربع الثالث

واصلت أدوات الدين الدولية للسعودية، الحاصلة على خامس أعلى تصنيف ائتماني من الدرجة الاستثمارية من وكالة موديز، تسجيل انخفاضات ملحوظة في تكلفة التمويل، بنهاية الربع الثالث من هذا العام.
وبلغ المعدل المتوسط لمقدار الانخفاض لـ"منحنى العائد" 36 نقطة أساس خلال تسعة أشهر من 2019.
يعني ذلك الرقم لغير المتخصصين في أسواق الدخل الثابت أن بمقدور الحكومة السعودية لو ارتأت إصدار أدوات دين بتسعير أقل مقارنة بما سبق، وهذا ما تحقق بالفعل مع الإصدار الدولاري لصكوك حكومة المملكة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
إضافة إلى ذلك، يقوم العاملون في أسواق الدين بتسعير السندات والصكوك ارتكازا على "نقاط الأساس" basis points المنبثقة من هوامش الائتمان لجهة الإصدار وكذلك "مؤشر القياس" الذي يستعان به.
وتترجم نقاط الأساس تلك إلى عشرات أو مئات الملايين من الدولارات "وفقا لإجمالي حجم كل إصدار" التي تدفعها جهات الإصدار على شكل أرباح دورية للمستثمرين. وعليه فالانخفاضات الملحوظة حاليا على منحنى العائد السيادي للسعودية تعد إيجابية لخزانة الدولة وإصداراتها المستقبلية.
ويكثر الطلب حاليا على أدوات الدين الصادرة من الرياض وأبوظبي والكويت التي تمتاز جميعها بارتفاع تصنيفها الائتماني "الذي يجعلها أقرب إلى الملاذات الآمنة في عالم الأسواق الناشئة" في نظر البعض.
وإضافة إلى العائد المتميز الذي يأتي في وقت وجد فيه مستثمرو الدخل المتخصصون في الأسواق الناشئة والمتقدمة أنفسهم بين خيارات عدة كالاستثمار في السندات السالبة أو المغامرة مع سندات الدول والشركات التي تعرف بسندات الخردة التي تمتاز بالعائد المرتفع ومخاطر عدم السداد المحتملة بسبب انخفاض درجة التصنيف الائتماني لجهة الإصدار لما دون الدرجة الاستثمارية sub-investment grade.
من ناحية أخرى، عززت أدوات الدين الخليجية حضورها في محافظ مستثمري الأسواق الناشئة لهذا العام مقارنة بالعام الماضي.
شكلت الإصدارات السيادية من حكومات الخليج بنهاية الربع الثالث من هذا العام نحو 29 في المائة من إجمالي ما تم إصداره من حكومات الأسواق الناشئة -الذي بلغ إجماليه 132 مليار دولار- بقيمة إجمالية للديون السيادية الخليجية بقيمة بلغت 39 مليار دولار.
وعندما يتم دمج إصدارات الشركات والحكومات الخليجية، نجد أن هذه النسبة تشكل 15 في المائة من إجمالي إصدارات الأسواق الناشئة بنهاية الربع الثالث.
وبلغت قيمة إصدارات "الشركات والحكومات" الخليجية مجتمعة 83 مليار دولار في أول تسعة أشهر من هذا العام مقارنة بإجمالي ما أصدرته "شركات وحكومات" الأسواق الناشئة وهو 539 مليار دولار، بحسب ما كشفت عنه الدراسة البحثية "عن إدارة الدخل الثابت" لبنك أبوظبي الأول.
وارتكزت البيانات على ما تم إصداره من أدوات دين، بغض النظر عن نوع العملة التي تم إغلاق الإصدار الأصلي بها.
على الرغم من تفاوت المصادر التي تحدد العدد الفعلي للدول المنضوية تحت مسمى "الأسواق الناشئة أو الصاعدة" فإن هناك إجماعا على أن تعداد تلك الدول يراوح بين 38 دولة إلى 45 دولة بما في ضمنها دول الخليج وروسيا والصين وكوريا والهند.

الانخفاضات في تكلفة التمويل
كشف رصد صحيفة "الاقتصادية" الخاص بقياس الأثر الإيجابي المتعلق بالانضمام التدريجي للديون السيادية لحكومة السعودية إلى مؤشرات سندات جي بي مورجان للأسواق الناشئة، عن انخفاض ملحوظ لمنحنى العائد ما بين الفترة من أواخر ديسمبر 2018 حتى أكتوبر 2019.
واستند الرصد إلى معيار هامش "الزي سبيرد" الـ Z-spread الذي وصل فيه المعدل المتوسط لانخفاضاته 36 نقطة أساس، ما يعني تكلفة الإصدارات على الحكومة والشركات ستصبح أقل عما كانت عليه أواخر ديسمبر 2018.
وتعول الشركات السعودية على منحنى العائد السيادي، ذلك عندما تستعين به في تسعير إصداراتها، حيث يتم الاسترشاد بأسعار العائد السيادي عند صدور الأسعار الاسترشادية الخاصة بإصدارات تلك الشركات.
وكان اللافت من خلال الرصد أن الآجال قصيرة الأجل "للسندات والصكوك الخمسية والسبعية" قد سجلت المقدار الأكبر في الانخفاض من حيث التكلفة، ذلك باستخدام مقياس "الزي سبيرد"، ذلك بوصول المعدل المتوسط لتلك الانخفاضات إلى ما يلامس 48 نقطة أساس.
ويعود سبب ذلك إلى كون تلك الإصدارات تبقى على إطفاء أجلها ما بين عامين إلى أربعة أعوام وهي بذلك تصبح مغرية بعائدها الحالي، ذلك من وجهة نظر المستثمرين الذين يبحثون عن الإصدارات القصيرة الأجل.
وهناك فئة من شركات إدارة الأصول تضمن في استراتيجيتها الاستثمارية استهداف الإصدارات المتوسطة الأجل ثم بعد مرور بضعة أعوام تتحول لتصبح قصيرة الأجل.
وعند النظر إلى آجال الاستحقاقات المتوسطة والقريبة لعشرة أعوام، يتضح أن معدل المتوسط لتلك الانخفاضات هو 33 نقطة أساس، في حين يقارب مقدار الانخفاض للآجال الطويلة القريبة من 30 سنة 27 نقطة أساس.
ومصطلح "الزي سبيرد" يستخدم بشكل واسع بين العاملين في صناعة أدوات الدخل الثابت، وهو مبلغ العائد "الفرق" الذي سيحصل عليه المستثمر "من سندات صادرة من جهة غير الخزانة الأمريكية" فوق العائد الذي يحمل الأجل نفسه لسندات صادرة من الخزانة الأمريكية. ويمثل الـ Z-spread المخاطر الإضافية التي تشمل مخاطر الائتمان ومخاطر السيولة.. إلخ.

أمثلة على الانخفاضات
كانت "الاقتصادية" قد نشرت تحليلا في 27 أكتوبر الماضي كشفت فيه أن السعودية قد حصلت بفضل إصدارها الدولاري الذي تم في أكتوبر 2019 على رابع أدنى عائد لإصدار سيادي دولاري من بين 15 إصدارا قائما لحكومة المملكة، حيث تحتل المراتب الثلاث الأولى إصدارات بآجال خمسة أعوام التي تكون بطبيعتها ذات عائد متدن مقارنة بآجال الاستحقاق الأطول.
في حين جاء العائد الخاص لمؤشر القياس كثاني أدنى عائد من بين مؤشرات القياس التي تمت الاستعانة بها مع الإصدارات الستة للصكوك والسندات العشرية، الأمر الذي يظهر اختيار التوقيت المناسب للإصدار.
وكشف الرصد أن الإصدار الحديث قد سجل كذلك أقل تكلفة تمويل لأداة دين عشرية في تاريخها وذلك للإصدارات المقومة بالدولار "سواء كانت سندات أو صكوكا التي يصل إجماليها إلى ستة إصدارات من الفئة العشرية".
وأظهر إصدار الـ2.5 مليار دولار من الصكوك الدولارية كيف تمكن "المركز الوطني لإدارة الدين" في وزارة المالية من تحقيق عائد وصل إلى 2.96 في المائة على آخر إصدارات السعودية الدولية. وقبل الإصدار الأخير كان نطاق العائد من الاستثمار في الصكوك والسندات العشرية يراوح بين 3.25 في المائة و4.37 في المائة، حيث يتباين العائد وفقا لحركة مؤشر القياس وكذلك الهامش الائتماني لجهة الإصدار وظروف السوق.

كيفية التسعير؟
يتم تسعير معظم أدوات الدين السيادية عبر الاستعانة بمؤشر قياس وهو عوائد سندات الخزانة الأمريكية أو "وبصورة أقل" بمؤشرات "متوسط عقود المبادلة"، حيث تدخل عوائد تلك السندات مع المنظومة التسعيرية لأدوات الدين السيادية.
وعندما تبدأ عملية بناء الأوامر الخاصة بالإصدار، يلتفت المستثمرون إلى عاملين، أولهما هوامش الائتمان spreads الخاصة بجهة الإصدار، وثانيهما معدلات مؤشر القياس، وذلك وفقا لآجال الاستحقاق المستهدفة. وعندما يتم دمج هذه الأرقام (أي "هوامش الائتمان" مع "مؤشر القياس") يتم الحصول على العائد النهائي المعروف بـyield وذلك عندما يُغلق الإصدار. مع العلم أن هوامش الائتمان تمر بثلاث جولات للأسعار الاسترشادية قبل أن يتم تقليص تلك الأرقام "أو نقاط الأساس" مع كل جولة، ذلك بحسب حجم إقبال المستثمرين على الإصدار.

الاختلالات التسعيرية
جنت السيولة الذكية للمستثمرين المؤسسيين ثمار الفرص الاستثمارية التي تولدت من جراء الاضطرابات الجيوسياسية أواخر العام الماضي التي بدورها أوجدت "اختلالات تسعيرية" للقيمة العادلة لأدوات دين المنطقة الخليجية. حققت تلك الأدوات أداء متميزا لمن احتفظ بها خلال تلك الفترة، على الرغم من التوترات الجيوسياسية وانخفاض أسعار النفط، حيث يراهن مستثمرو السندات على أن اقتصاديات المنطقة سيكون أداؤها أفضل "هذا العام" مقارنة بالأعوام الماضية. تاريخيا، دائما ما عانت أدوات الدخل الثابت عدم حصولها على التقدير اللازم "كأصول متميزة عن غيرها من الأسواق الصاعدة". ونتج عن ذلك عدم وجود نوعية الأصول تلك في معظم محافظ شركات إدارة الأصول المتخصصة بالاستثمار في الأسواق الناشئة. إلا أن الأمر برمته بدأ في التغير تدريجيا مع نهاية كانون الثاني (يناير) عندما شرعت مؤشرات "جي بي مورجان" في إضافة الديون الخليجية إلى مؤشراتها الرئيسة التي تتبع أداءها الصناديق المتخصصة بأدوات الدخل الثابت.

المستثمرون المضاربون
أسهمت الإصدارات الخليجية التي تمت في فترة وجيزة، ولا سيما منذ سبتمبر الماضي، في إحداث ضغوطات عالية بالتداولات الثانوية، بسبب هذا العدد الضخم من الأوراق المالية التي تم إدراجها وتداولها.
من ضمن العوامل التي فاقمت من آثار زيادة المعروض من أدوات الدين الخليجية بالتداولات الثانوية في الأسواق الناشئة وجود المستثمرين المضاربين الذين يتنقلون بين الأوراق المالية المطروحة حديثا ويتميزون بكونهم يجنون أرباحا سريعة خلال الأيام الأولى من التداولات في السوق الرمادية ومن ثم الثانوية.
بخلاف المضاربين هناك جزء من المستثمرين من يحصل على نسبة سندات أكثر مما كان يرغب فيها over-allocation خلال مرحلة الاكتتاب. وعليه يقوم مديرو المحافظ هؤلاء "بإحداث ضغوطات بالسوق الثانوية" عبر بيع فائض تلك السندات في السوق الثانوية.
في حين قد تأتي الضغوط البيعية في السوق الثانوية من المستثمرين الذين حصلوا على حصص صغيرة من تلك الإصدارات، بحيث يصعب عليهم تحقيق عائد مقبول على محافظهم under-allocate، ولذلك يقررون تسييل تلك السندات.

*وحدة التقارير الاقتصادية

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات