FINANCIAL TIMES

انس دفتر الأستاذ .. «بلوكتشين» تقلب طاولة التمويل التجاري

انس دفتر الأستاذ .. «بلوكتشين» تقلب طاولة التمويل التجاري

تقنية البلوكتشين يمكن أن تغير بشكل جذري تمويل التجارة، أي أحد أقدم أركان العالم المالي، من خلال تقليل اعتماده على المستندات الورقية.
في المتوسط، تتطلب المعاملة عبر الحدود تبادل 36 وثيقة و240 نسخة، حسبما تقول كيرستين برون، رئيسة مجموعة 60، التي تعمل في مجال التمويل التجاري.
بحلول 2050، يشير الخبراء إلى أن "بلوكتشين" يمكن أن توفر سجلا رقميا للمعاملات. من شأنه ترشيد استخدام المستندات الورقية وتحسين الشفافية بين الأطراف، ما يسمح بإدخال ممارسات مثل "الخصم الديناميكي"، حيث تتغير أسعار الفائدة مع اقتراب السلع من وجهتها النهائية.
التمويل التجاري يسد الفجوة بين متى يرسل المصدر شحنة من البضائع والوقت الذي يدفعه المستورد مقابل ذلك. المصارف تتحمل المخاطر المؤقتة، مثل ما إذا كان المستورد لا يدفع أو لا يستطيع الدفع، ويمول المعاملة مقابل رسوم.
يتم إرسال خطاب اعتماد -تعهد بدفع ثمن البضائع إذا تم استيفاء شروط معينة- إلى المصدر من قبل مصرف المستورد. هذا يمنح المصدر الضوء الأخضر لشحن البضائع. بعد ذلك يقدم المصدر دليل الشحن للحصول على التمويل من المصرف الذي يتعامل معه، ليستعيد الأموال مباشرة من مصرف المستورد.
في الوقت الحالي، المعلومات محدودة: الشركات التي تمارس نشاطا تجاريا غالبا تكون في أنحاء مختلفة من العالم، وربما لا يكون لها تاريخ ائتماني يذكر. كما أن المعلومات بطيئة في الوصول إلى الأطراف المعنية، لأن المستندات الورقية يتعين تبادلها عينيا.
"بلوكتشين" هو دفتر الأستاذ الرقمي، يمكن أن يمنح كل طرف في صفقة تمويل تجاري حق الوصول إلى سجل واحد للمعاملة.
هذا من شأنه أن يسمح لهم برؤية ما يحدث على الفور، والتغيرات التي أدخلت على الوثائق ومن أجرى تلك التغييرات، الأمر الذي ربما يكون له عواقب بعيدة المدى على تكلفة وتوافر التمويل التجاري.
من الناحية النظرية، فإن مخاطر التمويل التجاري تقل كلما اقتربت البضائع من المستورد، على الرغم من أن هذا أمر يصعب على جميع الأطراف التأكد منه في الوقت الحالي.
بمساعدة تكنولوجيا تحديد الهوية باستخدام الأقمار الصناعية أو ترددات الراديو، يمكن لـ"بلوكتشين" أن تتيح للأطراف المهتمة بدءا من المصدرين إلى المصارف أن ترى مباشرة متى، مثلا، يتم وضع البضاعة على سفينة أو متى تستلمها شركة النقل اللوجيستي.
بروفيسور هاو لي، من كلية الدراسات العليا لإدارة الأعمال في جامعة ستانفورد، يتنبأ بحدوث عملية من "الخصم الديناميكي"، حيث في كل مرحلة من مراحل الرحلة، مع انخفاض المخاطر، تنخفض كذلك أسعار الفائدة المفروضة على المصدر أو المستورد.
"تكنولوجيا بلوكتشين تتيح لك تتبع كل خطوة على طول الطريق. بالتالي تخفض سعر الفائدة، لأن الحاجة إلى ضمان إضافي تقل"، على حد قول بروفيسور لي، الذي يتوقع أن تكون التكنولوجيا واسعة الانتشار في مجال التمويل التجاري بحلول 2050.
فائدة أخرى لاستخدام المؤسسات
هناك منصة رقمية مشتركة لتتبع صفقات التمويل التجاري، وهي تنشئ مجموعة بيانات بشأن العملاء المحتملين وتاريخ معاملاتهم. ربما يسهل ذلك على الشركات الجديدة، مثل المؤسسات الاستثمارية الكبيرة أو شركات التكنولوجيا، تقديم خيارات التمويل أو إعادة التمويل.
فرانشيسكو فييليا، صاحب صندوق "فاسانارا كابيتال" للتحوط الذي يستثمر في التمويل التجاري يقول: "في وقت يكافح فيه المستثمرون المؤسسيون لإيجاد عائد في عالم السندات العامة، سيكون توفر ذلك بصفته مصدر دخل بديلا موضع ترحيب كبير".
الانفتاح في القطاع قد يعني حتى أنه بحلول 2050 ربما تنخفض تكلفة التمويل التجاري الأساسية إلى الصفر، وفقا لما تقول سيسيل أندريه ليروست، المديرة الإدارية لشركة أكسنتشر المصرفية للخدمات الاستشارية في أوروبا.
بدلا من ذلك، ستجني المصارف أموالا من بيع بيانات تتعلق بالمصدرين أو المستوردين أو توفير تقييمات كل منهم.
"بلوكتشين" قد تساعد أيضا في توسيع مجموعة الشركات التي يمكنها الوصول إلى التمويل التجاري.
وهذا يمكن أن يقلل من فجوة التمويل التجاري - الفرق بين الطلب على الائتمان، لا سيما وسط المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، ورغبة الدائنين في توفيره.
الفجوة في التمويل التجاري تبلغ حاليا 1.5 تريليون دولار، وفقا لبنك التنمية الآسيوي. يستشهد بمسألة "معرفة عميلك" بصفتها سببا رئيسا لرفض التمويل التجاري.
مثلا، كثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة وشركات العالم النامي لا يمكنها إظهار تاريخ طويل من المعاملات.
هذا يجعل من الصعب على الدائنين تقييم مخاطرهم، وبالتالي أقل ميلا إلى إقراضهم.
"تقنية بلوكتشين يمكن أن توفر بيانات مفصلة عن المعاملات السابقة، وبالتالي توفر بعض التاريخ لتسهيل تقييم المخاطر من قبل الممول"، حسبما يقول البروفيسور هاو.
المصارف يمكن أن تنظر في البيانات التي ستكون متاحة بسهولة أكبر وأكثر شمولا ومن الناحية النظرية، أكثر ثقة لأن جميع المشاركين يمكنهم رؤية من أجرى التغييرات على مستند عن الأطراف ذات الصلة بالمعاملات الحالية والسابقة، وربما حتى شبكة الإمدادات الأوسع.
إتاحة إمكانية الوصول إلى التمويل بدرجة أكبر من شأنه أن يمنح المستوردين مزيدا من الخيارات للسلع، ويساعد على التنمية الاقتصادية للبلدان الأكثر فقرا.
كثير من العقود الوثائقية المستخدمة حاليا في تمويل التجارة يمكن في النهاية استبدالها بعقود ذكية ذاتية التنفيذ تتم باستخدام تقنية بلوكتشين، وذلك وفقا لتيم كومينز، رئيس الرابطة الدولية للعقود والإدارة التجارية.
هذا يعني أنه يمكن تنفيذ العقود بشكل أسرع وأكثر بساطة، مثلا، عندما يتحدث شخص ما باستخدام هاتفه لتأكيد الشحن.
العقود الذكية يمكنها أيضا فتح أبواب السوق أمام شرائح أكبر من الناس، مثل استخدام الصور لمساعدة الموردين الأميين على فهم الشروط.
كومينز يقول إن كثيرا من العقود في العالم المتقدم يتطلب دراسة الدكتوراه حتى تكون مفهومة. "الأمر كله يتعلق بعالم نسعى فيه إلى الحد من أوجه عدم المساواة الناشئة عن سوء استخدام السلطة واستخدام ’التنمر‘ وهو جدليا يمثل كل ما تعنيه العقود التقليدية"، على حد قوله، مضيفا أنه بحلول 2050 ستكون العقود الوثائقية استثنائية.
مع كل المزايا المحتملة لتقنية بلوكتشين، إلا أن بعض أجزاء هذا العالم القديم ربما يظل دون تغيير.
أليسا دي كابريو، رئيسة سلسلة التجارة والإمداد في شركة آر ثري R3 لبرمجيات تكنولوجيا بلوكتشين تقول: "ربما لن نصل أبدا إلى الوضع الذي يختفي فيه الورق نهائيا. سيتعين عليك دائما أن نتعامل مع بلدان أو مناطق تتطلب استخدام الورق".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES