FINANCIAL TIMES

الرياح المعاكسة تضرب صناعة الساعات السويسرية

الرياح المعاكسة تضرب صناعة الساعات السويسرية

ربما استهانت شركات صناعة الساعات السويسرية بالاضطرابات الناجمة عن الاحتجاجات المؤيدة الديمقراطية في هونج كونج، لو أنها لم تأت في مثل هذا الوقت التحولي بالنسبة لصناعة الساعات.
كثير من الشركات المصنعة كانت تعول على 2019 باعتباره عاما من الهدوء ووقتا للتعافي بعد عام 2018 المليء بالتحديات. بدلا من ذلك تواجه هذه الشركات وضعا تشير فيه تقديرات المحللين إلى انخفاض النمو العالمي من 4 في المائة إلى ما يقارب الصفر، وإلى انكماش طويل الأجل في أكبر أسواقها يصل إلى 40 في المائة.
تواجه الصناعة السويسرية المحافظة تقليديا اثنين من الاتجاهات الهيكلية المرتبطين ببعضهما بعضا. الأول، التحول نحو عمليات البيع بالتجزئة المباشرة في محاولة لتحسين إدارة الهامش والمخزون، والتحكم في العلامة التجارية.
الاتجاه الآخر هو الحاجة إلى استيعاب سوق إعادة البيع المتنامية للساعات السويسرية في عصر التجارة الإلكترونية. في الأعوام الأخيرة، مثلا، اضطرت العلامات التجارية التابعة لمجموعة ريتشمونت التي تضم "كارتييه"، و"آي دبليو سي"، و"جيجر لوكولتر"، إلى إعادة شراء الأسهم من تجار التجزئة لدعم الأسعار.
لكن الانتقال إلى البيع المباشر، بعيدا عن شركات التجزئة التقليدية التي تضم علامات تجارية متعددة مثل شركة ووتشز أوف سويتزرلاند وشركة بوتشرر، لم يكن سهلا.
محاولة شركات الصناعة السويسرية تقليص عدد نقاط البيع التي من خلالها تتوافر منتجاتها، كانت عملية بطيئة. يقول محللون إن لدى شركة آي دبليو سي الآن نحو 100 متجر، لكن عددا قليلا منها مربح للغاية. الحد من الإنتاج وسيلة أخرى للتحكم في توافر المنتجات، لكنه يعد خيارا خطيرا. يقول رينيه ويبر، المحلل في مصرف فونتوبل السويسري: "لا يمكننا القول إن المشكلة قد تم حلها، لكن على الأقل بدأت العلامات التجارية تعمل عليها، وتنظر في تأثير ذلك فيها".
سوق إعادة البيع والسوق الرمادية، اللتان يتم فيهما بيع الساعات الأصلية من قبل بائعين غير رسميين، يمثلان أيضا مصدر إزعاج لم يعد بمقدور شركات صناعة الساعات تجاهله. السوق الرمادية، مثلا، غالبا ما تطلب أسعارا أعلى للساعات المرغوبة: يمكن شراء ساعة من مجموعة نوتيلوس من دار باتيك فيليب مباشرة مقابل 55 ألف فرنك سويسري (55400 دولار) عن طريق بائع عبر الإنترنت، مقارنة بشرائها من متجر باتيك مقابل 26 ألف فرنك سويسري مع انتظار لمدة خمسة أعوام.
المتاعب التي يواجهها "عالم بازل" Baselworld، المعرض السويسري الرئيس السنوي للشركات المصنعة للساعات، توضح الجهود التي تبذلها الصناعة في إعادة التنظيم. عانى المعرض انخفاضا كبيرا في عدد الشركات التي عرضت منتجاتها في العامين الماضيين، أبرزها خروج مجموعة سواتش، وأجبر هذا الجهات التنظيمية على إجراء إصلاحات شاملة على المعرض.
لكن رغم إصرارالمنظمين على أن هذه فترة انتقالية للمعرض وللصناعة الأوسع، إلا أنه بالنسبة لكثيرين لا يزال من غير الواضح ما يعنيه هذا للعام المقبل وما بعده.
من بين الأمور التي يجدر أن تحظى بتوافق في الآراء، تبرز الأهمية المتزايدة للسوق الآسيوية التي عصفت بها الاحتجاجات في هونج كونج، وهي أكبر سوق للساعات الفاخرة سابقا. المركز المالي الدولي IFC الراقي في هونج كونج يضم ما يكفي من معارض الساعات السويسرية الفاخرة لمنافسة متاجر شارع رو دو رون في جنيف، أو شارع بانهوف شتراسه في زيوريخ.
هذا المجمع التجاري وحده يضم متاجر لعلامات تجارية مثل "آي سي دبليو" و"روليكس" و"جيجر لوكولتر" و"فاشيرون كونستانتين" ضمن علامات تجارية أخرى، وهو دلالة على المدينة بأكملها. شركة أوديمار بيجيه لصناعة الساعات السويسرية لديها سبعة منافذ للبيع في الأرخبيل وأربعة في ماكاو القريبة، مقارنة بسبعة متاجر في أنحاء أمريكا الشمالية كافة. لذلك شعرت شركات صناعة الساعات في سويسرا بالقلق الشديد من الفوضى السياسية التي تمر بها هونج كونج في الأشهر الأخيرة، بسبب مقاومة المحتجين لما يرون أنه تشديد قبضة بكين على الإقليم.
أصبح المركز المالي الدولي مكانا معتادا للتجمعات المفاجئة لكل من المحتجين المؤيدين للديمقراطية والمؤيدين لبكين. كذلك تضرر بشدة مطار هونج كونج الذي هو موطن لمجموعة أخرى من متاجر الساعات، بما في ذلك بلانكبين وأوميجا ولونجين. كانت هونج كونج هي المركز العالمي لمبيعات الساعات السويسرية إلى أن بدأت الاحتجاجات. في عام 2018 حققت أكثر من ثلاثة مليارات فرنك سويسري (3.04 مليار دولار) من المبيعات العالمية البالغة 21 مليار فرنك سويسري وكانت المحرك الرئيس لنمو الصناعة في ذلك العام. يقول جان دانيال باش، رئيس اتحاد صناعة الساعات السويسرية: "آسيا هي السوق الأولى لصناعتنا. أكثر من 50 في المائة من صادراتنا متجهة إلى هناك. الأحداث في هونج كونج تؤثر في أعمالنا".
يشير باش إلى أن الأرقام ككل بالنسبة للمنطقة صمدت، حتى الآن، بشكل جيد نسبيا. رغم ارتفاع الصادرات إلى آسيا 11.3 في المائة على أساس سنوي إلى 943 مليون فرنك سويسري في أيلول (سبتمبر) الماضي، انخفضت الصادرات إلى هونج كونج 4.6 في المائة. يبدو أن البلدان الآسيوية الأخرى، من بينها الصين واليابان وسنغافورة، عالجت بعض الركود، مع ارتفاع الواردات في جميع الأسواق الثلاثة.
كثير من المستهلكين الصينيين يشترون ساعاتهم في الخارج. في الوقت الذي أدت فيه الاضطرابات في هونج كونج إلى تخلي المتسوقين عن هذه السوق، لا تزال كوريا الجنوبية واليابان مكانين جاذبين للتسوق مثلما هو الحال بشكل متزايد في البر الرئيس الصيني.
لكن مراقبون آخرون أقل تفاؤلا. زيادة المخزونات في هونج كونج تعني أن تأثير الاضطرابات السياسية لم ينعكس بالكامل بعد في أرقام الصادرات من سويسرا، بمعنى آخر، لم تترجم الصادرات بعد إلى مبيعات، وهي أقل احتمالا أن تفعل ذلك إذا استمرت الاضطرابات. يعتقد ويبر أن سوق هونج كونج قد تنكمش بنسبة تصل إلى 40 في المائة.
في حال حدث مثل هذا الانخفاض، ستتأثر التوقعات العالمية بشكل كبير. وبحسب توقعات سابقة من المتوقع نمو صادرات الساعات السويسرية 4 في المائة بشكل إجمالي هذا العام، بحسب ويبر قد ينخفض المعدل الحقيقي الآن إلى نسبة تراوح بين 1 وصفر في المائة.
في عام 2014 عانت المدينة اضطرابات مماثلة. يقول ويبر: "الأزمة الأخيرة أسفرت عن انخفاضات بلغت بصورة عامة نحو 30 في المائة، إلا أنها لم تستمر لفترة طويلة بقدر الأزمة الحالية"، مضيفا أن أرقام مبيعات التجزئة لا تبشر بالخير.
البيانات المؤقتة الصادرة هذا الشهر من قبل إدارة الإحصاءات في هونج كونج عن أيلول (سبتمبر)، أظهرت أن المبيعات بحسب قيمة الحلي، والساعات، وساعات الحائط، والهدايا القيمة انخفضت 40.8 في المائة على أساس سنوي، بعد انخفاضها 47 في المائة في آب (أغسطس) الماضي. ستراقب العلامات التجارية للساعات الفاخرة البيانات عن كثب خلال الشهرين المقبلين في الوقت الذي تصبح فيه خطورة الوضع واضحة للعيان.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES