FINANCIAL TIMES

شبكة الجيل الخامس ليست مجرد شبكة هواتف أخرى

شبكة الجيل الخامس ليست مجرد شبكة هواتف أخرى

موضوعنا اليوم أقل أهمية من غزو تركيا لشمالي سورية، أو من معالجتنا اليومية للأخبار التي تتعلق بـ"بريكست"، إلا أن من الصعب المبالغة في تقدير أهمية قرار المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل السماح لشركة الاتصالات الصينية "هواوي"، بتقديم عروضها بشأن شبكة الجيل الخامس للهواتف المحمولة في ألمانيا.
يعد هذا مثالا نموذجيا لمشكلة العمل الجماعي في الاتحاد الأوروبي: أن تتخذ دولة أوروبية كبرى قرارا من جانب واحد على حساب الدول الأخرى الأعضاء في الكتلة.
قاعدة الميزانية المتوازنة الدستورية في ألمانيا هي مثال آخر على ذلك. أود أن أصنفها بأنها أغبى القرارات المتعلقة بالسياسة الاقتصادية من جانب إحدى دول مجموعة السبع الذي عرفته طوال حياتي. فهو يحد بشكل مصطنع من قدرة السياسة المالية على تحقيق الاستقرار في الاقتصاد في وقت تجاوزت فيه السياسة النقدية الحدود. تعد حوكمة منطقة اليورو أولى مشكلات العمل الجماعي في الاتحاد الأوروبي. ودخول "هواوي" آخرها.
المشكلات المتعلقة بتقديم "هواوي" عروضها بشأن شبكة الجيل الخامس ستصبح واضحة في وقت قريب جدا: الشركة تعرض الاتحاد الأوروبي لمخاطر أمنية. ما لم يتمكن البرلمان الألماني من إلغاء القرار الذي اتخذته ميركل، فإن الدول الأخرى ملزمة بأن تحذو حذوها. وهذا بدوره سيحد من قدرة الاتحاد الأوروبي على وضع سياسة صناعية تجاه الصين.
هناك أسباب فنية وتجارية تدفع ألمانيا إلى تفضيل عرض شركة هواوي. شركات الاتصالات الألمانية تستثمر في التكنولوجيا التي تقدمها الشركة الصينية. وسيتضرر الاقتصاد الألماني إذا استجابت الصين لحظر "هواوي" بطريقة مماثلة. لكن هذه الآثار الاقتصادية صغيرة مقارنة بالعواقب الأوسع نطاقا. هناك شركتان أوروبيتان من الشركات الثلاث في العالم التي تصنع شبكات الجيل الخامس، هما "نوكيا" و"إريكسون". فلماذا لا تنشئ هاتان الشركتان شبكة الجيل الخامس في الاتحاد الأوروبي؟
ستكافح "هواوي"، باعتبارها شركة صينية، كي تبدد الشكوك حول قدرتها على حماية بيانات الاتحاد الأوروبي الحساسة من أجهزة الأمن الصينية.
لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يبني استراتيجيته الصناعية على أمل خادع بأن شركة مملوكة للصين قد تقف في وجه السياسيين الصينيين، أو تتحدى القانون الصيني. شبكة الجيل الخامس ليست مجرد شبكة هواتف أخرى. بل ستكون عنصرا بالغ الأهمية في البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية التي يستند إليها جزء كبير من نشاطنا التجاري في المستقبل.
الاتحاد الأوروبي بطبيعته غير مهيأ بشكل جيد للتعامل مع هذا النوع من المشكلات. إنه بارع في الموازنة بين المصالح المتعارضة للدول الأعضاء، لكنه ليس جيدا في وضع استراتيجية جيوسياسية متماسكة. الاتحاد الأوروبي، مثلا، فشل في الاستفادة من اليورو واستثماره أداة سياسة خارجية. لم تفكر الدول الأعضاء في السياسة الخارجية عندما أنشأت الاتحاد النقدي الأوروبي. وعلى الرغم من إجراء بعض الإصلاحات البسيطة هنا وهناك، لا يزال إطار عمل الحوكمة في منطقة اليورو يشبه ما كان عليه قبل 20 عاما.
عقلية البلد الصغير لا تختفي ببساطة عندما تجتمع الدول لتشكيل اتحاد. لا تزال مناقشة السياسة في منطقة اليورو اليوم مليئة بمشاعر القلق. على عكس الأمريكيين أو الصينيين أو الروس، يصوغ الأوروبيون السياسة الخارجية على أساس العلاقات وليس المصالح. فالسياسات القائمة على المصلحة تقديرية بحكم تعريفها. لكن الاتحاد الأوروبي قائم على القواعد. وبما أن محافظي البنوك المركزية مدركون إدراكا تاما، فلا يمكن أن توجد القواعد والسلطة التقديرية معا لحسن الحظ.
أظهر الاتحاد الأوروبي أنه يمكن أن يعمل بقوة عندما يكون هناك شبه إجماع، كما كان الحال عندما استجاب رؤساء الدول الأعضاء لضم روسيا لشبه جزيرة القرم، لكن ذلك كان استثناء. لطالما كان الأمر الأكثر شيوعا هو عدم الاتفاق على سياسة هجرة مشتركة. تعد الهجرة إحدى مشكلات العمل الجماعي التقليدية التي تتعارض فيها المصالح.
في حال سيتم وضع استراتيجية للسياسة الخارجية، ستكون لدعم الصادرات. يتمثل أنموذج الأعمال في ألمانيا، وهولندا، وإيرلندا، ودول أخرى من الاتحاد الأوروبي، في تحقيق فوائض تجارية أمام بقية دول العالم. السياسة الخارجية هي نتيجة ثانوية لمواطن الضعف الناتجة. أعتقد أن مستقبل الاتحاد الأوروبي قريب من مستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. فهو محق في الاستمرار في تذكير الاتحاد الأوروبي بأنه يحتاج إلى مركز أقوى. وأنا أتفق أيضا مع استراتيجيته المتمثلة في إحداث أكبر قدر من التعطيل في الوضع الراهن للاتحاد الأوروبي. لا شيء آخر يجدي نفعا.
كان ماكرون محقا في اعتراضه على انضمام مقدونيا الشمالية وألبانيا إلى الاتحاد الأوروبي حتى يتم الاتفاق على الإصلاحات وتنفيذها. إن المهمة الأكبر التي تواجه الاتحاد الأوروبي هي أن يسعى إلى التحسن، وليس التوسع. كما أنه كان محقا في التشكيك في الغرض من طلب تأجيل موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مرة أخرى. إن تردد المجلس الأوروبي بشأن "بريكست" يصرف الانتباه عن القضية الأكثر أهمية وهي إصلاح الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو.
بعض الإصلاحات اللازمة تتطلب تغيير المعاهدات الأوروبية. لكن هذا لا ينبغي أن يمنع الاتحاد الأوروبي من معالجة بعض إخفاقاته في العمل الجماعي في الوقت الحالي. سيكون وضع سياسة مشتركة بشأن شبكة الجيل الخامس بداية جيدة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES