FINANCIAL TIMES

الاقتصاد الأمريكي ينفصل عن العالم

الاقتصاد الأمريكي ينفصل عن العالم

أي شخص لا يزال لديه شك في أن الولايات المتحدة تنفصل اقتصاديا عن بقية العالم عليه إلقاء نظرة على اقتراح قدمته وزارة التجارة الأسبوع الماضي. يسمح الاقتراح لوزيرها، ويلبر روس، بمنع استيراد أي تكنولوجيا جديدة تمثل "تهديدا للأمن القومي". يمكن أن تنطبق اللغة العامة ليس فقط على شرائح "هواوي" أو شركات الدوت كوم الصينية، بل على الأجهزة والبرمجيات وخدمات البيانات الأوروبية أيضا، إذا تم اعتبارها مرتبطة بـ"خصم أجنبي".
أصبح مثل هذا الربط ممكنا للغاية الآن إذ يتم إدخال أوروبا في مدار التكنولوجيا في الصين من خلال معايير الجيل الخامس والتكنولوجيات التي تشكل جزءا من مبادرة الحزام والطريق. لقد تحدثت أخيرا إلى أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في إحدى شركات التكنولوجيا الأمريكية ذات الأهمية الاستراتيجية، الذي أخبرني أنه أصبح من الصعب عليه حتى التحدث إلى نظرائه في أوروبا، بسبب القيود المختلفة التي فرضتها إدارة ترمب.
يعد ذلك مخيفا، لأن أحد أهم الأشياء التي يمكن للولايات المتحدة فعلها الآن لتضمن كلا من الأمن القومي ومكانتها الخاصة في الاقتصاد الرقمي للقرن الـ21 هو العمل مع الحلفاء على معايير عبر الأطلسي للتكنولوجيات الناشئة مثل الجيل الخامس، والذكاء الاصطناعي وما إلى ذلك. في الواقع كانت هذه توصية أساسية في تقرير الاجتماع الأخير لمجلس العلاقات الخارجية بعنوان "الابتكار والأمن القومي .. الحفاظ على حدودنا".
يشير العنوان إلى أن ذلك الانفصال لم يعد فكرة هامشية. كان مجلس العلاقات الخارجية على نحو تقليدي مقر التفكير الاقتصادي الليبرالي الجديد. ومعظم أعضائه من كبار السن والأثرياء وأصحاب الأعمال والسياسة الذين شكلوا العولمة واستفادوا منها -تحديدا حرية حركة رأس المال عبر الحدود- على مدى العقود الأربعة الماضية. حقيقة أن مجلس العلاقات الخارجية يعترف الآن بأننا في عالم أكثر تفككا -عالم لا تتم إعادة ضبطه على فترة التسعينيات- والدعوة إلى ما هو سياسة صناعية أمريكية يعد تحولا كبيرا في التفكير.
هم ليسوا وحدهم. عندما كتبت لأول مرة أن النخبة غاب عنها احتمال إلغاء العولمة، كان الحديث حول فكرة فك الارتباط بين الولايات المتحدة والصين اقتصاديا غالبا ما يدور في أوساط أصحاب الأفكار الشاذة. في الوقت الحالي أصبح هذا الاتجاه سائدا، يدافع عنه سياسيون يبدون على طرفي نقيض أيديولوجيا، مثل المرشحة الديمقراطية للرئاسة إليزابيث وارين والسيناتور الجمهوري ماركو روبيو.
تبحث لجنة تابعة للكونجرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في العلاقة بين الأمن القومي والتكنولوجيا، وتتطلع إلى مساعدة وزارة الدفاع للحفاظ على تفوقها الفني أمام الصين وروسيا. فاز الائتلاف من أجل أمريكا مزدهرة، وهو مجموعة تريد إعادة بناء القاعدة الصناعية الأمريكية وتأمين سلاسل الإمداد، بجائزة مرموقة أخيرا من الرابطة الوطنية للاقتصاد والأعمال، لتقديمه ورقة بحثية توضح أن رسوما جمركية دائمة على الصين ستفيد الاقتصاد الأمريكي.
يمكن لأحدهم الجدال حول فعالية الرسوم الجمركية. لكن أصبح من المسلم به أن الولايات المتحدة بحاجة إلى استراتيجية اقتصادية وطنية أكثر تماسكا في عالم تتصاعد فيه رأسمالية الدولة. السؤال هو كيفية الوصول إلى هناك. هذا هو المكان الذي بدأت فيه التناقضات الداخلية في نظام التجارة الحرة في أمريكا تصبح مشكلة.
تتكون لجنة العلاقات الخارجية التي أعدت تقريرا عن استراتيجية وطنية للابتكار في معظمها من جهات تابعة للقطاع الخاص، من قطاعات مالية وتكنولوجية واستشارية (بما في ذلك كبار الشخصيات في "ألفابيت" و"أبل" و"فيسبوك" و"بريار كابيتال" Breyer Capital و"جري لوك" Greylock و"ماكينزي"). يوجد مشاركون أكاديميون، مثل لورا تايسون، رئيسة مجلس المستشارين الاقتصاديين لبيل كلينتون التي طالبت منذ فترة طويلة بسياسة صناعية، والجنرال المتقاعد ويليام ماكرافين الذي يعمل الآن في جامعة تكساس. لكن لا يوجد أعضاء من القطاع العام.
لكن التقرير يدور في معظمه حول ما ينبغي للحكومة فعله - تشمل التوصيات مزيدا من الدعم الفيدرالي للبحث والتطوير، وتغيرات في سياسة الهجرة لجذب المهاجرين ذوي المهارات، ونسبة مئوية أكبر من الإنفاق الفيدرالي والإنفاق العسكري المخصص للاندماج التكنولوجي.
يعكس هذا أمورا أكثر من عدم كفاءة إدارتنا الحالية. إنه يعكس الفجوة بين ما يريده القطاع الخاص من الحكومة وما هو على استعداد لتقديمه لدعم القطاع العام. هل ستتوقف "أبل" و"ألفابيت" و"فيسبوك" عن نقل الأرباح إلى الخارج، أو تضع كل ما تعيده إلى الولايات المتحدة في شيء ما عدا عمليات إعادة شراء الأسهم؟ هل سيتطوع وادي السليكون وول ستريت لإعادة تدريب الملايين من العاطلين في جيل الألفية؟ كيف يمكننا الانتقال من 40 عاما من التفكير في جانب العرض الذي استفادت منه الشركات متعددة الجنسيات، إلى شيء يدعم بشكل أفضل الاقتصاديات المحلية والعمال؟ تلك هي الأسئلة الكبيرة التي لم تتم الإجابة عنها.
ولنكون منصفين، بعض الشركات والمجموعات التجارية وفرت موارد للربط بين القطاعين العام والخاص (تبرز مدارس بي تك P-tech في "آي بي إم" وجهود "بزنس راوند تيبلز" Business Roundtables في التدريب المهني).
لكن إذا كانت أمريكا ستتنافس مع اقتصاد تديره الدولة مثل الصين في العصر الرقمي -اقتصاد يبدو أنه يدعم ديناميكية الفائز يحصل على كل شيء- فسنحتاج إلى تحولات أكبر موجهة من القطاع العام. لتحقيق ذلك، نحتاج أيضا إلى إجراء تغييرات في السياسة الضريبية تتيح للحكومة الحصول على مزيد من الثروة التي أنشأها القطاع الخاص ونشرها.
تلك رسالة لا تحبذ سماعها الشركات. لكن مثل الفصل الاقتصادي نفسه، فإنها مقبلة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES