FINANCIAL TIMES

الخطأ والصواب في رؤية ماكرون الأوروبية

الخطأ والصواب في رؤية ماكرون الأوروبية

أعتقد أن مؤيدي "بريكست" في بريطانيا لم ينتبهوا إلى المفارقة. الاتحاد الأوروبي يتعثر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يأسف لأن الاتحاد الآن أشبه بسوق منه مجتمعا سياسيا من البلدان. وأصبح مترهلا. اتحاد مكون من 28 بلدا (قريبا ستكون 27)، مع خطوط صدع تمتد من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، يكافح من أجل التماسك.
السوق الموحدة والتوسيع، كما يبدو، يتحملان مسؤولية كبيرة. هذان مشروعان تم تنفيذهما بحماس خلال الثمانينيات والتسعينيات من قبل اثنين من رؤساء الوزراء من حزب المحافظين، مارجريت تاتشر وجون ميجر. يمكنك الذهاب إلى حد وصفهما بأنهما قصتا نجاح بريطانيتان رائعتان.
لكن كانت هناك حاجة إلى تنظيمات بروكسل لجعل الملعب مستويا والفرص متكافئة. ومن ثم تم استغلال العمال الوافدين إلى بريطانيا من الدول الشيوعية السابقة من قبل مؤيدي "بريكست" من حزب المحافظين ذريعة للانسحاب من الاتحاد الأوروبي. لم يبق إلا أن يقولوا في عام 2016 "لقد فزنا، لذلك سنغادر". لا يوجد تفسير للبريطانيين عندما يقعون فريسة نوباتهم الدورية من الحنين الإمبراطوري.
تأملات ماكرون بشأن حالة أوروبا خلال مقابلة مع مجلة "ذي إيكونوميست" كانت أكثر تأملا. هذا لا يعني أنه يمكن إعفاء الرئيس من أنه يعاني تحامل بلاد الغال. قصته، الدقيقة بشكل أساس، عن دور أمريكا الأناني في التكامل الأوروبي لها نكهة فرنسية بشكل واضح. الشكوى بشأن عملية صنع القرار المرهقة في الاتحاد الأوروبي يشوبها الحنين للأيام التي زعمت فيها فرنسا قيادة "البلدان الستة".
ما يميز المقابلة هو أنها تكشف عن قائد يضع وجهات نظره ضمن إطار عمل عالمي متماسك، ومقنع في الأغلب. هناك عدد قليل من القادة الغربيين المستعدين للمغامرة برؤية استراتيجية -حتى مجرد رؤية طويلة الأمد- عن المكان الذي يتجه إليه العالم.
هذا الوصف كان ينطبق على باراك أوباما. لكن رغم كونه حاد البصيرة، فإن تحليل الرئيس الأمريكي السابق غالبا ما كان يفشل. مجال رؤية أنجيلا ميركل أصبح ضيقا خلال أعوامها مستشارة لألمانيا. أما بالنسبة لرؤساء الوزراء الثلاثة الأخيرين في المملكة المتحدة -ديفيد كاميرون، وتيريزا ماي وبوريس جونسون- حسنا، لن يتهمهم أحد بالانغماس في التفكير العميق. الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لا يحتاج إلى تفسير.
ماكرون مقنع، حتى لو كانت خطوط السببية في بعض الأحيان تبدو فرنسية بشكل مفرط. انتقال الاتحاد الأوروبي من مجتمع سياسي إلى سوق كان إلى حد كبير نتيجة التاريخ وليس مؤامرة من بريطانيا الغادرة. قادة ما بعد الحرب الذين كانت المصالحة السياسية بين الدول بالنسبة لهم أمرا ملزما مهدوا الطريق لجيل يعد فكرة خوض ألمانيا وفرنسا الحرب مسألة لا يمكن تصورها.
بالمثل، انهيار الشيوعية سلب الاتحاد الأوروبي عدوه الخارجي الرئيس. يجب أن تكون في عمر 30 عاما أو أكثر لتكون قد رأيت جدار برلين. تخلى الاتحاد الأوروبي عن غرضه السياسي لأنه في شفق النصر في الحرب الباردة في نهاية التاريخ لم يكن هناك مثل هذه المهمة القوية. تأكيد ماكرون أن أوروبا ينبغي أن تعيد اكتشاف هذا الغرض من خلال تحمل مسؤولية أمن جيرانها هو أمر لا جدال فيه. أزمة الهجرة في عام 2015 كانت الإنذار الأول. منذ ذلك الحين تراجعت الولايات المتحدة أكثر من الشرق الأوسط -كما هو الحال في سورية، ما ترك فراغ قوة لتملؤه روسيا برئاسة فلاديمير بوتين.
برأيي، ربما يكون الرئيس الفرنسي متشائما بشكل مفرط بشأن انهيار حلف الناتو، على الأقل على المدى القصير إلى المتوسط. تقريبا أي خليفة لترمب من المرجح أن يرى تحالف الولايات المتحدة مع أوروبا باعتباره مصلحة وطنية حيوية. أي شيء بخلاف ذلك سيكون مساعدة وتحريضا للصين في طموحها الاستراتيجي لتأسيس نفسها قوة أوروبية آسيوية بارزة.
مع ذلك، لا يمكن مخالفة ماكرون بشأن اتجاه السفر. لا ينبغي لأحد أن يتوقع من الولايات المتحدة الاستمرار في ضمان السلام الأوروبي في جميع الظروف. دائما ما كانت هناك علامة استفهام (عادة غير معترف بها) بشأن ضمان المادة الخامسة الخاصة بحلف الناتو.
عندما سأل ماكرون، بشكل افتراضي، عما إذا كان هناك أعضاء آخرون في حلف الناتو قد يندفعون للدفاع عن تركيا ضد هجوم يأتيها من سورية، مثلا، كان يكشف عن حجاب واه بشكل متزايد. كان يمكن أن يسأل أيضا عما إذا كانت بريطانيا، أو فرنسا بهذا الخصوص، قد تخوض حربا ضد روسيا دفاعا عن لاتفيا أو ليتوانيا؟
إذا كان الأمر حقيقة لا جدال فيها أن أوروبا ينبغي أن تفعل مزيدا للدفاع عن نفسها -بعبارة ماكرون لاستعادة "السيادة" على أمنها- فسيكون من الصعب الموافقة على فكرة أن تكون قوة "موازنة" بين الصين والولايات المتحدة. السياسة الخارجية الأمريكية التي صاغها ترمب لا تشتمل على أي شيء يزكيها. نعم، ينبغي ألا تكون أوروبا خاضعة لواشنطن أو بكين في مجالات تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي. لكن الولايات المتحدة تبقى ديمقراطية تتقاسم مع أوروبا مجموعة من القيم التي لن تجدها أبدا في الصين برئاسة تشي جينبينج.
كذلك ينبغي أن تسعى أوروبا الديمقراطية إلى التوصل إلى تسوية مؤقتة مع جارتها الشرقية الغاضبة. لا يوجد ما يمكن فقدانه من محاباة غرور بوتين الشخصي. مع ذلك، نحن نحتاج إلى التأكيد أن ماكرون لا يخلط بين الاشتباك واسترضاء روسيا.
لكن لن تكون هناك قيمة لأي من هذا دون ما يدعوه ماكرون "القواعد" الأساسية للسلطة والسيادة. للحظة خاطفة في نهاية الحرب الباردة بدا أن أوروبا يمكن أن تكون قوة معيارية، من خلال تصدير الديمقراطية الليبرالية، مثلا. هذه النافذة أغلقت. إذا كانت أوروبا تقدر قيمها، فسيكون عليها الدفاع عنها.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES