أخبار اقتصادية- محلية

خبراء دوليون: رئاسة "العشرين" رهان سعودي على مواجهة تحديات العالم الاقتصادية

خبراء دوليون: رئاسة "العشرين" رهان سعودي على مواجهة تحديات العالم الاقتصادية

أكد لـ"الاقتصادية" خبراء دوليون، أن تولي السعودية رئاسة مجموعة العشرين فرصة لخروج المجموعة من عالم البيانات، التي تعترف بوجود تحديات دولية، إلى عالم الواقع عبر اتخاذ خطوات ملموسة للتصدي لتلك التحديات.
وقالوا "إن وجود الأمير الشاب محمد بن سلمان ولي العهد يوجد ديناميكية عمل جديدة أكثر فاعلية وحيوية لمجموعة العشرين، ويسهم في إخراجها من الطابع الكلاسيكي للقيادة إلى طابع أكثر تفهما لطبيعة المرحلة الجديدة".
في أواخر عام 2008 وفي خضم أزمة مالية عالمية أدرك الجميع منذ البداية مدى حدتها وخطورتها على الاقتصاد الدولي، عقد قادة مجموعة العشرين قمتهم الأولى.
عديد من المؤسسات المالية الدولية وكثير من قادة وزعماء العالم حتى غير المشاركين في المجموعة رحبوا بها باعتبارها منتدى جديدا يتسم بالتنوع، ويتمتع بصيغة شمولية تمكنه من طرح حلول مشتركة وأكثر عدالة لمواجهة المشكلات الكونية.
لفترة من الوقت أفلحت المجموعة في البروز كمنتدى لتنسيق السياسات الدولية، وعززت الآمال في إمكانية تحقيق إصلاح شامل في هيكل الاقتصاد العالمي، وبدت من وجهة نظر عديد من الخبراء والاقتصاديين، مجموعة أكثر اتساقا وتعبيرا عن حقيقة التنوع في الاقتصاد الدولي، مقارنة بمجموعة السبع "الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، واليابان" التي كانت من وجهة نظر كثيرين مجموعة تعكس رغبة الدول الرأسمالية عالية التطور في مواصلة هيمنتها على الاقتصاد الدولي، ومواصلة توجيهه بما يحقق مصالحها في الأساس، خاصة مع استبعاد الصين وضمها عددا من الدول الأوروبية التي تتقاسم العملة ذاتها، وتلتزم السياسة النقدية والمالية ذاتها.
مع مرور الوقت، بدأت مجموعة العشرين تفقد زخم الأضواء بعد التوترات التجارية، وبرزت الخلافات داخلها خاصة بين الولايات المتحدة تحت رئاسة دونالد ترمب والصين تحت حكم شي جين بينج، خلافات لم تحرف المجموعة عن مسارها فحسب، بل وضعت شكوكا حول قدرتها على التصدي للمشكلات الدولية، مع إخفاقها في معالجة مشكلاتها الداخلية.
عام بعد آخر باتت التساؤلات ذات الطابع الوجودي تبرز على السطح، هل فقدت المجموعة دورها كحارس للنظام الدولي؟ وإلى أي مدى لا يزال قادة العشرين قادرين على مواجهة تحديات المستقبل، حيث يكمن نجاحهم أو إخفاقهم.
تدرك السعودية حاليا، بعد أن آلت لها رئاسة مجموعة العشرين، أن أمامها منذ اليوم وحتى تستضيف قمة زعماء وقادة القمة في الرياض يومي 21-22 نوفمبر 2020 ما يقارب عاما، لتعيد إلى المجموعة الدولية حيويتها كحارس أكثر عدلا للنظام الاقتصادي العالمي.
يرى الخبراء أن أول تعليق للأمير محمد بن سلمان ولي العهد على تولي المملكة رئاسة المنظمة الدولية، يكشف عن فهم سعودي واضح لطبيعة التحديات المقبلة، ما يمثل نقطة انطلاق توجد شعورا بالتفاؤل تجاه ما يمكن إحرازه هذا العام.
"تلتزم رئاسة السعودية خلال رئاستها مجموعة العشرين بمواصلة العمل الذي انطلق من أوساكا وتعزيز التوافق العالمي، وسنسعى جاهدين بالتعاون مع الشركاء في المجموعة لتحقيق إنجازات ملموسة واغتنام الفرص للتصدي لتحديات المستقبل".
بتلك الكلمات علق ولي العهد على تولي الرياض رئاسة المجموعة ليكشف أن تعزيز التوافق الدولي عبر حل المشكلات الداخلية، والتعاون مع الشركاء، لتحقيق الإنجازات والتصدي للتحديات المستقبلية هي أحجار الزاوية التي سترفع عليها السعودية بنيان المنظمة الدولية، لتنقلها إلى مرحلة جديدة مميزة ومتميزة في الأداء تحافظ بها على المفاهيم الأساسية لتلك المنظمة الدولية، لكن ضمن إطار جديد يتناسب مع التحديات الراهنة.
استطلعت "الاقتصادية" آراء عدد من الخبراء والأكاديميين، حول ما يميز الرئاسة السعودية لمجموعة العشرين، وإلى أي مدى يمكن للمجتمع الدولي أن يساند الرياض في بلورة فهم عالمي مشترك للتحديات الاقتصادية، وهل يمكن للمجموعة في ظل الرئاسة السعودية أن تطرح وجهة نظر أكثر شمولية وأوسع نطاقا لوجهات النظر الدولية تجاه القضايا والتحديات المختلفة؟
تعد الدكتورة جيسيكا بونتون أستاذة المنظمات الدولية في جامعة برمنجهام، تولي السعودية رئاسة المجموعة فرصة لخروج مجموعة العشرين من عالم البيانات الصعبة التي تعترف بوجود تحديات دولية إلى عالم الواقع، عبر اتخاذ خطوات ملموسة للتصدي لتلك التحديات.
وتقول لـ"لاقتصادية"، "هناك عدد من العوامل الفارقة نتيجة تولي الرياض رئاسة المجموعة، الجانب الأول طبيعة القيادة الشابة للأمير محمد بن سلمان، حيث توجد ديناميكية عمل جديدة أكثر فاعلية وحيوية لمجموعة العشرين، ويسهم في إخراجها من الطابع الكلاسيكي للقيادة إلى طابع أكثر تفهما لطبيعة المرحلة الجديدة".
وتعتقد الدكتورة جيسيكا، أن إعلان الرياض أن المحور الأول الذي ستركز عليه خلال رئاستها المجموعة مبني على تهيئة الظروف التي تمكن جميع الأفراد، خاصة النساء والشباب، من العيش والعمل والازدهار، ما هو إلا نقطة جديدة مفصلية ستضاف إلى نقاط ارتكاز المجموعة لتطوير العمل المستقبلي فيها، عبر إضفاء الحيوية على آليات العمل الداخلي، باستهداف الفئات الشابة، وهو ما يعد إدراكا لطبيعة التغيرات الديموغرافية الكونية.
وتشير إلى أن الاهتمام بفئة الشباب يمثل تحولا نوعيا في مستقبل مجموعة العشرين، ورؤيتها للتغيرات الجارية على الساحة الدولية.
وتضيف "سيمثل الاهتمام السعودي خلال هذا العام بالنساء والشباب تحديا حقيقيا واختبارا أصيلا لقدرة مجموعة العشرين على العمل المشترك بين الدول الأعضاء، ولا شك أن الرياض ركزت على هذا الهدف نظرا لما تتمتع به من ميزة خاصة في ضوء اهتمام القيادة السعودية، تحديدا الأمير محمد بقضايا الشباب، وهو ما يمثل رسالة ذات طابع عالمي، بأن السعودية تنقل هذا الاهتمام من الإطار المحلي، لتجعله إحدى اللبنات الأساسية في السياسة الدولية عبر مجموعة العشرين".
وتواصل جيسيكا بونتون قائلة "إضافة إلى الطابع الشبابي للقيادة، هناك ميزة أخرى تتمتع بها السعودية، ومن المرجح أن تعمل الدبلوماسية السعودية على تفعيلها خلال العام الذي ستتولى فيه رئاسة المجموعة، فأحد أبجديات عمل مجموعة العشرين تمثل في تسهيل الحوار العالمي، وقد أصيب هذا الهدف بدرجة ملحوظة من التراجع في الأعوام الأخيرة".
وتضيف "لكن الطابع الخاص للمملكة عبر تبني نهج دبلوماسي متوازن بين أطراف الصراعات الدولية الكبرى، وأعني هنا الصين والولايات المتحدة والعلاقة الخاصة التي تربط الرياض بواشنطن، وفي الوقت الذي تدافع فيه المملكة عن التجارة الحرة، فإنها تمتلك علاقات اقتصادية خاصة مع الصين، ما يؤهلها للقيام بدور جاد لخفض حدة الصراع التجاري بين واشنطن وبكين، ولا شك أن خطوة من هذا القبيل ستخرج المجموعة من أزمتها الداخلية لتعيدها مرة أخرى إلى الساحة الدولية".
جافين هانكوك الباحث في الاقتصاد الدولي يشير إلى أن الخطاب السعودي حول رؤية المملكة لمستقبل المجموعة تعمد منذ اللحظة الأولى أن يبتعد عن التقليدية والمألوف، ليتناول موضوعات تربط بين ما يعده جافين خطابا سعوديا معاصرا وجديدا يتفق مع المتغيرات الكونية، بحيث تصبح مجموعة العشرين في ظل رئاسة المملكة لها حلقة وصل فاعلة بين رؤية المملكة 2030 لتطوير المجتمع الدولي من جانب، والمتغيرات الجديدة التي تعيد تشكيل هيكل الاقتصاد العالمي من جانب آخر.
ويقول هانكوك لـ"الاقتصادية"، "يسهم أعضاء مجموعة العشرين بنحو 85 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العالمي، وتضم المجموعة في عضويتها معظم الاقتصادات الناشئة في العالم، ويلاحظ أن النقاط التي أعلنت المملكة أنها ستركز عليها تضمنت في الأساس الحفاظ على كوكب الأرض عبر تعزيز الجهود التعاونية فيما يتعلق بالأمنين الغذائي والمائي والمناخ والطاقة والبيئة، وكذلك اعتماد استراتيجيات طويلة الأمد فيما يتعلق بالتقدم التكنولوجي، وتلك المرتكزات تتناسب تماما مع رؤية السعودية 2030".
ويؤكد أن الخطاب السعودي المعاصر يركز على قضايا الإبداع الإنساني والتكنولوجي، والقواسم المشتركة لحماية البيئة، حيث إن هذا الخطاب الحداثي أكثر قبولا على المستوى العالمي خاصة بين الفئات الشابة، وهو ما يمنح المجموعة تحت قيادة السعودية زخما من نوع جديد، يجعل من القواسم المشتركة ذات الطابع المستقبلي قوة الدفع في عمل المجموعة.
ويلفت إلى أن تلك المرتكزات السعودية في إدارة المجموعة خلال عام رئاستها تكشف مبكرا عن رغبة الرياض في الخلاص من الطابع البيروقراطي الذي بات يهيمن على عمل المجموعة، لمصلحة دعم نشاط الشباب ورجال الأعمال والمبادرات الفردية، لإيجاد تعاون حقيقي على المستوى العالمي.
ويوضح أن القيادة السعودية ترغب خلال رئاستها مجموعة العشرين أن تبعث برسالة توعية للمجتمع الدولي، جوهرها أنه حتى لو تبنى القادة السياسيون كل الأفكار الصحيحة والناضجة والإيجابية، فإنهم سيظلون بحاجة إلى آليات عمل جماعي، عبر مساهمات الشباب لتحويل تلك الأفكار إلى واقع عملي على الأرض، من خلال سياسات منسقة ومنسجمة مع التغيرات التي يشهدها المجتمع الدولي.
من جهته، يعتقد الدكتور سيمون كامبرلاند أستاذ التعاون الدولي في جامعة بروملي، أن تولي السعودية رئاسة مجموعة العشرين يأتي في وقت يمتلئ بالتحديات التي تجعل مستقبل المجموعة على المحك.
ويقول لـ"الاقتصادية"، "ربما نقطة البدء في رئاسة السعودية أنها طرحت ركائز شديدة الواقعية يمكن وضع أساسها على الأقل خلال العام الذي ستترأس فيه المجموعة، ومنبع هذا الخيار أن القيادة السعودية ترغب في القضاء أو التخلص من خلل واضح في هيكل المجموعة، وهو افتقارها إلى إطار موضوعي يتم من خلاله تحديد الأهداف، وقياس مدى إنجازها على أرض الواقع".
ويضيف "مجموعة العشرين منذ لحظة تأسيسها اتسمت أهدافها دائما بالسيولة، وكل دولة تولت الرئاسة أضافت شيئا إلى تلك الأهداف، ما جعل المجموعة تقع في فخ البيانات والأهداف البراقة، دون أن يكون هناك مقياس حقيقي لما تحقق من أهداف، السعودية تريد
إحداث نقلة نوعية بأن تضع أهدافا يمكن قياس مدى تحقهها بأسلوب علمي، وهذا ما جعل المرتكزات المطروحة حاليا واقعية".
ويشير إلى أن رئاسة السعودية بمقدار ما تهدف إلى تمهيد الطريق لنظام اقتصادي عالمي جديد، من خلال تنسيق الاقتصادات الكلية لتوفير الاستقرار في الأسواق، مع ضمان السيولة، وتعزيز انتعاش الاقتصاد العالمي، وضمان النمو والرفاهية الاقتصادية، فإنها تسعى إلى توسيع نطاق المفاهيم الرئيسة داخل المجموعة عبر التركيز على المسائل ذات الأمد الطويل، كالاهتمام بالإبداع الإنساني في المجالات كافة، مع التركيز على التقدم التكنولوجي باعتباره قاطرة الجذب للحضارة الإنسانية ككل.
ويؤكد أن هذا التغير يضفي على المجموعة مزيدا من القبول الدولي، ويمنحها شرعية حقيقية تصبح بمقتضاها منظمة ذات طابع قيادي، قادرة على دفع المجتمع الدولي إلى الأمام، ليس من منطلق القدرات المالية والاقتصادية التي تمتلكها، إنما نتيجة وضع مجموعة أهداف تعد بمنزلة عباءة كونية قادرة على جمع الإنسانية ككل داخل إطارها الرحب، وعدم حصرها في جوانب مادية فحسب، إنما في مجموعة متفاعلة من القيم المشتركة القادرة على جذب المجتمع الإنساني ككل، لتحقيق درجة أعلى من العدالة والمساواة.
ويقول "إن نجاح القيادة السعودية في تحقيق ذلك، خلال توليها رئاسة المجموعة، سيمثل ميلادا جديدا للمجموعة، وإعادة تدشين لمرحلة جديدة من تاريخها، لتصبح أكثر مقدرة على مواجهة التحديات الدولية في القرن الـ21".
 

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- محلية