أخبار اقتصادية- عالمية

خبراء: الحرب التجارية بين واشنطن وبكين ستمتد إلى الاقتصادات الناشئة في آسيا

خبراء: الحرب التجارية بين واشنطن وبكين ستمتد إلى الاقتصادات الناشئة في آسيا

يتخوف عديد من الاقتصاديين من غياب آفاق مرئية لوقف الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وينبع الجزء الأكبر من تلك المخاوف، من التأثير المباشر لتلك الحرب في الاقتصاد العالمي، والتجارة الدولية، والتدفقات الاستثمارية بين البلدين، التي تمثل عصبا حيويا للاقتصاد العالمي وتقدمه. لكن المخاوف منبعها أيضا أنه كلما طال أمد الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، بدا الصراع وكأنه جزء أصيل من منظومة الاقتصاد العالمي، وسمة من سماته الدائمة، بدلا من أن يتم التعامل معه والنظر إليه بعدّه انحرافا مؤقتا يجب التخلص منه سريعا لضمان ازدهار الاقتصاد الدولي.
على مدى العامين الماضيين استهدف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الاقتصاد الصيني، عبر فرض عديد من القيود على التجارة البينية، وبرر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إجراءاته باعتبارها محاولة أمريكية تهدف جزئيا إلى الحد من العجز التجاري مع المنافس الآسيوي.
ورغم أن الآثار السلبية للهجمة الأمريكية باتت محسوسة، وطالت اقتصادَيْ البلدين، بما يهدد الرخاء الاقتصادي على المستوى العالمي، إلا أن تأثير تلك المواجهة امتد إلى القارة الآسيوية وتحديدا الاقتصادات الناشئة في جنوب شرق آسيا، سواء أكانت تلك الاقتصادات من حلفاء هذه أو تلك، وبصورة تعصف بالتدفقات الاستثمارية في تلك الاقتصادات الصاعدة، التي تعتمد اعتمادا شبه كلي على التجارة الدولية، وإلى الحد الذي دفع بعض الخبراء إلى الإشارة بأن نحو 150 مليار دولار يمكن محوها من الناتج المحلي الإجمالي على مستوى العالم إذا ما طبقت واشنطن عمليا التعريفات التي أبلغت بها منظمة التجارة العالمية العام الماضي، التي سيأتي ثلثها من منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
في نظر بعض الخبراء الاقتصاديين أن التصورات التي سادت لدى بعض بلدان جنوب وجنوب شرق آسيا، بأن تلك الحرب التجارية بين أول وثاني اقتصادين في العالم ستصب في مصلحتهم، قد تراجعت إن لم تتبخر مع مرور الوقت.
ووفقا للدكتور روبرت برونز أستاذ التجارة الدولي في جامعة مانشستر، فإن بعض بلدان جنوب وجنوب شرق آسيا ذات العمالة الرخيصة مثل فيتنام وبنجلادش على سبيل المثال، سادت لديهم قناعات بأن حربا تجارية طويلة الأمد بين الولايات المتحدة والصين، ستجعل الشركات متعددة الجنسيات تتحول بعيدا عن العملاق الصيني، وتبدأ في البحث عن أسواق جديدة، لكنه يشير إلى أن تلك التصورات باتت الآن أكثر واقعية، وإدراكا بأنه لا يوجد فائز في الحروب التجارية.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن "السيناريو الآخذ في التبلور الآن، هو أن فترة عدم اليقين التجاري المتزايد، ستؤدي إلى إضعاف ثقة المستثمرين في آسيا ككل، وإلى تباطؤ محتمل للنمو العالمي، وسيعوق ذلك الاستثمارات، وسيصيب بالضرر بشكل أكبر التجار الآسيويين، وغالبا ستتفوق الآثار السلبية الكبيرة، على أي آثار إيجابية ناجمة عن تحول أنماط الاستثمار بعيدا عن الصين، وانتقالها للبلدان الآسيوية التي تنخفض فيها التكاليف".
ويواصل برونز، أن "ارتفاع تكاليف التجارة نتيجة الحرب التجارية سيدفع حتما الشركات متعددة الجنسيات إلى إعادة تشكيل شبكات الإنتاج العالمية الخاصة بها، ومن غير الضروري أن يصب ذلك في مصلحة البلدان الآسيوية".
ومن المرجح، من وجهة نظر برونز، أن التوترات التجارية ستجعل من الصعب على الدول النامية الأكثر فقرا في آسيا اتباع طرق ما يعرف بتكامل سلاسل التوريد، التي ساعدت شرق آسيا في السابق على النمو الاقتصادي السريع، في مرحلة المنافسة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، وقبل أن يندلع الصراع التجاري بينهما وتسود الحمائية الاقتصادية.
وفي الحقيقة، يصعب إنكار أن التكامل الدولي أسهم في صعود الاقتصادات الآسيوية بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وعززت التكنولوجيا التقارب الكبير بين الاقتصادات المتقدمة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان مع تلك الاقتصادات، وحفزت الإنجازات التقنية الفريدة في نقل الإنتاج من البلدان الرأسمالية عالية التطور إلى عدد من المدن الصينية مثل شنغهاي على سبيل المثال.
فالبريد الإلكتروني أسهم في ثورة نوعية في سرعة الاتصال وخفض التكلفة، وجداول البيانات وأنظمة الكمبيوتر المحاسبية ساعدت على إدارة العلاقات المالية مع الموردين الأجانب سريعا، لكن لا شك أن التحرر التجاري جعل نقل البضائع والسلع أرخص، فقد توسعت التجارة الدولية بضعفي معدل نمو الاقتصاد العالمي.
وتعد مادلين جورج الخبيرة في مجال الاستثمار، أن هذا التوسع التجاري، أسهم في تطوير شبكات الإنتاج المعقد تتقاطع فيها السلع الوسيطة مع الرغبة السريعة في الارتباط بالمنتج النهائي، وباتت بلدان مثل تايوان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وبدرجة أقل ماليزيا مرتبطة بالخريطة الجديدة الناجمة بالأساس من التعاون التجاري بين الصين والبلدان الرأسمالية عالية التطور، وعلى الرغم من بروز الصين فائزا أكبر من هذا التعاون، إلا أنه أسهم أيضا في النهوض بعديد من البلدان الآسيوية.
وترى مادلين أن آسيا ستخرج باعتبارها الخاسر الأكبر من الحمائية الدولية المتصاعدة بقيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وتضيف لـ"الاقتصادية"، بأن هناك نوعين من التحولات ستشهدهما آسيا، وكلاهما مرتبط بتأثير الرسوم الجمركية على الصين، الأول تغيرات قصيرة الأمد تتعلق بالتجارة بين بلد وآخر، كما حدث على سبيل المثال عندما توقفت الصين عن شراء الفول الصويا من الولايات المتحدة وتوجهت إلى البرازيل، وفي آسيا من المحتمل أن تسعى الشركات الأمريكية إلى استبدال السلع الصينية، ذات الرسوم الجمركية المرتفعة بمنتجات أرخص من مصادر أخرى".
وتشير إلى أنه وفقا لمؤشر استبدال الواردات، فإن ماليزيا أكبر المستفيدين من تحول التجارة الأمريكية إلى بلدان آسيوية أخرى، ويعود ذلك جزئيا إلى صناعة المعدات الإلكترونية والاتصالات الحيوية، وأيضا اليابان وباكستان وإلى حد ما تايلاند، بسبب صناعة قطع غيار السيارات وخيوط القطن.
لكن مادلين ترى أن التحول الأكثر أهمية يكمن في التحول طويل الأجل، ولا يتعلق هذا المؤشر بالتجارة وإنما يتعلق بتحول العملية الإنتاجية من بلد إلى آخر، ووفقا لهذا المؤشر فإن المستفيد البارز ماليزيا وسنغافورة والهند.
وتعرب مادلين عن قناعتها بأن الحديث هنا عن فائزين سيكون مضللا، فالحروب التجارية تنجم عنها بالفعل تحولات في الاستثمارات بين البلدان، لكن ذلك سيكون أقل كثيرا مقارنة بالأوضاع التي تسود فيها الليبرالية الاقتصادية، فوضع الحرب التجارية الراهن سيدفع حتما قطاعا كبيرا من المستثمرين إلى التريث حتى ينجلي مناخ عدم اليقين الراهن.
وتتفق وجهة النظر تلك مع قناعة عدد كبير من رجال الأعمال البريطانيين، بأنه من غير الضروري نقل استثماراتهم من الصين إلى آسيا، إذ يمكن أن تكون الأتمتة أكثر جاذبية لنقل الإنتاج بعيدا عن الدول الآسيوية ككل، فانخفاض تكاليف العمالة يمكن تعويضه بالانحياز لمصلحة خيار آخر، وهو أن تتمم عملية الإنتاج في الوطن أو في اقتصادات قريبة من أرض الوطن، مثلا اليونان أو قبرص ومالطة وبلغاريا أو حتى رومانيا.
إلا أن الأمر الذي يصعب الجدال فيه حاليا، هو أن الحرب التجارية وجهت ضربة قوية لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على المستوى العالمي، إذ انخفض بنحو الربع في عام 2017، ثم الثلث في النصف الأول من العام الماضي، وتشير التقديرات الدولية إلى أنه إذا استمرت الحرب التجارية فإن الاستثمار الأجنبي المباشر في جنوب وجنوب شرق آسيا سيتراجع بشكل كبير للغاية، لدرجة يمكن أن تقترب من الصفر.
ويترافق تراجع الاستثمار مع تغيرات في اتجاهات العولمة الدولية عبر تقلص سلاسل التوريد العالمية، مع تداعيات واسعة النطاق على آسيا، نتيجة التحولات الكبيرة الراهنة في السياسة التجارية والاستثمارية الأمريكية.
ويحذر جرين سبنسر الباحث الاقتصادي من سيناريو يمكن أن ينعكس على منهجية الاقتصاد العالمي ككل، ويقول لـ "الاقتصادية"، إنه إذا تواصت الحرب التجارية وتطورت إلى حرب عملات، فسنشهد بروز صراع بين منطقتين اقتصاديتين تقود الولايات المتحدة إحداهما والصين الأخرى، وفي هذه الحالة ستجبر دول جنوب وجنوب شرق آسيا على الاختيار بين العلاقات التجارية مع واشنطن أو بكين، وليس من الضرورة أن تختار الولايات المتحدة، لأن الصين بالفعل أكبر شريك تجاري لجميع الدول الآسيوية تقريبا، ومع استمرار النمو الصيني، فإن الصادرات الآسيوية المتزايدة ستصب في خدمة الاستهلاك المحلي الصيني المتزايد، بدلا من أن توجه للولايات المتحدة.
ويضيف سبنسر، أنه سينجم عن هذا السيناريو اثنان من الآثار طويلة الأجل، الأول ستكون الصين أقل اعتمادا على التجارة بشكل عام، وسيسعى اقتصادها إلى استبدال السلع المستوردة بالسلع المنتجة محليا، والآخر تضرر المصالح الأمريكية، لأن الاقتصاد الصيني سينتهي به المطاف في تكامل أوثق مع الجيران الآسيويين.
ومع هذا، تخشى القيادات السياسية في البلدان الآسيوية الأكثر فقرا مثل بنجلادش وميانمار والهند وكمبوديا من تطور الحرب التجارية، لأن ذلك يعني عصرا من القيود التجارية المتزايدة، ما يعوق تطوير اتصالاتها وعلاقاتها في مجال التجارة والاستثمار مع الأسواق العالمية، وهذا سيجعل من الصعب بالنسبة لها متابعة ذات المسار الذي انتهجته الاقتصادات الآسيوية الأكثر ثراء مثل ماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية، التي اعتمدت بشكل كبير على تنمية الصادرات الصناعية.
وتشير الدكتورة ساشي مهندر أستاذة نظم التعاون الإقليمي في جامعة بروملي إلى أن نهج الحرب التجارية بين واشنطن وبكين يمكن أن ينتشر إقليميا في آسيا، وأن الحرب التجارية الراهنة بين كوريا الجنوبية واليابان تمثل امتدادا إقليميا للحرب الصينية - الأمريكية.
وتضيف لـ "الاقتصادية"، أن "هناك بعض الدول الآسيوية لديها هذا الميل التقليدي للتخلي عن حرية التجارة مثل الهند، وكلما زادت درجة القلق لديها من سلبيات التطورات الاقتصادية، أمكنها الارتداد سريعا على نفسها وغلق الأسواق، وهذا يعني سياسة حمائية ستواجه بردود أفعال مماثلة من دول الإقليم، ومن ثم يمكن للحرب التجارية بين واشنطن وبكين أن تجذب اقتصادات جنوب وجنوب شرق آسيا إلى هذا الاتجاه، على الرغم من عدم رغبة تلك البلدان في الانجرار إلى هذا الوضع".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية