FINANCIAL TIMES

ما العمل كي لا تعود «داعش» في ثالث أبشع نسخة؟

ما العمل كي لا تعود «داعش» في ثالث أبشع نسخة؟

أتاح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لنفسه أن يفرح بالانتصار طويلا، حينما أعلن نجاح العملية التي تم تنفيذها نهاية الأسبوع الماضي لقتل أبوبكر البغدادي زعيم "داعش"، متباهيا بذكر تفاصيل مقتل الأخير على يد قوة أمريكية خاصة.
هذا نجاح كبير للقوات الخاصة الأمريكية أن تقتل زعيم أكثر الجماعات المتطرفة وحشية في هذا القرن.
ربما تكون هذه الغارة أكثر أهمية من مقتل أسامة بن لادن في عهد الرئيس السابق باراك أوباما عام 2011، المسؤول عن هجمات الـ11 من أيلول (سبتمبر) 2001 على الأراضي الأمريكية، أي قبل عقد من الزمن. بن لادن كان حينها قد تلاشى إلى إحد خرافات ما بعد الموت، بسبب تعثر تنظيم القاعدة الإرهابي الذي كان يتزعمه.
على الرغم من ذلك، فإن سياسات الولايات المتحدة في سورية والشرق الأوسط، ما زال في الإمكان أن تساعد "داعش" بشكل أو بآخر على النهوض من تحت الرماد.
عملية قتل البغدادي التي وقعت في سورية خففت حدة الغضب تجاه واشنطن بعد وقت قصير من تعرضها للهجوم من النقاد من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونجرس الأمريكي، بسبب سحب القوات الأمريكية من شمال شرقي سورية؛ والتخلي عن الحلفاء الأكراد السوريين، الذين قاتلوا إلى جانب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد "داعش" طوال مدة خمسة أعوام؛ وتهيئة الظروف للمتشددين لإعادة تجميع صفوفهم، على امتداد وادي نهر الفرات.
تم العثور على البغدادي مختبئا في محافظة إدلب التي تقع شمال غربي سورية، وليس كما كان مزعوما على نطاق واسع على طول الحدود السورية-العراقية.
إدلب هي آخر معقل للثوار في سورية، لكن الفصيل المسيطر فيها هو هيئة تحرير الشام، وهي جماعة تنظيم القاعدة سابقا التي انشقت بطريقة عنيفة عن البغدادي زعيم "داعش" وتطارد أتباعه.
كما أن هذه المحافظة الحدودية الشمالية الغربية، واقعة تحت إشراف تركيا التي تحتفظ هناك بـ12 موقعا لقواتها، كما أن لديها وجودا استخباراتيا فيها.
هذا يعزز التكهنات بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ربما يكون قد قدم إلى ترمب دليلا عمليا على موضع البغدادي في مكالمتهما الهاتفية في السادس من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وبعد ذلك أعلن ترمب انسحاب الولايات المتحدة من سورية.
على الرغم من أن هذا لم يتبين بعد إلا أنه يمكن أن يؤدي الانسحاب وآثاره الجانبية إلى حدوث كارثة.
ربما فقد "داعش" أراضي خلافة البغدادي في شرقي سورية وغربي العراق، لكن التنظيم لا يزال جاهزا للعمل.
يجدر بنا أن نتذكر كيف انكشف انتصار مماثل على المتشددين في العراق، قبل عقد من الزمن.
كانت المقدمة لظهور "داعش" هي عندما تولى أبومصعب الزرقاوي قيادة تنظيم القاعدة في العراق، فحوله إلى مقبرة بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.
تحولت هذه الجماعة إلى "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق".
بعد مقتل الزرقاوي في غارة جوية أمريكية عام 2006 (أشيد بها في ذلك الوقت، باعتبارها انتصارا على يد الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش)، توسعت الخلافة الأولى للمتشددين المتطرفين.
أدت ثورة القبائل السنية في غربي وشمالي العراق إلى "زيادة" عدد القوات الأمريكية، لدرجة أنها كادت تستأصل شأفة "داعش" في الفترة من عام 2007 إلى 2009، ما قلص عددها إلى نحو 600 مقاتل فقط.
مع ذلك، حسبما يقول ديفيد كيلكولين، مستشار مكافحة التمرد لدى الجنرال ديفيد بترايوس، قائد القوات الإضافية آنذاك، إن الناجين "أعادوا تنظيم صفوفهم إلى جانب الموالين للرئيس الراحل صدام حسين، ورجال الاستخبارات والعمليات الخاصة، المختصين في الحروب السرية الذين كانوا يميلون إلى البقاء في الخلف، وتوجيه حركة المتشددين، ومعاملتهم على أنهم حمقى يستفيدون منهم في تحقيق أهدافهم الخاصة".
في سجن أمريكي في العراق، أنشأ البغدادي علاقة وثيقة مع هؤلاء العنصريين. ومن هنا ظهر "داعش" بعد خمسة أعوام فقط من تجربة الاقتراب من الموت في العراق، اقترب التجسيد الثاني للدولة الإسلامية من السيطرة على العراق وسورية اللتين تفككت جيوشهما أمام التنظيم. وأخيرا تم طردهم من قبل الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، والمقاتلين الأكراد الذين تدعمهم الولايات المتحدة.
ومع ذلك، في أوائل عام 2014 مع عودة "داعش" إلى غربي العراق مستفيدا من الفوضى في سورية، التي احتضنتهم مرة أخرى وصف أوباما بتبجح الأشخاص الذين سيجلبون الإرهاب والدمار إلى مساحات شاسعة من بلاد الشام، بأنهم مثل فريق احتياطي صغير للأعمال الإرهابية.
إذن ما موقفهم بعد مقتل البغدادي؟ أولا يقال إن "داعش" قد عين بالفعل زعيما جديدا. الأمر لا يحتاج إلى خبراء إكتواريين يرتدون قمصانا سوداء للتنبؤ بعمر زعمائهم المحدود، إن لديها مجموعة من الكوادر في الانتظار.
ثانيا: لا يزال لدى "داعش" وجود قوي في سورية والعراق وما حولهما. أجبر الغزو التركي لشمال شرقي سورية، والفراغ الناجم عن انسحاب القوات الأمريكية، الميليشيات الكردية على الدفاع عن نفسها بدلا من حراسة المعتقلات التي تضم إلى 12 ألف سجين من "داعش".
هذا، بدوره أدى إلى هروب عناصر من "داعش" من السجون. لا يزال تنظيم داعش مزروعا جيدا في المناطق غير الخاضعة للحكم، خاصة في جنوبي ووسط آسيا، وفي جميع أنحاء إفريقيا.
ثالثا: في سورية والعراق، تشير أخطر التقديرات إلى أن لـ"داعش" مقاتلين يصل عددهم إلى ضعف عدد المقاتلين الذين تركهم التنظيم السابق 40 مرة وهو ما يكفي بالتأكيد لعودته إلى الحياة مرة ثالثة.
هؤلاء المتعصبون، بمن فيهم آلاف من المتطوعين الأوروبيين، اختبأوا في دولتين متعفنتين.
رابعا: شعور العرب السنة بالظلم في الخلافة السابقة يبدو متأصلا هيكليا. الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران هي المسيطرة في العراق.
ونظام الأقلية التابع لرئيس النظام السوري بشار الأسد، المدعوم من إيران وروسيا، يستعيد سيطرته على معظم أنحاء البلاد.
الملايين من اللاجئين السنة في البلدان المجاورة يرون أن الأمل في العودة إلى الديار بات ضعيفا.
أدى غزو بوش للعراق عن غير قصد إلى إنشاء نظام شيعي طائفي هناك، وعزز ذلك فشل أوباما في دعم التمرد السني في سورية ما عزز اليأس المتطرف الذي يتغذى عليه المتشددين.
الآن، قرار ترمب بتمزيق اتفاقية ضبط النفس النووية التي أبرمها سلفه مع إيران، أعاد السلطة إلى المتشددين الإيرانيين، ما قدم حججا يعزز كل منها الآخر تعصب الطوائف في المنطقة.
هل أصبح الطريق ممهدا للتجسيد الثالث لـ"داعش"؟ إن حدث، فإنه لربما يحدث بطريقة أكثر بشاعة، فحذار.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES