FINANCIAL TIMES

تعدد تحقيقات مكافحة الاحتكار مصدر قلق لصناعة التكنولوجيا

تعدد تحقيقات مكافحة الاحتكار مصدر قلق لصناعة التكنولوجيا

تواجه شركات التكنولوجيا الكبرى في الولايات المتحدة خمسة تحقيقات فيدرالية، علاوة على تحقيقات منفصلة أخرى على مستوى الولايات، في شأن سلطاتها المؤسسية، تاركة كثيرين في وادي السيليكون يتساءلون: إذا تم تفكيك هذه الشركات الكبرى، فمن سيحمل الفأس؟
في العام الماضي، فتحت وزارة العدل ولجنة للتجارة الفيدرالية والكونجرس وعشرات من النواب العامين في الولايات، تحقيقات لمعرفة ما إذا كانت شركات تشمل جوجل وفيسبوك وأمازون وغيرها، قد قمعت المنافسة بشكل غير عادل، وألحقت الأذى بالمستهلكين في هذه العملية.
إليزابيث وارين، أحد أبرزالمرشحين الديمقراطيين للانتخابات الرئاسية الأمريكية العام المقبل، دفعت تفكيك شركات التكنولوجيا الكبيرة إلى مقدمة الأجندة ضمن برنامجها السياسي، من خلال الوعد بتفكيك شركات فيسبوك وجوجل وأمازون في حالة انتخابها رئيسة للولايات المتحدة.
إذا فازت، فإن هذه التحقيقات ستوفر لها وسيلة لفعل ذلك. وحتى لو لم تفز، فإن التحقيقات قد بدأت عملية من المرجح أن تدوم أطول من فترة رئاسة واحدة.
يقول بعض الخبراء إنها بداية لإعادة النظر بشكل كبير في قواعد مكافحة الاحتكار الأمريكية، التي يمكن أن تغير شركات التكنولوجيا الكبيرة، والشركات الأمريكية، عموما، وإلى الأبد.
قال مات ستولر، وهو زميل في معهد الأسواق المفتوحة "هذا ليس وضع شركة مايكروسوفت نفسه"، في إشارة إلى التحقيق المهم في التسعينيات، الذي أشار إليه البعض باسم "قضية القرن لمكافحة الاحتكار".
"هذا أكبر بكثير - إنه مثل ثلاثينيات القرن الـ20 أو العقد الأول من القرن الـ20 . إنه ما حدث لشركة ستاندرد أويل أو بنك جي بي مورجان" حسب قوله، في إشارة إلى تفكيك احتكار الشركة النفطية في عام 1911، وفصل الخدمات المصرفية التجارية عن الاستثمارية في المصرف الكبير، بعد قانون جلاس ستيجال عام 1933.
القانون الأمريكي يقول إن المسؤولين لا يمكنهم رفع قضية مكافحة الاحتكار، إلا إذا تمكنوا من إظهار أن قوة الشركة الطاغية أدت إلى إلحاق ضرر بالمستهلك، وهو أمر يصعب إثباته عندما تكون الخدمات منخفضة التكلفة أو مجانية، على حد قول المحامين.
في الوقت نفسه، يقول المدافعون عن شركات التكنولوجيا، إن المحققين قرروا ببساطة أن هذه الشركات كبيرة للغاية، ويبحثون الآن عن أضرار على المستهلك لدعم قضاياهم. ويحذرون من أن هذه حملات تصيد قد تستمر لأعوام دون نتيجة.
بينما تواجه الشركات أسئلة ضمن خمسة تحقيقات منفصلة، فإن السؤال هو: أي تحقيق ينبغي أن يشغل العملاء والمستثمرين والمديرين التنفيذيين أكثر؟

تحقيق وزارة العدل
بقيادة دريهم، رئيس فريق مكافحة الاحتكار: الشركات التي تم التحقيق معها: هي جوجل وأبل (محتمل). مستوى التهديد: معتدل.
وزارة العدل تشترك مع لجنة التجارة الفيدرالية في المسؤولية القانونية عن تطبيق القواعد الفيدرالية، ولكن على عكس لجنة التجارة الفيدرالية، فإن وزارة العدل مسؤولة مباشرة أمام البيت الأبيض.
نتيجة لذلك، من المحتمل أن يكون النهج الذي تتبعه في قضايا مكافحة الاحتكار محكوما بالنهج الشامل للإدارة الأمريكية.
ينظر إلى مثل هذه القضايا عموما على أنها أقل احتمالا لتتم تحت الإدارات الجمهورية، ولكن بالنظر إلى مشاعر إحباط الرئيس الأمريكي دونالد ترمب من عديد من شركات التكنولوجيا، فقد تكون هذه المرة مختلفة.
وزارة العدل فتحت تحقيقا في شأن شركة جوجل الشهر الماضي، طالبة من الشركة تقديم المستندات المتعلقة بالتحقيقات السابقة التي أجرتها لجنة التجارة الفيدرالية. حتى الآن، الوزارة التزمت الصمت حيال عناصر ممارسات "جوجل" التجارية التي تحقق فيها.
في الأشهر الأخيرة، استخدم ماكان دريهم رئيس قسم مكافحة الاحتكار لهجة صارمة ضد شركات التكنولوجيا الكبيرة، وقد بدأت الوزارة تحريات أوسع في هذه الصناعة.
قال وليم بار، النائب العام، في كانون الثاني (يناير) الماضي: "يتساءل كثير من الناس عن كيفية تشكل هذه الشركات الضخمة الموجودة الآن في وادي السيليكون، أمام أنظار المكلفين بإنفاذ مكافحة الاحتكار".

تحقيق لجنة التجارة الفيدرالية
بقيادة جو سيمونز: الشركات التي تم التحقيق معها: فيسبوك وأمازون (كما ذكرت التقارير). مستوى التهديد: معتدل.
كانت لجنة التجارة الفيدرالية واحدة من أوائل الوكالات التي اعترفت بأن شركات التكنولوجيا تشكل تحديا فريدا أمام جهات انفاذ مكافحة الاحتكار، إذ أنشأت قوة عمل للنظر في هذه الصناعة على وجه التحديد.
تضم قوة العمل الآن 15 محاميا، مع خطط لتوظيف أربعة آخرين لتزويد التحقيقات التي فتحتها اللجنة بشأن "فيسبوك " وكذلك "أمازون" أيضا بالمعلومات، حسبما تفيد التقارير.
المسؤولون يبحثون فيما إذا كانت شركة فيسبوك قد أساءت استخدام هيمنتها السوقية، من خلال منع المنافسين الأصغر من الوصول إلى البيانات، مع وجود شراكات حصرية مع آخرين، وفقا لأشخاص اطلعوا على التحقيق.
ويحققون أيضا فيما إذا كان سيتمكن العملاء من اختيار منصة تواصل اجتماعي، تستخرج بيانات أقل إذا كان هناك مزيد من المنافسة في هذا القطاع.
قال جو سيمونز، رئيس اللجنة لصحيفة "فاينانشيال تايمز" في آب (أغسطس) الماضي، إنه يريد أن ينتهي التحقيق في شركة فيسبوك، قبل الانتخابات الرئاسية للعام المقبل.
قضايا لجنة التجارة الفيدرالية نادرا ما تؤدي إلى أوامر بالتفكك، ويمكن للمحققين الاختيار بين مجموعة من التدابير المختلفة، مثل التغييرات الإدارية والتسويات المالية.

تحقيق الكونجرس
بقيادة سيسيلين، رئيس اللجنة الفرعية لمكافحة الاحتكار في مجلس النواب: الشركات التي تم التحقيق فيها: جوجل وأمازون وفيسبوك وأبل.
مستوى التهديد: خفيف في حد ذاته، معتدل عند مقارنته بآخرين.
خلف ضجيج التحقيقات الفيدرالية، كان ديفيد سيسيلين، رئيس اللجنة الفرعية لمكافحة الاحتكار في مجلس النواب، يقود تحقيقا منفصلا في شأن قوة شركات التكنولوجيا الكبيرة.
الدور الأساس للكونجرس هو التشريع، ومع توقع مستطلعي الرأي أنه سيبقى منقسما بين الديمقراطيين والجمهوريين، حتى بعد انتخابات العام المقبل، فإن قلة منهم فحسب، يتوقعون حدوث تغيير وشيك في قانون مكافحة الاحتكار.
سيسيلين جمع بعض المواهب الكبيرة لإسداء المشورة له، بما في ذلك لينا خان، التي هزت صناعة التكنولوجيا، وهي لم تزل طالبة في كلية الحقوق في جامعة ييل، ببحث تجادل فيه أن شركة أمازون أصبحت قوية جدا.
كثيرون في الصناعة يشعرون بالقلق من أن القوة الحقيقية للكونجرس تكمن في قدرته على تقديم المعلومات إلى الوكالات الأخرى.
وقد طلبت اللجنة الفرعية بالفعل مستندات حساسة من شركات جوجل وأمازون وفيسبوك وأبل، ويقول الموظفون إنهم يعملون عن كثب مع المسؤولين الفيدراليين ومسؤولي الدولة.

تحقيق النواب العامين
تحقيقان بقيادة: النائب العام في تكساس ونيويورك: الشركات التي يتم التحقيق فيها: جوجل وفيسبوك. مستوى التهديد: حاد.
من المحتمل أن يكون لدى المسؤولين المحليين فيما يبدو قوة أقل من أي محققين آخرين، لكنهم هم الذين توليهم عديد من شركات التكنولوجيا اهتماما كبيرا –لأسباب ليس أقلها عددهم.
كما يجري تحقيقان منفصلان: أحدهما تحقيق في شركة جوجل يضم 50 من النواب العامين للدولة، والآخر في شركة فيسبوك يضم 47 من النواب العامين.
يقول أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة جوجل: "لا تقلل من شأن حجم المشكلة التي يسببها طلب معلومات من 50 مركزا مختلفا".
كين باكستون، النائب العام لولاية تكساس، يقود التحقيقات في شركة جوجل، ويقول موظفوه إنهم مهتمون جدا بالطريقة التي تسعر بها الشركة الإعلانات الرقمية.
قال جيف ماتيير، المساعد الأول للنائب العام لتكساس، لصحيفة "فاينانشيال تايمز": "خلال الـ18 إلى 24 شهرا الماضية، تلقينا معلومات من خبراء خارجيين ومن ناشرين ومن معلنين عن أعمال الإعلانات في شركة جوجل، بما يكفي لإلقاء نظرة فاحصة".
عينت ولاية تكساس ثلاثة محامين خارجيين لمساعدتهم، بمن فيهم يوجين بوروس، مساعد المستشار العام سابقا في شركة مايكروسوفت، وكريستينا كافارا، التي مثلت سابقا شركات مايكروسوفت وأمازون ونيوز كورب.
ليتيشيا جيمس، النائبة العامة لولاية نيويورك، تقود التحقيقات في شأن "فيسبوك"، على الرغم من أن تحقيقها يسير بوتيرة أقل تقدما من تحقيق باكستون، وفقا للمطلعين عليه.
قالت جيمس في وقت سابق من هذا الشهر إنها تريد أن تنظر في كل من سياسات الإعلان الرقمي وبيانات شركة فيسبوك.

قضية "مايكروسوفت"
بينما يشاهد الخبراء تصاعد قضايا مكافحة الاحتكار ضد شركات التكنولوجياالكبيرة، يطرحون بشكل متزايد سؤالا واحدا: هل هذا موقف سياسي؟ أم يمكن أن نكون في بداية قضية "مايكروسوفت" أخرى؟
وزارة العدل ضد "مايكروسوفت" بدأت كقضية للجنة التجارة الفيدرالية في عام 1990، عندما بدأت لجنة التجارة الفيدرالية تحقيقا في تواطؤ محتمل بين شركتي مايكروسوفت وآي بي إم في سوق البرامج.
بعد أن شعرت بالإحباط بسبب عدم اتخاذ لجنة التجارة الفيدرالية لأي إجراء، تولت وزارة العدل القضية، وفي عام 1998 رفعت دعوى قضائية تزعم أن "مايكروسوفت" استخدمت سلطتها لإعاقة المنافسة.
القاضي توماس بإنفيلد جاكسون حكم ضد شركة مايكروسوفت، لكن عندما فشل الجانبان في الاتفاق على تسوية بشأن الأضرار، أوصت الحكومة بتقسيم الشركة إلى قسمين كعقاب.
وافق القاضي جاكسون، ولكن تم إلغاء الحكم في عام 2001 من قبل محكمة الاستئناف، وهكذا تفادت الشركة مصير التفكك.
القضية تمثل مخططا للصعوبات التي تواجهها الحكومات عند محاسبة شركات التكنولوجيا الكبرى، في شأن مكافحة الاحتكار.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES