FINANCIAL TIMES

إفريقيا تفتقر إلى الأدوات اللازمة لدفع عجلة التنمية

إفريقيا تفتقر إلى الأدوات اللازمة لدفع عجلة التنمية

عندما قرر خبراء الإحصاء تتبع تقدم الدول الإفريقية نحو أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030، اكتشفوا أمرا عجيبا: لم يكن لدى أي شخص أدنى فكرة. بتعبير أدق، في المتوسط، تحتفظ الحكومات الإفريقية بالإحصائيات التي تغطي فقط نحو ثلث البيانات ذات الصلة.
لكي نكون منصفين، الأهداف التي تمتد من القضاء على الفقر والجوع إلى إنشاء مدن ومجتمعات مستدامة، معقدة للغاية وغير قابلة للقياس في بعض الحالات. الأهداف الإنمائية للألفية كانت ثمانية أهداف مع 21 مؤشرا. أهداف التنمية المستدامة 17 مع 232 مؤشرا. لكن خبراء الإحصاء في مؤسسة محمد إبراهيم، التي جمعت التقرير، دلونا على شيء: الحكومات الإفريقية لا تعرف ما يكفي عن شعوبها.
في عصر المراقبة الجماعية قد يبدو هذا غير منطقي. لابد أن الحكومات، ناهيك عن الشركات الخاصة، لديها حجم أكثر من اللازم من المعلومات عن مواطنيها؟ لكن في كثير من الدول الإفريقية ذات الحكومات الضعيفة والاقتصادات غير الرسمية الكبيرة والمجتمعات غير الموثقة، المشكلة هي العكس. كم عدد السكان في نيجيريا؟ ما معدل البطالة في زيمبابوي؟ كم عدد السكان في كيبيرا، مستوطنة ضخمة غير رسمية في نيروبي، الذين يمكنهم الحصول على الرعاية الصحية؟ إجابات هذه الأسئلة الأساسية هي: لا نعرف بالضبط.
أجرت نيجيريا آخر إحصاء سكاني عام 2006، عندما كان عدد السكان — موضوعا حساسا تتشابك فيه مسائل الديانة والإقليم والميزانية — هو 140 مليون نسمة. قد يكون عددهم الآن 180 مليون أو 200 مليون. أو ربما أكثر. أو أقل. اشتكى الرئيس محمد بوهاري أخيرا من أن الإحصائيات التي ذكرتها الهيئات الدولية، مثل تلك التي تزعم أن نيجيريا تحتوي على عدد أشخاص يعيشون في فقر مدقع أكبر من الهند، واصفا إياها بـ "التقديرات المتوحشة" التي لا تحمل "أي صلة تذكر مع الحقائق على أرض الواقع". الرد على كلامه هذا بسيط: اكتشف سبب الخطأ واصلحه.
بالمثل، يصعب تعريف البطالة، ناهيك عن قياسها، في الاقتصادات المنكسرة مثل اقتصاد زيمبابوي حيث تراوح إحصاءات البطالة بين 5 في المائة و95 في المائة. المزارع الذي يكافح ويفلح الأرض لتوفير الكفاف لأهل بيته، أو الباعة الجائلون في الشوارع، هل يعدون عاطلين عن العمل أم هم من المتكسبين؟ أو دعني أسألك، ما هي حال الموظفة الحكومية التي تتلقى راتبها بعملة إلكترونية عديمة القيمة؟
على حد قول لسيث بيركلي، الرئيس التنفيذي لـ"تحالف اللقاحات"، تتبع الأشخاص غير المسجلين في "الأحياء الفقيرة" المترامية الأطراف في المدن الضخمة الآخذة في الازدياد في إفريقيا، أصعب من تتبع ما يجري في القرى المعزولة. إذا كانت الحكومات لا تعرف ما إذا كان الشخص موجودا أساسا، فمن السهل جدا تجاهل حقوقه — سواء في الرعاية الصحية أو التعليم أو التصويت. وجدت مؤسسة محمد إبراهيم أن ثمانية بلدان فقط في إفريقيا تسجل أكثر من 90 في المائة من المواليد. عشرات الملايين من الناس غير مرئيين حرفيا. إبراهيم، الملياردير السوداني، يسمي البيانات " أهداف التنمية المستدامة المفقودة".
إيمانويل جياما-بوادي، المدير السابق لمركز "التنمية الديمقراطية" في أكرا، يقول إن بطاقة الهوية الوطنية، من النوع الذي تم تعميمه في الهند والذي يتم تقديمه الآن في غانا، عنصر مهم للديمقراطية. "بالنسبة لي، هي بداية حق المواطنة".
تحاول غانا استخدام التكنولوجيا، بما في ذلك وضع علامات إلكترونية على المنازل والتطبيقات الإلكترونية لتقديم الخدمات الحكومية لمواطنيها البالغ عددهم 30 مليونا. يقول محمدو باوماي، نائب رئيس البلاد، إن الفكرة تكمن في إخراج الناس من القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي، بحيث يمكن فرض الضريبة وتقديم الخدمات في الوقت نفسه.
أحد الدلائل على انخفاض مستويات التفاعل بين الحكومات ومواطنيها يظهر في موضوع الضرائب. من بين 21 بلدا إفريقيا شملتها دراسة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كان متوسط تحصيل الضرائب 18.2 في المائة من الإنتاج، ينخفض إلى 7.6 في المائة في الكونغو الديمقراطية.
لكن حتى هذه الأرقام تعد غير دقيقة. الحقيقة هي أن معظم الإيرادات تأتي من أشياء مثل الرسوم الجمركية ورسوم المعادن. ويعود ذلك إلى قلة عدد المواطنين، بمن فيهم الأغنياء، الذين يدفعون كثيرا من ضريبة الدخل. النظير لعدم فرض ضرائب دون تمثيل هو "لا تمثيل دون فرض ضرائب". تميل نخبة إفريقيا إلى تجنب أوجه القصور في الدولة من خلال الوصول إلى الصحة الخاصة، والأمن الخاص، والتعليم الخاص، وحتى الكهرباء الخاصة. في المقابل، توقعات معظم الفقراء لتوفير الخدمات في الحضيض.
يجب أن يبدأ الأفارقة المطالبة بمزيد من الحكومات التي تحكم باسمهم. وجود مزيد من البيانات وحده لن يصلح الأمر. لكن إذا عرفت الحكومات — ما الذي يحدث بالضبط — ونشرته، لن يكون لديها عذر مقنع لعدم الإصلاح. في "قمة فاينانشيال تايمز إفريقيا" التي عقدت قبل أسبوعين في لندن، قال بوميا عن حملة من جانب غانا لتتبع مواطنيها: "لا يمكن أن يختبئ أحد". كان من الأنسب أن يقول: "لا ينبغي أن ينسى أحد".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES