FINANCIAL TIMES

ستيرلينج .. مقاتل من أجل ملاعب خالية من العنصرية والكراهية

ستيرلينج .. مقاتل من أجل ملاعب خالية من العنصرية والكراهية

كان لاعب كرة القدم في نادي مانشستر سيتي ومنتخب إنجلترا قد سمع إساءات عنصرية من المشجعين في مدرجات الملاعب في لندن وليفربول. كما سمع أيضا هتافات مسيئة ينعتونه فيها "بالقرد" في الجبل الأسود وغيرها من البلدان في جميع أنحاء أوروبا.
بالتالي، لم يكن من المفاجئ بالنسبة له ما حدث في ستاد فاسيل ليفسكي في العاصمة البلغارية صوفيا، حينما كان ستيرلينج أحد لاعبي منتخب إنجلترا الذي كان في مواجهة منتخب بلغاريا. تجمع عدد كبير من الرجال البيض يرتدون ملابس سوداء في المدرجات. مع بداية المباراة، بدأوا في أداء التحية النازية وسخروا من ستيرلينج وزملائه من ذوي البشرة السمراء في الفريق. وسط تصاعد القومية في جميع أنحاء العالم، وفي رياضة تسودها أعمال الشغب والبلطجة العنيفة، كان هذا أحدث مثال على تحول التشجيع الحماسي إلى كراهية بشعة.
هذه المرة، بدا أن هناك آخرين سمعوا أيضا هذه الإساءات العنصرية. عندما أبلغت إدارة المنتخب الإنجليزي عن هذه الإساءات، اتخذ حكم المباراة خطوة نادرة – علق المباراة وهدد بإلغائها تماما بسبب سوء سلوك الجماهير.
لكن كانت الصدمة مستمرة. استقال رئيس اتحاد كرة القدم في بلغاريا بناء على طلب من بويكو بوريسوف، رئيس الوزراء البلغاري. وقال جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، الهيئة الدولية المنظمة للعبة، لقد حان الوقت لتطوير "طرق جديدة أقوى وأكثر فاعلية للقضاء على العنصرية في كرة القدم".
من المشكوك فيه أن تكون الإدانة السريعة للغاية، أو على نطاق واسع إلى هذه الدرجة، من دون تأثير ستيرلينج. خلال العام الماضي لم يقتصر ظهور المهاجم على أنه أحد أفضل اللاعبين في العالم فحسب، بل أيضا أحد أكثر الناشطين فاعلية في هذه الرياضة. انضم ستيرلينج إلى صفوف أشهر الرياضيين على مستوى العالم، مثل كولن كايبرنيك وميجان رابوين، الذين يستخدمون منصاتهم للتنديد بالتمييز والظلم الاجتماعي.
لم يختر ستيرلينج أن يكون ناشطا – فقد انتقل إلى هذا المسار فقط بسبب لون بشرته وطبيعة اللعبة التي يحبها. قال اللاعب لـ "فاينانشيال تايمز" في أيار (مايو): "لم أتعرض إلى إساءات عنصرية طوال حياتي في إنجلترا خارج كرة القدم. الأمر يتعلق فقط بكرة القدم".
استخدم ستيرلينج موهبته الرياضية للنهوض من الشدائد والمحن. ولد في جامايكا عام 1994 وقتل والده رميا بالرصاص عندما كان عمره عامين فقط. بعد أربعة أعوام، انتقل إلى المملكة المتحدة ليعيش مع والدته نادين وأشقائه الثلاثة. عاشت الأسرة في أحد المجمعات السكنية في شمال غربي لندن الذي كان مسرحا لاشتباكات عنيفة بين عصابات المخدرات. كان بإمكان الصبي ستيرلينج أن يرى ستاد ويمبلي، موطن كرة القدم الإنجليزية، من حديقته ويتخيل أن يلعب على أرضه.
تدرب ستيرلينج كلاعب من فئة الشباب في نادي كوينز بارك رينجرز في لندن، قبل انتقاله إلى نادي ليفربول بعمر 15 عاما. وبعد ستة أعوام وقع عقدا مع نادي مانشستر سيتي مقابل رسوم انتقال وصلت إلى 49 مليون جنيه استرليني، وهي أعلى رسوم انتقال يتم دفعها للاعب إنجليزي آنذاك. وتحت إدارة وتوجيه بيب جوارديولا المدير الفني لفريق مانشستر سيتي، برز ستيرلينج كواحد من النجوم والرواد في كرة القدم، وصنع وسجل كثيرا من الأهداف الرائعة. حصل على بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز مرتين مع نادي مانشستر سيتي. ووصل إلى نصف نهائيات كأس العالم لكرة القدم في عام 2018 مع منتخب إنجلترا. وتحقق حلمه؛ كان لدى ستيرلينج وشم محفور على ذراعه لصبي ينظر إلى قوس ستاد ويمبلي.
كان لدى ستيرلينج أيضا تأثير محسوس خارج الملعب. جاءت لحظة التحول في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، عندما كان يلعب مع مانشستر سيتي أمام تشيلسي. أظهرت لقطة تلفزيونية له وهو ينظر بذهول إلى ما كان يعتقد أنه إساءة عنصرية صرخ بها أحد مشجعي فريق تشيلسي. (في قضية قانونية لاحقة جادل الرجل المعني بأنه لم يصف اللاعب الإنجليزي بأي ألفاظ مسيئة أو عنصرية، رغم أنه اعترف باعتدائه اللفظي على ستيرلينج، لكنه اعتذر، قائلا إنه "تمادى وتحمس في تشجيع فريقه").
كان لتلك المواجهة وقع الصدمة في بلد كان من المفترض أن يكون فيه لاعبون، مثل سيريل ريجيس، وجون بارنز، وإيان رايت، قد غيروا من النظرة السائدة تجاه اللاعبين السود على مر العقود. نظر ستيرلينج في السبب وراء استمرار مواجهة اللاعبين السود العداء أكثر من نظرائهم البيض. في حسابه على موقع إنستجرام، نشر صورتين توضحان كيف نشرت الصحف البريطانية قصصا مماثلة عن لاعبين شباب في نادي مانشستر سيتي كانوا قد اشتروا منازل باهظة الثمن لعائلاتهم. تم تصوير ثروة اللاعب الأسود على أنها غير مكتسبة، بينما كان ينظر إلى اللاعب الأبيض على أنه مدفوع بالكرم والسخاء.
كانت هذه ملاحظة أشار إليها رجل كان يطلق عليه "رحيم الفاحش" على الصفحة الأولى من صحيفة "ذا صن" المحلية البريطانية بتهمة "التباهي بمنزل مكلف وبراق" اشتراه لوالدته. كتب ستيرلينج في منشور حاز على إعجاب نحو 650 ألف شخص: "بالنسبة لجميع الصحف التي لا تفهم سبب كون الأشخاص عنصريين في هذا اليوم وهذا العصر، كل ما سأقوله هو، فكروا مليا بشأن الدعاية العادلة، وامنحوا جميع اللاعبين فرصا متساوية".
وقد أثار بذلك مناقشة وطنية حول الطريقة التي يتم بها تصوير نجاح اللاعبين الرياضيين السود في وسائل الإعلام. كانت التغطية التي حاز عليها ستيرلينج من الصحف المحلية إيجابية بشكل ملحوظ منذ ذلك الحين.
وبطريقة أكثر جرأة، استمر لاعب كرة القدم بشكل متزايد في تدخلاته في القضايا العامة، مثل المطالبة بحسم نقاط ضد الفرق التي يشارك مشجعوها في الهتاف بألفاظ عنصرية. يستمر النقاش بين المشجعين واللاعبين والمدربين والمسؤولين. جعل ستيرلينج مسألة العنصرية في كرة القدم أمرا من المستحيل تجاهله. قال لصحيفة "نيويورك تايمز" هذا العام، عن الأسباب التي دفعته للتعبير عن رأيه علانية: "إذا لم أفعل ذلك، وإذا لم يفعله الشخص الذي يأتي بعدي، فسيستمر الوضع كما هو. عندما تنتهي كرة القدم، هل أعيش على ما كنت أفعله في الملعب؟ لا. أريد أن أكون قادرا على مساعدة الناس ليكونوا أفضل ما يمكن أن يكونوا عليه".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES