FINANCIAL TIMES

مفارقة ألمانية .. اقتصاد متراجع وسوق عمل قوية

مفارقة ألمانية .. اقتصاد متراجع وسوق عمل قوية

بجوار مقر البنك المركزي الأوروبي ذي المبنيين المزدوجين في فرانكفورت، تتجمع مجموعات من الشباب كل صباح للتدخين، وتبادل الأحاديث، ومشاهدة الازدحام في ساعة الذروة. إنهم يبحثون عن عمل - بطريقة غير قانونية.
أناس من مختلف البلدان ينتظرون الحصول على عمل فيما كان موقعا لسوق الجملة في فرانكفورت، قبل أن يختاره البنك المركزي الأوروبي لمقره الجديد قبل خمسة أعوام. سمع معظمهم، من الحديث المتداول، أن الشركات تستخدم هذا الموقع لالتقاط العمال غير الشرعيين.
قال شاب من مجموعة جاء أفرادها من مولدوفا، إنه يبحث عن وظيفة في البناء وقد استخدم هاتفه المحمول لإظهار أمثلة على أعماله الأخيرة من تبليط الأرضيات والجص والدهن. أضاف هذا الشاب (27 عاما) بإنجليزية ركيكة: "أمضيت أعواما عديدة في روسيا وتركيا والنرويج. وصلت إلى فرانكفورت منذ أسبوعين".
تجمع الصباح الباكر المعتاد على مقربة من حيث يجتمع محافظو البنوك المركزية في منطقة اليورو لتقرير السياسة النقدية، مثال قوي على تناقض ملحوظ في التباطؤ الاقتصادي في ألمانيا.
اقتصاد البلاد تراجع، متأثرا بالتوترات التجارية العالمية وعدم اليقين بشأن "بريكست" والاضطراب في صناعة السيارات. وقد انكمش 0.1 في المائة في الربع الثاني ومن المتوقع على نطاق واسع أن يعاني مزيدا من الانخفاض في الربع الثالث، ما يدفعه إلى الركود.
لكن سوق العمل لا تزال قوية. البطالة تحوم بالقرب من مستويات منخفضة قياسية عند 3.1 في المائة - أقل بكثير من متوسط منطقة اليورو البالغ 7.4 في المائة - في حين تواجه بعض الشركات نقصا في العمال في بعض المناطق.
ومع أن العام الحالي شهد تراجعا صناعيا، لاحظ كارستن برزيسكي، كبير الاقتصاديين في ألمانيا لدى مصرف ING، أن "الشركات تحاول الاحتفاظ بموظفيها الحاليين نظرا لوجود نقص في الموظفين المؤهلين".
وعلى الرغم من وجود بعض المؤشرات على أن التراجع بدأ في الوصول إلى سوق العمل، إلا أنها لا تزال مؤشرات محدودة حتى الآن.
البطالة ارتفعت على أساس ربع سنوي بواقع 19 ألف عاطل عن العمل في الربع الثاني من العام، وفقا للبنك المركزي الألماني "بوندسبانك" - أول زيادة معدلة موسميا منذ نهاية عام 2013. لكن بالنظر إلى أن هناك أكثر من 43 مليون شخص في سوق العمل الألمانية، هذا يعادل ارتفاعا يبلغ 0.04 في المائة فقط.
أحد الأسباب وراء ارتفاع البطالة إلى الحد الأدنى فقط هو استخدام Kurzarbeit، أي العمل لفترة قصيرة، وهو برنامج مدعوم من الحكومة يمكّن الشركات من تقليل ساعات عمل الموظفين دون الحاجة إلى الاستغناء عنهم.
عدد العاملين بموجب هذا النظام ارتفع إلى 62300 عامل في تشرين الأول (أكتوبر)، وهو ما يقارب ضعف المستوى قبل عام، وفقا لوكالة التوظيف الفيدرالية - لكن هذا يمثل جزءا ضئيلا من 1.5 مليون عامل انضموا إلى البرنامج بعد إطلاقه استجابة للأزمة المالية في عام 2009.
نحو 8.5 في المائة من الشركات العاملة في قطاع الصناعات التحويلية تتوقع إدخال برنامج العمل لوقت قصير في الأشهر الثلاثة المقبلة، وهي أعلى نسبة منذ بداية عام 2013، وفقا لمسح معهد Ifo للأبحاث الذي تتم مراقبته عن كثب.
قالت نادية غربي، كبيرة الخبراء الاقتصاديين في "بيكتيت ويلث مانيجمنت": "استخدام برنامج العمل لفترة قصيرة يحمي سوق العمل الألمانية إلى حد ما. يمكننا الاستمرار لبضعة أشهر أخرى على هذا النحو دون أي زيادة حقيقية في البطالة".
جزء آخر من سوق العمل حيث بدأ تأثير التباطؤ الاقتصادي في الظهور هو الوظائف المؤقتة التي تقلصت بواقع 100 ألف وظيفة، إلى 800 ألف في العام الماضي.
كوسماس، في مركز التوظيف المحلي في فرانكفورت للتسجيل بعد أن عمل لمدة 40 عاما في مجال الكهرباء، اعتبر "وضع سوق العمل مزر". أضاف: "في السبعينيات والثمانينيات كان يمكن أن تحصل على وظيفة براتب محترم. في ذلك الوقت كانت النقابات أقوى بكثير. الآن الوضع: خذ الوظيفة أو اتركها".
فرانك شابل، مدير تنفيذي في وكالة التوظيف هيز Hays في فرانكفورت، قال: "ترى الحذر، لكنه ليس دراماتيكيا. يقول الناس إن من المهم وجود عدد كاف من الأشخاص للتعامل مع مشاريع الرقمنة وتكنولوجيا المعلومات".
هناك عامل آخر يدعم سوق الوظائف هو التركيبة السكانية لألمانيا. من المقرر أن يتقاعد ملايين الأشخاص من جيل مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية في الأعوام القليلة المقبلة. استنادا إلى دراسة حديثة أجرتها مؤسسة برتلسمان، بحلول عام 2020 ثلاثة أشخاص سيدعمون كل شخص يزيد عمره على 65 عاما في ألمانيا، لكن بحلول عام 2035 ستكون هذه النسبة فردا لفرد.
وقال كريستوف كالينبرج، رئيس مشاريع سوق العمل في أكاديمية راندستاد في إشبورن: "لدينا بالفعل نقص في الأشخاص المؤهلين، لذلك تبحث الشركات عن أشخاص ولدينا شح شديد للغاية في سوق العمل في بعض المناطق، مثل مهندسي تكنولوجيا المعلومات وطواقم التمريض والحرفيين".
خبراء الاقتصاد ينظرون إلى قوة سوق العمل الألمانية باعتبارها أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار السياسيين في برلين في مقاومة الدعوات لزيادة الإنفاق وضخ جرعة مالية في الاقتصاد الضعيف.
قالت غربي: "سوق العمل أساسية. في الوقت الحالي الرأي السائد بين السياسيين في برلين أن الاقتصاد على ما يرام وأن الوضع ليس سيئا بما يكفي للعمل على حافز مالي. الآن لديك قطاعات لا تزال محمومة مثل البناء".
هذا ما يفسر جزئيا سبب تحول بعض الشركات إلى العمال غير الشرعيين الذين يتجمعون بجانب البنك المركزي الأوروبي كل صباح.
يقول رجل آخر من مولدوفا: "أتلقى هنا في أسبوع واحد نحو 500 يورو. هذا هو الراتب الشهري لوظيفة عالية في وطني".
لا يبدو أن المجموعة تشعر بالقلق من مداهمة السلطات. قال أحدهم وهو ينظر إلى البنك المركزي الأوروبي "نحن مجرد سائحين. نشاهد المبنى الجميل هناك".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES