FINANCIAL TIMES

مخاوف من ركود يباغت عالما بلا قوارب للنجاة

مخاوف من ركود يباغت عالما بلا قوارب للنجاة

في العلن، اعتاد وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية على إثارة المخاوف من حدوث ركود عالمي، لكن أحاديثهم الخاصة، فإن المسؤولين الدوليين والمحليين ليسوا متأكدين جدا من هذا الأمر.
البيان الصادر في نهاية الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن الأسبوع الماضي، وافق على أن الاقتصاد العالمي لا يتراجع متجها نحو الركود. لكن مع تجمع صانعي السياسة وخبراء الاقتصاد في الأروقة الصاخبة للمباني المطلة على الشارع رقم 19 في واشنطن، كان القلق ناتجا عن أن التوقعات بتحسن الآفاق العالمية في العام المقبل يمكن في أي لحظة أن تذهب أدراج الرياح بفعل تغريدة من البيت الأبيض.
هذا من شأنه أن يحول توقعات صندوق النقد الدولي الواقعية نسبيا، التي تشير إلى أن النمو العالمي بنسبة 3 في المائة هذا العام سيرتفع إلى 3.4 في المائة في عام 2020، إلى أمر بغيض بصورة أكبر.
كريستالينا جورجيفا، المديرة الإدارية الجديدة لصندوق النقد الدولي، أعربت عن المخاوف عندما قالت إن البرد في هواء واشنطن ذكرها ببيت "مناسب لسوء الحظ" من أبيات الشاعر الروسي ألكسندر بوشكين يقول فيه: "تبدأ أنفاس الخريف في تجميد الطريق".
يعرف صندوق النقد الدولي على نطاق واسع الركود العالمي بأنه تراجع النمو إلى أقل من 2.5 في المائة سنويا. ما زال هذا الأمر بعيدا عن حالة الصندوق الأساسية. على الرغم من أن الاقتصاد العالمي يشهد أضعف أداء منذ الأزمة المالية - لأن الحروب التجارية أطاحت بالثقة، والاستثمار، والتجارة، والصناعة ـ لكن صندوق النقد يتوقع انتعاشا في العام المقبل.
من غير المرجح أن تعاني الاقتصادات ذات الضغوط الشديدة المصير نفسه في عام 2020 مثلما عانت هذا العام، ومن المتوقع أن يكون أداء الاقتصادات الناشئة الكبيرة في المكسيك والبرازيل وروسيا أفضل بقليل، حسبما يعتقد صندوق النقد. لكنه لم يتوقع أي تحسن في الاقتصادات الأربعة الكبرى - الصين والولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان.
على هامش الاجتماعات كان الوضع أكثر كآبة. توقعات صندوق النقد يمكن بسهولة أن تخرج عن مسارها بفعل مزيد من النزاعات التجارية المتبادلة - ربما في وقت قريب جدا إذا فرضت إدارة ترمب تعريفات جمركية على السيارات الأوروبية.
إريك نيلسن، كبير الاقتصاديين في "يوني كريديت"، يتوقع حدوث ركود عالمي في عام 2020. قال: "الاختلاف بيننا وبين خط الأساس لصندوق النقد الدولي هو أننا نفترض أن سياسات التجارة لن تتحسن".
يكمن قلقه الذي يشاركه فيه مسؤولون عدة، في أن أي جولات أخرى في الحروب التجارية ستجعل صانعي السياسة أمام احتمال غير مستساغ هو محاولة مواجهة قوى الركود بصندوق أدوات شبه فارغ.
بينيلوبي جولدبيرج، كبيرة الاقتصاديين في البنك الدولي، كانت أقرب إلى التعبير عن هذه المخاوف في العلن. قالت: "من المفترض أن تزيل السياسة عدم الاستقرار، بدلا من ذلك تعمل على كبح حالات اليقين السابقة. لا أحد يعرف ما سيجلبه الغد".
شعر صانعو السياسة بالارتياح إزاء الهدنة الأخيرة بين الولايات المتحدة والصين بشأن التجارة، لكنهم لا يثقون كثيرا باستمراريتها - وهو شعور أعربت عنه جورجيفا عبر دعوتها البلدان إلى التحرك نحو "سلام تجاري" أكثر متانة.
في هذه الأثناء، يتزايد قلق المسؤولين الأوروبيين من احتمال اندلاع حرب تجارية شاملة عبر الأطلسي مع تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة بشأن دعم الطائرات والتعريفات الجمركية على السيارات والضرائب الرقمية.
برونو لو مير، وزير المالية الفرنسي، سأل قبل اجتماعه مع روبرت لايتيزر، الممثل التجاري للولايات المتحدة: "هل تعتقد حقا أن شن حرب تجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هو أفضل إشارة سياسية يمكن أن نرسلها إلى بقية العالم؟".
أحد أسباب التفاؤل أن المشكلات لا تزال متمركزة في التصنيع والتجارة، في حين أن الخدمات ودخل الأسر والوظائف لا تزال قوية.
آدم بوسن، رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، يرى أن من السابق لأوانه الحديث عن احتمال حدوث ركود. سيكون من السهل القول إن "السياسات التجارية الحمائية ستحدث فوضى على الفور، لكننا حرصنا على عدم ذكر ذلك لأنه قد يكون غير صحيح".
لكن الجميع تقريبا في اجتماع الأسبوع الماضي تقبلوا أن التباطؤ كان خطيرا وأن التفاوت غير المعتاد بين التصنيع والخدمات من غير المرجح أن يستمر.
جيتا جوبيناث، كبيرة الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، قالت إنها تشعر بالقلق بشأن "ما إذا كان الضعف في التصنيع يمكن أن يتسرب إلى قطاع الخدمات"، ولاحظت أن الطلبات الجديدة تتراجع في الولايات المتحدة وألمانيا واليابان.
وتركز الاهتمام على ما يمكن أن يفعله صانعو السياسة لمواجهة ركود عالمي جديد.
قليلون لم يساورهم شك في أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيواصل خفض أسعار الفائدة، لكن من غير المرجح أن تكون السياسة النقدية فعالة في أوروبا واليابان - ستكون أسعار الفائدة إما عند مستوى الصفر وإما قريبة منه - بالتالي الخوف هو أن العالم يمكن أن يغرق في ركود محتمل دون أن تكون لديه أي قوارب نجاة.
أسوأ من ذلك أن صندوق النقد الدولي حذر من أن الشركات وأجزاء من القطاع المالي تحملت كميات كبيرة للغاية من الديون، ما قد يؤدي إلى مضاعفة التراجع.
وتتجه الأنظار كافة إلى مقدار ما يمكن أن تقدمه السياسة المالية. دعا صندوق النقد ألمانيا إلى الاستفادة من قدرتها على الاقتراض بأسعار فائدة سلبية، مضيفا أن السياسة المالية يمكن أن تعمل بشكل حاسم في أماكن آخرى أيضا.
التحديث الرئيسي التالي لنظرة صندوق النقد للآفاق الاقتصادية، الذي سيتم نشره في نيسان (أبريل) المقبل، سيتناول الكيفية التي يمكن بها للعالم التعامل مع الركود مع وجود أسعار فائدة وصلت إلى القاع.
لكن عضوية الصندوق لم تتخذ سوى خطوة بسيطة نحو توسيع مواردها. فقد تمت الموافقة على مناقشة مضاعفة أداة اقتراض للحفاظ على التمويل عند نحو تريليون دولار على مدى الأعوام المقبلة، لكن الولايات المتحدة عارضت زيادة حصص الصندوق لأنها كانت ستعزز قوة تصويت الصين في المؤسسة.
إذا أدى التباطؤ المتزامن إلى حدوث ركود عالمي أكثر خطورة، عندها يجب على صانعي السياسة أن يأملوا في أن يمنحهم هذا الإجراء المحدود القوة الكافية لمحاربة أي أزمات تحدث.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES