FINANCIAL TIMES

الإصرار سلاح دراجي لتهدئة اضطرابات السوق

 الإصرار سلاح دراجي لتهدئة اضطرابات السوق

عندما أصبح ماريو دراجي الإيطالي الجنسية، المرشح الأول لإدارة البنك المركزي الأوروبي، قبل ثمانية أعوام، احتلت صورته غلاف صحيفة "بيلد" الألمانية الشعبية الأكثر مبيعا، وهو يرتدي خوذة بروسية مدببة.
صرخ العنوان الرئيسي للصحيفة مرحبا به: هذا الخبير الاقتصادي الإيطالي "إنه ألماني، بل بالأحرى بروسي بجدارة".
على أنه بعد مرور عام فقط، طالبت الصحيفة نفسها باستعادة خوذتها "البروسية المدببة"، شاكية من أنه: "لا مزيد من الأموال الألمانية للدول المفلسة، يا سيد دراجي" (كان ذلك في إبان أزمة عجز جملة من الدول الأوروبية عن السداد).
يلخص التحول الكبير العلاقة الصعبة التي تربط رئيس البنك المركزي الأوروبي بألمانيا، إذ صورته الصحيفة نفسها أخيرا على أنه "كونت دراجيلا"، الذي يمتص الأموال من حسابات المدخرين، من خلال فرض أسعار الفائدة السلبية.
ومع ذلك وبمعزل عن الألمان، فإن علاقته بالأسواق المالية كانت أكثر إيجابية بوجه عام.
في حين كانت هناك مخاوف بشأن الآثار الجانبية الضارة للسياسة النقدية شديدة الكثافة، قال كثيرون إن الإيطالي الهادئ - الذي من المقرر أن يعقد مؤتمرا صحافيا ختاميا الأسبوع المقبل - حقق عملا جيدا في ظروف صعبة. ارتفعت سوق الأسهم الأوروبية في عهده نحو الثلثين، بعد أن خفت حدة التوترات في المناطق الطرفية، بمقتضى انهيار عائدات السندات الحكومية الإيطالية.
من أبرز ما حدث في عهد دراجي إعلانه الذي يقضي بفعل "كل ما يلزم" للحفاظ على اليورو في تموز (يوليو) 2012، في الوقت الذي كان يتصارع فيه مع أزمة ديون متصاعدة في منطقة اليورو.
"لقد كانت كلمات صحيحة في الوقت الصحيح، وكان لها تأثير هائل"، حسبما أشار فرانك ديكسمير، رئيس قسم الدخل الثابت العالمي في "أليانز جلوبال إنفستمنت".
كانت تعليقاته المرتجلة - التي أدلى بها خلال مناسبة في "لانكستر هاوس" في لندن - بمنزلة خطوة كلاسيكية لدراجي.
بعد أن شعر بأنه محاصر بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض، في عديد من الدول الأوروبية الطرفية، وتزايد الافتراضات حول انهيار منطقة اليورو، بادر بوعد جريء، تاركا التفاصيل ليتم حلها لاحقا.
ذلك الأسلوب، الذي كان بمنزلة طي صفحة سلفه الفرنسي الأكثر حذرا، جان كلود تريشيه، كان واضحا في أول ظهور علني له، بوصفه رئيسا للبنك المركزي الأوروبي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011.
قال كارستن برزيسكي، كبير الاقتصاديين في ألمانيا لدى شركة "آي إن جي": "لم يقتصر الأمر على عكس اتجاه رفع أسعار الفائدة الأخير لتريشيه، بل كان هناك أيضا تغير في الأسلوب".
حاول تريشيه إبقاء البنك المركزي الألماني "بوندسبنك" على أهبة الاستعداد، من خلال قلق "بوندسبنك" المتمثل في كراهيته للديون والتضخم، إلا أن دراجي كان أقل اهتماما ببناء توافق في الآراء، وركز بدلا من ذلك على ضمان استمرارية منطقة اليورو.
"يمكنك أن تقول إنه كان نمطا جديدا في البنك المركزي الأوروبي"، حسبما قال إيان ستيلي، رئيس قسم الدخل الثابت الدولي في "جيه بي مورجان" لإدارة الأصول في لندن.
"لم يكونوا يركزون على التضخم، بل كانوا ينظرون إلى الصورة الكبرى. كانت مهمته الأولى تصحيح أخطاء النظام السابق، مثلما اتضح لاحقا".
توقف فريق ستيلي عن شراء الديون الإيطالية أو الإسبانية بحلول عام 2012، عندما بلغ الحديث مع المستثمرين حدا يصل إلى ما إذا كان ينبغي استبعاد سندات تلك البلدان، من المؤشرات الرئيسية.
لم تدرك السوق التحول الذي اتضح مع ظهور دراجي على الفور.
قال ستيلي: "بمجرد التخلص من فكرة أن منطقة اليورو بصدد أن تنهار، بات التبادل أحادي الاتجاه من عام 2012 إلى عام 2015".
قال لوكا بوليني، كبير الاستراتيجيين في "بيكتيت لإدارة الأصول"، إن السمة المميزة لرئيس البنك المركزي الأوروبي المنتهية ولايته، كانت الهدوء في مواجهة الانتقادات، ولا سيما عندما أدلى ينس ويدمان رئيس البنك المركزي الألماني بشهادة ضد سياسة البنك المركزي الأوروبي، في المحكمة الدستورية الألمانية أواخر عام 2012، أو عندما ألقى فولفجانج شويبله اللوم على دراجي، في تنامي حزب اليمين المتطرف: "البديل من أجل ألمانيا" في الانتخابات الألمانية في أوائل عام 2016.
لقد حافظ رئيس البنك المركزي الأوروبي على هدوئه، حتى عندما قفز أحد المتظاهرين الصغار على مكتبه، خلال مؤتمر صحافي في عام 2015، وألقى عليه قصاصات ورقية.
قال بوليني: "دائما ما أعطى الانطباع في كل موقف صعب للغاية، بأنه كان ينظر إلى الأرقام وأنه ليس مذعورا".
وتابع "وجود شخص لديه هذه المهارات السياسية، كان أمرا مهما للغاية لنجاة اليورو".
لم تسر الأمور دائما بسلاسة. الخطوات الخاطئة شملت دعم البنك المركزي الأوروبي لإنقاذ المصارف القبرصية، التي ألحقت خسائر بالمودعين الكبار، وأحدثت هزات في النظام المصرفي.
كما علق البنك المركزي الأوروبي إعفاء المصارف اليونانية، ما قطع عنها التمويل الضروري - لكنه أعاده بعد بضعة أشهر.
في بعض الحالات، خيب دراجي آمال الأسواق، كما حدث عندما خفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة إلى سالب 0.3 في المائة، أو عندما مدد برنامج شراء السندات لستة أشهر في عام 2015 - ما خيب أمل المستثمرين، من جديد، ورفع سعر صرف اليورو بحدة.
قال سوشيل وادواني، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة كيو إم أيه وادواني للاستثمار، إن البنك المركزي الأوروبي كان بطيئا للغاية عند بدء شراء السندات في عام 2015، فيما كانت البنوك المركزية الأخرى تفعل ذلك لأعوام.
في الوقت الذي يقترب فيه من نهاية عهده في البنك المركزي الأوروبي، يقول بعض النقاد إن دراجي كان متشددا للغاية، تاركا وضعا صعبا لكريستين لاجارد، خليفته.
أثارت تدابير التخفيف النقدي التي تم الكشف عنها في أيلول (سبتمبر) الماضي، كمثال - بما في ذلك إعادة تشغيل برنامج التيسير الكمي بقيمة 2.6 تريليون يورو، بعد توقف لمدة عشرة أشهر فقط - رد فعل عنيف من أعضاء آخرين في مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، وليس الأعضاء الألمان فقط.
قال لوكريز ياريتشلين، أستاذ الاقتصاد في كلية لندن للأعمال والرئيس السابق للأبحاث في البنك المركزي الأوروبي تحت رئاسة دراجي: "لست متأكدا تماما من أن دراجي فعل الشيء الصحيح، هذه المرة، لأنه يترك خلفه مجلسا منقسما جدا، على لاجارد أن تتعامل معه".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES