FINANCIAL TIMES

الأرجنتين .. حظوظ ماكري في مهب الريح جراء أزمة الاقتصاد

الأرجنتين .. حظوظ ماكري في مهب الريح جراء أزمة الاقتصاد

بدا الأمر وكأن الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري يعتذر للشعب حينما ألقى خطابا أمام حشد من الناس في قلب منطقة مالبيك في البلاد ضمن حملة انتخابية قدم فيها حججه للحصول على فترة ولاية أخرى في رئاسة "بلاد الفضة".
قال ماكري: "جميعنا يعلم أن الفترة الأخيرة كانت صعبة، خاصة الـ18 شهرا الماضية، لكني أريد أن أخبركم أنني استمعت إليكم وفهمتكم، وقد أحطت علما وأدركت الأمر"، مضيفا وهو يعد بنهج مختلف لمعالجة الأوضاع الاقتصادية المتردية: "المقبل سيكون مختلفا".
بيد أن كل شيء يشير إلى أن "الأمرالمختلف" الذي تنتظره الأرجنتين هو حلول خصم ماكري الرئيس: ألبرتو فرنانديز، البيروني اليساري المرشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، على البطاقة نفسها مع كريستينا فرنانديز دي كيرشنر الرئيسة السابقة للبلاد.
فرنانديز هو المرشح الأوفر حظا للفوز بالانتخابات المقرر إجراؤها في الـ27 من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
استمرار الركود للعام الثاني على التوالي، والانخفاض الحاد في قيمة البيزو، وخطة إنقاذ غير مسبوقة حصلت بموجبها البلاد على صفقة بقيمة 57 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وارتفاع معدلات الفقر، وتفاقم البطالة، ستكون جميع تداعياتها خطيرة على أي مرشح يسعى إلى إعادة انتخابه.
بالنسبة إلى ماكري، وهو سليل إحدى أغنى العائلات في البلاد تعد تلك التداعيات سامة بشكل خاص. لذلك كان لا بد من أن يعتذر.
كانت حشود الطبقة المتوسطة التي ضمت بضعة آلاف من الأشخاص مجتمعين في ميدان في مدينة ميندوزا، تهتف بإخلاص له وتلوح بلافتات تحمل شعار الحملة: "نعم نستطيع"، فيما كان الرئيس يلقي خطابه الانتخابي الذي استمر لنحو 20 دقيقة.
كان صوته يختفي في بعض الأحيان وسط عاصفة الهتاف والتصفيق. أما زوجته جوليانا عواضة، التي كانت ترتدي ثوبا أسود اللون من تصميم إحدى دور الأزياء العالمية، فكانت تضع يدها بطريقة مريحة على كتفه، عاكسة أناقة المليونيرة دونما تكلف، ما أتاح لها الفوز بلقب "أكثر النساء أناقة" في تصويت مجلة فوج.
في الأفق، كانت هناك طائرة دون طيار تحلق في الأعلى، لالتقاط صور لأجل استخدامها على وسائل التواصل الاجتماعي.
جاء الترحيب الحار على سبيل المجاملة من نجل أحد أقطاب مزارع فول الصويا.
لم يكن في الحشد أي أمر كان من المرجح له أن يبدد صورة ماكري، بصفته رجلا ثريا جدا بعيدا كل البعد عن المصاعب الاقتصادية التي يواجهها معظم السكان في ظل حكومته.
جاءت الضربة القاضية لحملة ماكري المتعثرة خلال انتخابات أولية على مستوى البلاد في الـ11 من آب (أغسطس) الماضي.
أظهرت النتائج التي تعد على نطاق واسع مقياسا دقيقا لنوايا التصويت خسارة الرئيس بفارق كبير بمقدار 16 نقطة مئوية أمام فرنانديز.
خلال ليلة واحدة ضعفت حملة ماكري. خشي المستثمرون من احتمال عودة المرشح البيروني إلى الحكومة، وغمروا السوق بالأصول الأرجنتينية من أجل التخلص منها بالبيع، ما أدى إلى تراجع سوق الأسهم وهبوط حاد آخر في قيمة البيزو.
مصداقية ماكري المضروبة في الأصل تلقت ضربة أخرى عندما اضطرت الحكومة إلى تأجيل سداد الديون المحلية، وفرض الرقابة على أسعار صرف البيزو مقابل العملات الرئيسة خاصة الدولار.
كان لدى دوائر المال والأعمال آمال كبيرة معلقة على ماكري عندما تولى السلطة إلا أن كثيرين منهم قد نفد صبرهم بعد الأخطاء المتكررة من جانب إدارته، فيما يتعلق بإدارة الاقتصاد.
قال أحد كبار المصرفيين في بوينس آيرس وهو غاضب: "هذه واحدة من أسوأ الحكومات على الإطلاق، أسوأ بكثير مما كان متوقعا. كانت توقعاتنا عالية جدا لدرجة أن الانهيار كان أسوأ بكثير: إنه يشبه سقوط شيء ما من الطابق الـ25 على الرأس".
فشلت استطلاعات الرأي في التنبؤ بهزيمة ماكري الكبيرة في الانتخابات الأولية، وبالتالي جرى التعامل بحذر مع تنبؤاتها بفوز ساحق لفرنانديز.
وعلى الرغم من ذلك يظل من الصعب أن تجد أي شخص في بوينس آيرس يعتقد أن ماكري ابن المطور العقاري المليونير، سيحقق أي شيء آخر غير هزيمة كبيرة أمام منافسه.
قال لويس تونيلي، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة بوينس آيرس: "التصور السائد الآن هو أن ماكري أحمق ولا يراعي الناس، وأنه من الطبقة العليا، ولا يفهم أي شيء" ذي صلة بالبسطاء.
أما الفريق الصحافي الذي يعمل لدى ماكري فيقول إنه لا يجري مقابلات مع وسائل الإعلام الدولية خلال الحملة، ولم يرغب مساعدوه المقربون في التحدث بشكل رسمي. على أن البعض منهم اعترف خفية بأنهم بدأوا يستعدون بالفعل لحياة خارج الحكومة، عندما تنتهي فترة ولايته في كانون الأول (ديسمبر) المقبل.
تمكن ماكري، وهو مهندس مدني من حيث المهنة من التغلب على افتقاره إلى الكاريزما وضعف المهارات الخطابية لديه، للفوز بجولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية عام 2015، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الأرجنتينيين كان قد سئموا من الحكومات السابقة التي كانت غارقة في فضائح فساد واسعة، وخلفت وراءها اقتصادا مضطربا.
كان ماكري قد حقق بعض التقدم في معالجة الفساد وتحسين المؤسسات، من خلال إقرارالقوانين التي تتيح المساومة القضائية لتسوية النزاعات التجارية، وزيادة الرقابة على تمويل الحملات الانتخابية، وكذلك جعل مناقصات العقود العامة أكثر شفافية.
أما في ما يتعلق بالاقتصاد، فقد قدم ماكري نفسه عام 2015 بصفته مرشحا للمستقبل، ووعد بأن يعمل فريقه من التكنوقراط المختصين على حل المشكلات الاقتصادية في الأرجنتين.
الآن، بعد أن عجزعن فعل ذلك بشكل واضح، لجأ إلى المناداة بقيم عليا مثل التسامح والديمقراطية، التي تفتقد لأي صدى يذكر خارج قاعدته الجماهيرية، من الطبقة المتوسطة.
قال مستشار سياسي في بوينس آيرس: "استراتيجيته الانتخابية خاطئة تماما. إنه لا يفعل ما يجب أن يفعله ألا وهومهاجمة مرشح المعارضة بشكل مباشر، حتى إنه لم يذكر المعارضة أبدا" في حملاته.
ميندوزا مدينة مزدهرة يبلغ عدد سكانها 930 ألف نسمة تقع غربي الأرجنتين، وكان يجب أن تكون المكان الطبيعي لشعبية ماكري، باعتبارها معقلا للحزب الراديكالي، أحد أعضاء ائتلاف كامبيموس الحاكم برئاسته. ومن الطريف أن طريق الحزب الراديكالي إلى الفوز في انتخابات محافظ المدينة الشهر الماضي، كان من خلال إدارة حملة تجنبت أي ذكر للرئيس في ظل انعدام شعبيته فيها.
ومع ذلك فإن الحشد المرموق في ميندوزا لم يفقد الأمل تماما.
قالت صوفيا موليرو، وهي سيدة أنيقة في السبعينات من عمرها ترتدي نظارات شمسية من إحدى أشهر الشركات العالمية، وتلتحف العلم الأرجنتيني: "نحن نفعل هذا من أجل بلدنا. لا نريد العودة إلى الماضي".
وقد قاطعتها صديقتها مارتا رويز قائلة: "يجب أن ننهي ثقافة استغلال ثروات البلاد".
أما نورما نيكولاي، وهي العضو الثالث في المجموعة التي وصفت نفسها بسيدات الأعمال، فقد وعدت بيأس أنها ستغادر البلاد إلى إسبانيا حال خسر ماكري مردفة: "لقد بعت منزلي بالفعل"، في تحسب استباقي لما تشير إليه الاستطلاعات المتاحة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES