FINANCIAL TIMES

لماذا ينبغي الحفاظ على تاريخ الإنترنت المتلاشي؟

لماذا ينبغي الحفاظ على تاريخ الإنترنت المتلاشي؟

في غضون عامين سيصبح عمر الكمبيوتر الشخصي 50 عاما.
كمبيوتر "كينباك-1"، المصمم في عام 1971، كان سابقا لعصره. تم تصنيع 40 وحدة فقط قبل إغلاق الشركة المصنعة في عام 1973. النسخ التي لا تزال موجودة من هذا التصميم يمكن أن تجلب عشرات الآلاف من الدولارات في مزاد.
هواة جمع الإلكترونيات القديمة استحدثوا صناعة مزدهرة من الحنين التكنولوجي، بدءا من أجهزة كمبيوتر "أبل" القديمة التي تباع الآن بمئات الآلاف من الدولارات، إلى أجهزة الألعاب الإلكترونية العائدة إلى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، التي أعيد إصدارها أخيرا من شركات مثل "نينتندو" و"سوني" و"سيجا" باعتبارها إصدارات "كلاسيكية" أو "مصغرة".
في الوقت الذي وصلنا فيه إلى هوس جمع الأجهزة العتيقة نجد أن عددا أقل بكثير من الأشخاص يجمعون البرامج والخدمات الرقمية التي بعثت الحياة في تلك الأجهزة. الذكرى السنوية الـ30 لشبكة الإنترنت العالمية هذا العام حملت معها موجة إعجاب مستحقة بعمل تيم بيرنرز لي وغيره من رواد مواقع الإنترنت -http.
لكن عديدا من مواقعهم الإلكترونية الأقدم ضاعت بالفعل في التاريخ، إذ تم قطع اتصال خوادمها قبل أن تكون محتوياتها قابلة للأرشفة.
كان ذلك قبل أن يصبح روب فورد جامع مواقع ويب، وإن كان عن طريق الصدفة. بصفته مصمم مواقع إلكترونية، انتقل من الفوز بجوائز لمواقعه الخاصة إلى منح الجوائز إلى الآخرين. جوائز أفضل المواقع الإلكترونية The Favourite Website Awards بدأت في عام 2000 واستمرت على مدار العقد التالي، وكان فورد يسلط الضوء على موقع إلكتروني جديد كل يوم على موقع thefwa.com.
يقول: "أمضيت معظم الثلاثينات من عمري في غرفة نوم والدي وكنت أجرى تحديثا كل يوم - لا أيام راحة مرضية، ولا إجازات".
المكافأة كانت أرشيفا فريدا من نوعه للمواقع الإلكترونية الجديرة بالملاحظة، التي شكلت في نهاية المطاف الأساس لكتاب جديد، "تصميم المواقع الإلكترونية: تطور العالم الرقمي 1990 – اليوم" Web Design: The Evolution of the Digital World 1990-Today، الذي نشرته "تاشن" الشهر الماضي.
في نحو 640 صفحة، يعد المجلد جزئيا رحلة حنين للماضي، وجزئيا عملا مرجعيا. فهو يغطي التغيرات التكنولوجية، مثل ظهور برنامج فلاش للرسوم المتحركة، الذي أدخل عامل الحركة إلى وسيط جامد في السابق وأطلق العنان لتجارب جامحة.
هناك أيضا بعض المستجدات، مثل أول موقع إلكتروني يدعو المستخدمين إلى تحميل وجوههم (للترويج لفيلم Wedding Crashers عام 2005) و"أوبالدست ديزاينز" Opaldust Designs، وهو موقع مصمم على شكل صحيفة تم تقليد صفحاته المتحركة على نطاق واسع.
ربما تبدو هذه أمورا تافهة، لكن تصوير هذه التطورات في التصميم التفاعلي سيكون ذا قيمة دائمة لكل من المؤرخين والأجيال المقبلة من المطورين. على الرغم من وجود متاحف في وادي السيليكون وغيره مخصصة لأجهزة الكمبيوتر وألعاب الفيديو، لا توجد مؤسسة مخصصة للحفاظ على شبكة المواقع الإلكترونية. "لابد أن تكون موجودة وهي ليست كذلك"، بحسب فورد.
أقرب ما يكون من ذلك هو أرشيف الإنترنت الذي جمع الآن أكثر من 330 مليار صفحة ويب. المؤسسة غير الربحية التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقرا لها بدأت في عام 1996 وتكلف الآن نحو 18 مليون دولار سنويا للتوسع والاستدامة.
لكن رغم كونه مستودعا رائعا، إلا أن أرشيف الإنترنت يفتقر إلى لافتات إرشادية وسياق مادي مثل متحف جيد التنظيم. فحتى مع تمتعه بموارد مثل إي شركة ناشئة في وادي السيليكون، إلا أنه يكافح من أجل مواكبة وتيرة إنشاء المحتوى وتدميره.
مئات الملايين من التغريدات والمنشورات على "فيسبوك" والصور على "إنستجرام" يتم نشرها على الإنترنت كل يوم، بينما يمكن أن تختفي مساحات كاملة من الإنترنت دون سابق إنذار.
في الأشهر القليلة الماضية فقط، تم إنهاء خدمة "جوجل+"، وموقع "ماي سبيس" فقد بطريقة ما، عمليات تحميل جرت على مدى 12 عاما، وكاميرا الإنترنت الأطول تشغيلا - "فوج كام" FogCam في سان فرانسيسكو - بالكاد تفادت إيقاف التشغيل، وذلك فقط بعد موجة من اهتمام وسائل الإعلام. في العام المقبل "ستنهي أدوبي حياة" برنامج "فلاش" من خلال التوقف عن صيانته، ما يجعل من المستحيل بالنسبة لمعظمنا الوصول إلى ملايين من تلك المواقع الرائدة.
المحافظة على المحتوى الرقمي ستصبح أكثر صعوبة، لأن تفاعلاتنا مع الإنترنت تتحول إلى خدمات سحابية مثل "سيري" و"أليكسا"، التي تعد غير مرئية إلى حد كبير ومتطورة باستمرار.
بطبيعة الحال، معظم الناس لا يريدون مجموعة من المهووسين في سان فرانسيسكو يتولون أرشفة مقاطع "سناب تشات" ورسائل "واتساب"، مهما كانت المساعي حسنة النية أو خيرية الدافع. لا أرغب في الخوض في جدال مع أولئك الذين يدافعون عن تشديد قواعد الخصوصية عبر الإنترنت أو سياسات تقليل البيانات في شركات مثل "جوجل" و"فيسبوك".
لكن من أجل التاريخ والأجيال المقبلة، فقد حان الوقت لتقدير قيمة الأصول الرقمية سريعة الزوال على نحو يضاهي تقدير الأجهزة القديمة التي كانت تستخدم لتشغيلها. على الأشخاص الجادين في سعيهم وراء الحفاظ على الأجهزة القديمة أن يتأكدوا كذلك من استمرار حياة برمجياتها.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES