FINANCIAL TIMES

«نوفو نورديسك» .. وجه إنساني لصانعة الأنسولين الأولى في العالم

«نوفو نورديسك» .. وجه إنساني لصانعة الأنسولين الأولى في العالم

في مركز السكري في كوبنهاجن يتم تنظيم حصص لتعلم الطهي. كل من يقطع ويخلط تحت العين المتابعة لخبير التغذية، لاين فرانسين موث، يعاني مرض السكري النوع الثاني.
جان شنوهر، مهندس كهربائي متقاعد (69 عاما)، قال مازحا وهو يساعد في إعداد وجبة من السمك وجذور الخضراوات وخبز النان. إنه لا يعرف كيف "ستنجو" المجموعة من اتباع نظام غذائي منخفض اللحوم، لكنه أضاف أن موظفي المركز قدموا له أفكارا قيمة حول كيفية التعامل مع حالته.
الجلسات المجانية ليست واحدة من ثمار دولة الرفاهية الاسكندنافية المحسنة. إنها جزء من "مدن تغير مرض السكري" Cities Changing Diabetes، وهو برنامج عالمي للحد من آفة تصيب أكثر من 420 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، كانت شركة نوفو نورديسك، أكبر شركة لصناعة الأنسولين في العالم، قوة دافعة وراءه، إلى جانب شركاء آخرين.
بحسب الظاهر، مشهد المطبخ يمثل مفارقة. كلما كان الأشخاص المُصابون بمرض السكري، مثل شنوهر، أفضل في التعامل مع حالتهم، أو حتى التغلب عليها تماما من خلال أسلوب حياة أكثر صحة، قل الطلب على منتجات شركة نوفو نورديسك المميزة.
لكن الشركة أمضت ما يقارب قرنا من الزمن في تحديد الخط الفاصل بين كسب المال لمساهميها والوفاء بمهمة مؤسسيها، الذين أمروا في عام 1924 بأن تستخدم أي أرباح في أغراض علمية وإنسانية.
تم إضفاء الطابع الرسمي على المهمة في عام 1989 عندما تم تأسيس مؤسسة نوفو نورديسك. وهي تملك جميع أسهم الشركة من الفئة A وتسيطر على 76.2 في المائة من الأصوات، ما يمنحها أغلبية كبيرة في الاجتماعات العامة السنوية، وهي توزع الأموال لدعم القضايا العلمية والإنسانية والاجتماعية.
لارس فرورجارد يورجنسن، الرئيس التنفيذي الخامس في تاريخ الشركة – والثالث فقط الذي لم يولد في العائلة المؤسسة – يلخص مزيج الإيثار والحتمية التجارية الذي يحفز هذا النهج.
بدون اتخاذ إجراءات لإيقاف ارتفاع حالات مرض السكري، وما ينجم عن ذلك من استنزاف لميزانيات الصحة العالمية، ستكون استدامة نوفو نورديسك موضع تساؤل لأنه سيكون هناك القليل من المال لدفع ثمن الأدوية المبتكرة.
من خلال الحد من عدد الأشخاص الذين يصابون بهذا المرض، واستحداث علاجات جديدة "فعالة ومتميزة" بالنسبة للذين يصيبهم المرض "ربما بإمكاننا الحصول على حصة سوقية، وبالتالي البيع أكثر. لذلك هذا أمر ذو معنى، لكنه أيضاً عمل جيد".
إلا أن التحدي المتمثل في تقديم وجه خيري نادرا ما يكون أكثر حدة مما هو الآن.
تواجه صناعة الأدوية بالكامل انتقادا دوليا قاسيا حول تكلفة أدويتها – وشركات صناعة الأنسولين، مثل نوفو، هي من بين الأكثر تعرضا للانتقاد، خاصة في الولايات المتحدة حيث قصص وفاة أشخاص غير مؤمنين بسبب عجزهم عن تحمل تكاليف الأدوية المنقذة للحياة أدت إلى وصفها، وشركات أخرى لصناعة الأنسولين، بأنها تحصل على أسعار باهظة.
يعترف يورجنسن بأن "هذا تحد كبير بالنسبة لي، لأن هذا هو الجانب الذي يمكنك القول فيه إن الواقع يدمر روح الشركة". ويضيف: "يأتي كثير من الضغط من المساهمين الذين يرون أن أسعارنا تنخفض في الولايات المتحدة، ثم أقابل مرضى يشعرون فعلا بالإحباط لأنهم يدفعون أكثر وأكثر".
كانت استجابة الشركة لما وصفه بأنه فشل النظام الصحي في الولايات المتحدة هي الذهاب أبعد مما فعلت في العالم النامي – في واحد من أغنى البلدان في العالم – من خلال تقديم الأنسولين مجاناً لمجموعة موسعة من الأمريكيين ذوي الدخل المنخفض. "يمكنك القول للذين ليس لديهم تأمين، نحن في الواقع نظام الرعاية الصحية الخاص بهم".
ردا على سؤال حول كيف قدم الحجة لهذا الإنفاق الكبير لمجلس إدارته والمساهمين في الوقت الذي يكافح فيه امتياز الشركة للأنسولين في الولايات المتحدة، أصر على أن الصعوبة الوحيدة تكمن في معرفة كيفية ضمان وصول الأنسولين إلى المحتاجين، وليس الحصول على الموافقة على ذلك.
في الغالب قصة "نوفو نورديسك" على مدى عقود كانت قصة أرباح مستدامة وارتفاع سعر السهم. خلال الأعوام الـ25 الماضية تفوقت على قطاع الأدوية العالمي في تحقيق عائد إجمالي للمساهمين أكثر من ستة أضعاف، وفقا لحسابات "فاينانشيال تايمز"، بما يزيد على 70 في المائة في العقد الماضي، لكن بنسبة 1 في المائة فقط في الأعوام الخمسة الأخيرة.
واجهت الشركة عقبة كبيرة في عام 2016، ساعدت على اختبار متانة نهج "الأرباح مع هدف" الخاص بها. تراجعت الأسهم 15 في المائة خلال يوم واحد بعدما خفضت الشركة مستهدفاتها المالية طويلة الأجل إلى النصف، وحذرت في الوقت نفسه من تأثير ضغوط الأسعار في الولايات المتحدة، كما اضطرت إلى تسريح ألف موظف.
بحلول نهاية عام 2018 كانت الشركة قد سرحت 1300 موظف آخر، تمت مساعدة كثير منهم في العثور على وظائف جديدة، بعد إعادة هيكلة عمليات البحث والتطوير فيها. لكن على الرغم من النكسات "لم نغير مسارنا بشأن ما نفعله لنصبح شركة مستدامة، ولا بأي مقدار"، كما قالت سوزان ستورمر، نائبة رئيس استدامة الشركات.
بالنسبة لموظفي "نوفو نورديسك"، فإن مهمتها الاجتماعية تحمل جاذبية قوية لكنها لا تفوق الانشغال التقليدي أكثر بشروط التوظيف.
سورين بيورن فريس (33 عاما) الذي يتولى منصب نائب رئيس مجلس العمال المشترك في الشركة، قال: "نوفو نورديسك دائما ما تدفع جيدا". حزمة الأمومة فيها هي أيضا الأفضل في الدنمارك، فهي توفر إجازة مدفوعة لمدة عام للأمهات الجديدات.
يكسب يورجنسن أجرا يعادل أضعافا قليلة من متوسط أجر العامل لديه، مقارنة بنظرائه في الشركات الأمريكية، لكن الرئيس التنفيذي يعترف بأن راتبه البالغ 41.3 مليون كرونة دنماركية (نحو خمسة ملايين جنيه)، لا يزال "ضخما" بالمعايير الدنماركية.
يجب على الشركة أن تستجيب لمخاوف المساهمين الدنماركيين الذين يعتبرون مكافأته "كبيرة"، وفي الوقت نفسه طمأنة المستثمرين الأمريكيين الذين يشعرون بالقلق من أن إدارة "نوفو" تتلقى أجرا منخفضا مقارنة بالمستويات الدولية، كما قال. يقوم مجلس الإدارة الآن باستطلاع آراء المساهمين لقياس وجهات نظرهم "لأن الأجر التنفيذي يمثل قضية كبيرة، وهو موضوع كبير".
عندما سئل عما إذا كان لا يزال يعتبر مصالح المساهمين ذات أهمية قصوى في الطريقة التي يدير بها الشركة، أو ما إذا كان أصحاب المصلحة الآخرون بالقدر نفسه من الأهمية، توقف لفترة وجيزة قبل الإشارة إلى أن هيكلة المساهمين في الشركة "مميزة قليلا" بسبب ملكية الأغلبية في المؤسسة مع تركيزها الإنساني الواضح.
لكن على نحو متزايد، المساهمون أنفسهم "يفهمون ما يعنيه أن تكون شركة مستدامة، هو أن هناك أصحاب مصلحة أكثر من مجرد الذين يحصلون على أرباح الأسهم".
بالنظر إلى البيئة المنظمة بشكل صارم التي تعمل فيها شركات الأدوية، ودور الحكومات في شراء منتجاتها، فإن فوائد النظر إليها مساهما صافيا في المجتمع يمكن أن تتجاوز العائد التجاري الفوري. ويشمل ذلك قضايا أكثر دقة، كالسمعة والقبول على نطاق واسع داخل المجتمع، التي قد يجادل بعضهم أنها يمكن أن يكون لها التأثير القوي نفسه في الأداء طويل الأجل.
إذا كان يمكن اعتبار شركته جزءا من الحل للوقاية من مرض السكري ومعالجة السمنة، من خلال مبادرات مثل مركز مرض السكري "عندها يمكننا أن نثبت أن هذا في الواقع يمثل ’قيمة مضافة‘ للمجتمع. لكن إذا تم اعتبارك أنك تبيع أدوية مكلفة فقط، عندها فإنك ستعد أنت المشكلة"، كما قال يورجنسن.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES