أخبار اقتصادية- عالمية

رياح الركود تهب على الاقتصاد العالمي .. نمو ألماني هزيل والوهن يحاصر تركيا والأرجنتين

 رياح الركود تهب على الاقتصاد العالمي .. نمو ألماني هزيل والوهن يحاصر تركيا والأرجنتين

في أواخر شهر آب (أغسطس) الماضي سجلت الصين أسوأ إنتاج صناعي في 17 عاما، فيما تقلص الاقتصاد الألماني، بينما تراجع مؤشر داو جونز بأكثر من 800 نقطة.
وكانت تلك المؤشرات مجتمعة كافية لإثارة القلق لدى الأسواق الدولية، ورجال الأعمال والمستثمرين، بأن العالم مقبل على موجة من موجات الركود الاقتصادي. وعززت تصريحات كبار المسؤولين الدوليين في البنك الدولي وصندوق النقد وغيرهم من المؤسسات المالية بأن عام 2020 سيشهد ركودا في الاقتصاد العالمي من المخاوف بشأن قادم الأيام.
وفي الحقيقة، فإن عديدا من الدول التي تعاني تباطؤ النمو الاقتصادي، أو دخلت مرحلة الركود تعاني ملامح متشابهة لأزمتها الاقتصادية.
فأغلب تلك الاقتصادات تعتمد اعتمادا كبيرا على الصادرات، بينما يبدو الاقتصاد الدولي وما به من معضلات، اقتصادا غير ملائما لتلك السياسات على الأقل في الوقت الراهن.
وأضعفت الحرب التجارية، والركود الاقتصادي في الصين، التجارة الدولية، وقوضت التبادل الدولي للسلع. وتنمو مشاعر غير إيجابية في الأسواق العالمية، تتسم بالقلق والتوتر لدى رجال الأعمال ورأس المال العالمي، وأحجمت رؤوس الأموال الدولية عن الاستثمار في عديد من الدول، وبدأت تظهر بشكل واضح ملامح وهن اقتصادي في دول مثل الأرجنتين وتركيا.
وزاد هذا الأحجام من رؤوس الأموال الدولية عن الاستثمار، من المشكلات الداخلية لبعض الدول التي كانت التدفقات المالية الخارجية تفلح في التغطية على مشكلاتها الاقتصادية أو تجاوزها إلى حين، ومن ثم أدى تقلص رؤوس الأموال الدولية إلى رفع الغطاء عن تلك الاقتصادات فظهرت مواطن الضعف وانكشفت مكامن القصور.
وفي ظل تلك الأجواء المضطربة والقلقة لجأ المستثمرون إلى الملاذات الآمنة المعتادة في الذهب والسندات الحكومية.
وبالطبع لم تترك دول العالم أمرها إلى رياح الركود، التي باتت تهب على الاقتصاد الدولي، فالصين وغيرها من الاقتصادات الكبرى والناشئة بذلت وتبذل مجهودات ملموسة لمعالجة الوضع عبر سلة من الحوافز لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
ولا يبدو الخبير الاستثماري إم. دي. راسل، متفائلا بهذا الشأن، ويقول لـ"الاقتصادية"، إنه "في الشهر الجاري تحيي الصين الذكرى الـ70 لتأسيس الصين، وبنك الشعب الصيني "البنك المركزي" مثله مثل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، يعمل على تخفيض أسعار الفائدة، بهدف تحفيز القطاع العائلي والأفراد على مزيد من الاقتراض والإنفاق الاستهلاكي في الأساس، لكن تأثير ذلك سيكون محدودا على الاقتصاد العالمي، لأن هناك شعورا عاما بعدم الأمان تجاه الغد نتيجة الحديث عن الاقتراب من الركود، ما يجعل عملية السداد محفوفة بالمخاطر لدى المقترضين".
ويصبح التساؤل: ما أكثر الاقتصادات التي تواجه خطر الركود على المستوى العالمي؟، والحقيقة أنه لا يوجد إجابة قاطعة بهذا الشأن حتى الآن، لكن هناك عديدا من التقديرات بأن بعض الاقتصادات إذا أصيبت بالركود، فإنها ستأخذ الاقتصاد العالمي معها في هذا الاتجاه، أو ستؤثر بدرجة أو أخرى على الأوضاع الاقتصادية في عدد كبير من الدول.
الدكتورة جورجي سميث، أستاذة الاقتصاد الدولي في جامعة جلاسكو، تعتقد أن إصابة الاقتصاد الألماني بالركود أمر شديد الاحتمال من وجهة نظرها، وسيكون ذلك كفيلا بإصابة الاقتصاد الأوروبي بالشلل إلى حين.
وتضيف لـ"الاقتصادية"، أن "الاقتصاد الألماني نما بمعدل هزيل في الربع الأول من العام الجاري، ولم تتجاوز نسبة النمو 0.4 في المائة، وفي الربع الثاني تقلص الاقتصاد الألماني بنسبة 0.1 في المائة، وإذا كان التعريف الفني للركود أن ينمو الاقتصاد سلبيا في ربعين متتالين، فإن برلين تقترب من هذا الوضع، واحتمال أن يصاب الاقتصاد الألماني بالركود نهاية هذا العام أمر وارد".
وتعزو جورجي أسباب ذلك إلى أن ألمانيا أحد أبرز ضحايا الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، فالاقتصاد الألماني يعتمد على صناعة السيارات والأدوات الهندسية، والصين أكبر الأسواق التي تستوعب المنتجات الألمانية، ونتيجة لتباطؤ النمو الاقتصادي في الصين تراجع الطلب على السلع الألمانية.
وتلقي جورجي بالمسؤولية على السياسة المالية الألمانية، التي تصفها بالتشدد وتجنب الإنفاق لتحفيز النمو.
لكن المثير للقلق، هو أن ثاني اقتصاد عالمي مرشح للإصابة بالركود، وفي قارب الركود نفسه الاقتصاد الأوروبي أيضا، وهو ما يعني أن القارة العجوز ربما تكون أول المناطق الاقتصادية التي ستعلن تعرضها للركود بدايات العام المقبل.
وتبدو قصة الاقتصاد البريطاني مشابهة نسبيا للاقتصاد الألماني، فقد أصيب بأداء ضعيف خلال الربع الأول لهذا العام، ولم يتجاوز نموه 0.5 في المائة، ثم كان النمو سلبيا في النصف الثاني بمعدل 0.2 في المائة، إلا أن بريطانيا تجنبت الركود الاقتصادي إلى حين على الأقل، على الرغم من أن الاقتصاد تقلص بنحو 0.1 في المائة في شهر آب (أغسطس)، إلا أن الربع الثالث نما بمعدل 0.3 في المائة.
ويوضح لـ"الاقتصادية"، أندروا شارت الباحث الاقتصادي، أن "هذا لا يعني أن بريطانيا تجاوزت هاوية الركود بشكل كبير، نتيجة عدم اليقين بسبب الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولدينا عديد من المشكلات في التصنيع، وهناك تباطؤ في الاستثمار، وإذا غادرنا الاتحاد الأوروبي دون صفقة فالركود واقع لا محال".
ويزداد الأمر سواء بالنسبة للاقتصاد الأوروبي إذا أخذنا في الحسبان أن إيطاليا هي ثالث اقتصاد عالمي مرشح للإصابة بالركود، فإيطاليا ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بعد ألمانيا وفرنسا، ومنذ العام الماضي والاقتصاد الإيطالي يعاني الركود، ولم يكن 2019 أفضل كثيرا، إذ لم يتجاوز نمو الربع الثاني من العام الجاري 0.2 في المائة، والأخطر بالنسبة لروما أن تردي الوضع الاقتصادي مترافق مع أزمات سياسية متواصلة ومستفحلة، ما يضع شكوكا حول برامج الإصلاح الاقتصادي، والديون الإيطالية تعد أحد أكبر الديون في العالم، بحيث باتت عبئا حقيقيا على النظام الاقتصادي.
كما أن النظام المصرفي في وضع لا يحسد عليه، وعدد من كبريات البنوك الإيطالية معرضة للانهيار، ولهذا تبدو إصابة الاقتصاد الإيطالي بالركود العام المقبل أمرا لا مفرا منه.
ويرسم لـ"الاقتصادية"، الدكتور أورويل بلاك أستاذ التجارة الدولية في جامعة أكسفورد، المشهد الاقتصادي العالمي من زاوية أبرز البلدان المعرضة للإصابة بالركود، قائلا "يمكن تقسيم الاقتصادات المصابة بالركود والمعرضة للركود إلى مجموعتين، الأولى تضم ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، وتلك المجموعة سيمتد ركودها الاقتصادي إلى الاتحاد الأوروبي، وتحديدا منطقة اليورو، وستؤثر في باقي اقتصادات العالم نتيجة علاقتها التجارية الضخمة مع الصين والولايات المتحدة وباقي بلدان القارة الأوروبية، أما المجموعة الثانية فهي مؤلفة من بلدان تقع ضمن فئة الاقتصادات الناشئة مثل الأرجنتين والمكسيك والبرازيل، وسيكون لتلك المجموعة تأثير إقليمي واضح ولكن من الصعب أن تشد الاقتصاد العالمي معها إلى هوة الركود".
وبالفعل، هناك ما يشبه اتفاقا عاما بأن الأزمة الاقتصادية الراهنة في الأرجنتين هي أزمة ركود، وأن الوضع يزداد سوءا، إذ فقدت سوق الأسهم 50 في المائة من قيمتها، في أكبر ثاني انهيار منذ عام 1950، ومعدلات التضخم في تسارع، بحيث بات المجتمع الدولي أكثر اقتناعا بأن الأرجنتين لن تكون قادرة على سداد ديونها الخارجية، وأن عليها إعلان إفلاسها أو إعادة جدولة ديونها.
ومع انخفاض قيمة البيزو الأرجنتيني بشكل متواصل بات من المشكوك فيه أن تفلح الطبقة المتوسطة في تلبية احتياجاتها الغذائية اليومية.
ويرشح كروس هيلمر، الباحث الاقتصادي، كلا من المكسيك والبرازيل للإصابة بالركود الاقتصادي في الربع الثاني من العام القادم.
ويضيف لـ"الاقتصادية"، أن "المكسيك أصيبت بهزة اقتصادية نتيجة التناحر، الذي دخلته مع إدارة ترمب بشأن التجارة والهجرة، وسببت لها تلك المعارك خسائر أكبر مما يتوقعه كثيرون، وتقلص الاقتصاد المكسيكي بداية هذا العام بنحو 0.2 في المائة، لكنه نجا لاحقا من الركود، إذ نما بنحو 0.1 في المائة، فيما الاستثمارات متراجعة، وسط غياب للثقة لدى قطاع المال والأعمال".
ويشير هيلمر إلى أن البرازيل ليست بعيدة عن هذا المشهد فهي أكبر اقتصاد في أمريكا الجنوبية، وقد انكمش اقتصادها بنسبة 0.2 في المائة في الربع الأول، وتواجه مشكلات مزدوجة بين انخفاض الطلب على صادرتها السلعية، كما يشهد الطلب الداخلي تراجعا أيضا.
ويعتقد هيلمر أن جميع التصورات المتفائلة بشأن التأثير الإيجابي للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين على الاقتصاد الصيني ذهبت أدراج الرياح، فالبرازيل كانت تعول على أن بكين ستبحث عن موردين جدد يمدونها باحتياجاتها من فول الصويا بدلا من الولايات المتحدة، وهذا لم يتحقق، ما دفع البنك المركزي البرازيلي إلى خفض أسعار الفائدة، وتقديم معونات مالية مباشرة للطبقة العاملة لتحفيز النمو، إلا أن ذلك مني بالفشل.
وباستثناء ألمانيا لا تبدو إصابة المملكة المتحدة وإيطاليا أو الأرجنتين والمكسيك والبرازيل بالركود الاقتصادي أمرا مثيرا للريبة أو المفاجأة، ولكن ما يثير القلق حقا أن تعد كوريا الجنوبية وسنغافورة من الدول المرشحة للإصابة بالركود.
فكوريا الجنوبية أفلحت بالكاد في تجنب الركود في النصف الأول من هذا العام، إذ تقلص معدل النمو 0.4 في المائة في الربع الأول، لكنه ارتفع 1.1 في المائة في الربع الثاني.
ورغم جودة هذا الأداء الكوري، إلا أنه من غير المتوقع أن يستمر، فاليابان وكوريا الجنوبية في خضم صراع تجاري، سيؤدي إلى تراجع النمو ويزيد من صعوبة بيع كوريا سلعها الإلكترونية والسيارات إلى الخارج.
وهبطت صادرات كوريا الجنوبية من الإلكترونيات بنحو 20 في المائة خلال الأشهر الأخيرة، حتى الآن يصعب الجزم بمدى نجاح سياسة البنك المركزي الكوري في خفض أسعار الفائدة في إنعاش الاقتصاد.
ويمثل دخول اقتصاد سنغافورة إلى دائرة الركود مفاجأة لكثيرين، ففي الربع الأول من هذا العام حققت سنغافورة معدلات نمو إيجابية بلغت 3 في المائة، إلا أن الربع الثاني مثل هزة ضخمة للاقتصاد بعد أن بلغ معدل الانكماش 3.3 في المائة، وألقت سنغافورة باللائمة على الحرب التجارية، بسبب اعتماد اقتصادها على التصدير.
وتبدو الاتجاهات الاقتصادية في سنغافورة وكوريا الجنوبية، مؤشرات قوية لما ينتظر الاقتصاد العالمي مع اقترابه من دائرة الركود.
لكن الخطر الأكبر ربما يكمن في مخاوف متصاعدة من إصابة الاقتصاد الأمريكي بالركود، فمع تراجع معدلات نمو الاقتصاد العالمي، يخشى كثير من الاقتصاديين ألا تفلح واشنطن في الحفاظ على وضعها الراهن بتحقيق معدلات نمو جيدة نتيجة الطلب المحلي.
وبات الاقتصاد العالمي من التداخل والتشابك، إلى الحد الذي يمكن أن يؤثر فيه الركود إذا ما أصاب اقتصادات أخرى، ما يثير الفزع لدى المستثمرين والمستهلكين الأمريكيين على حد سواء، لتصيب عدوة الركود الاقتصاد الأمريكي، ومن ثم العالم أجمع.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية