FINANCIAL TIMES

المستثمرون يمارسون «لعبة خطرة» في أسواق مضطربة

المستثمرون يمارسون «لعبة خطرة» في أسواق مضطربة

يثير تشرين الأول (أكتوبر) درجة غير مفهومة من القلق بين المستثمرين نظرا إلى نوبات الاضطراب الحادة التي تعد سمة أصيلة للسوق خلال هذا الشهر. تماما في الوقت المناسب، كشفت الأيام القليلة الأولى من الشهر عن وجود خلل كبير، في الوقت الذي بدأ فيه تراجع التصنيع العالمي يتسرب إلى قطاعات الخدمات في الاقتصادات الرائدة.
تجدر الإشارة إلى أن هذا يشمل الولايات المتحدة التي ينظر إليها منذ فترة طويلة على أنها محصنة نسبيا ضد تباطؤ الاقتصاد العالمي والنتائج العكسية الناشئة عن الحرب التجارية مع الصين. هذه، كما يخشى المتشائمون، هي الكيفية التي بدأت بها ثقة قطاع الأعمال ـ التي تآكلت بسبب الاحتكاك التجاري والضغط على الهوامش، الناتج عن الأجور المرتفعة والدولار القوي ـ قيادة الطريق إلى عمليات تسريح العاملين التي أصابت المستهلك في نهاية المطاف.
إلى حد ما، هذا ليس أمرا مفاجئا. يكشف فحص أداء الأسهم العالمية وسوق السندات السيادية خلال العام الماضي أن احتمال تباطؤ النمو الاقتصادي حرك بالفعل قرارات تخصيص الأصول. لكن هل حان الوقت لأن يحصل المتشائمون على السلطة العليا؟
يمكن أن يتباهى عدد من أسواق الأسهم الرئيسية بمكاسب من رقمين في عام 2019، على الرغم من أن اليابان وهونج كونج والمملكة المتحدة مستثناة من ذلك. لكن انظر إلى الوراء على مدار الـ12 شهرا الماضية تجد أن الصورة قد تحولت، مع كون عديد من الأسواق أعلى قليلا أو حتى سلبية الأداء، في الوقت الذي أثبتت فيه قطاعات دفاعية مثل المرافق والسلع الأساسية أنها النقاط الإيجابية، في حين تعثر كثير من شركات التكنولوجيا الكبرى. تفضيل السلامة يفسر أيضا تحقيق مكاسب قاربت 30 في المائة لمؤشر سندات الخزانة طويلة الأجل التي يحل تاريخ استحقاقها بعد 20 عاما أو أكثر.
هذا المزيج من الأسهم والسندات يعني أن المحافظ المتنوعة تتعثر في الوقت الحالي، والأهم من ذلك أن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 لا يزال في اتجاه صعودي طويل بدأ في عام 2009، لكن الوضع يقوم على توازن دقيق. مثلما رأينا في أواخر العام الماضي، فإن أي انخفاض حاد في السندات يصيب الأسهم الدفاعية وأسهم النمو ذات القيمة العالية.
كثير من المستثمرين محبوسون الآن في وجهة نظر حميدة بشكل حذر - وهي استراتيجية تعتمد على عائدات السندات بعد أن حددت إلى حد كبير أدنى مستوياتها لهذه الدورة، في حين أن الاقتصاد العالمي يسير على غير هدى باتجاه عام 2020 من دون وجود انكماش عميق.
لكن النغمة الإيجابية لها حدود، وفرصة حدوث انتعاش حقيقي في النشاط الاقتصادي الأوسع ضئيلة: تسهيل البنوك المركزية له تأثير اقتصادي محدود، والتحفيز المالي فرصة ضعيفة في الأماكن التي تشتد فيها الحاجة إليه، ويبدو أن الاحتكاك التجاري مهيأ لمواصلة النمو.
أظهر الاحتياطي الفيدرالي أن باستطاعته تعزيز الأسواق رغم ذلك. ففي أعقاب إقدام البنوك المركزية بقيادة الولايات المتحدة على إحداث تحول سياسي جذري في كانون الثاني (يناير)، عززت عائدات السندات المنخفضة تقييمات الأسهم. لكن هذا يعمل إلى حد معين فقط.
إذا، أو في حال ساء المزاج، قد يكون التأثير شديدا. من الطبيعي أن تحصل الأسهم بصورة شاملة على ضربة كبيرة عندما يتراجع النشاط الاقتصادي، لكن بالنظر إلى الارتفاع الكبير في ديون الشركات على مدار العقد الماضي، يجب أن يكون المستثمرون على علم بأن حساب الديون الذي يلي ذلك سيزيد من حدة الألم.
هذه السلسلة من الإشارات المتضاربة هي السبب في أن أندرو لابثورن وفريق "سوسيتيه جنرال" يقولون إن المستثمرين "يمارسون لعبة خطرة". يبدو "أنهم يتجاهلون احتمال أن يحدث الركود فعليا، بينما يظلون في الوقت نفسه في وضع ضعيف إذا حصلنا بالفعل على بعض الأخبار الاقتصادية الجيدة".
في الوقت الحالي لا تشهد عائدات السندات انخفاضا حادا، في حين لا تزال الأسهم أعلى من أدنى مستوياتها في الصيف وتبقى على مسافة كبيرة من أدنى مستوياتها في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. في المقابل، اختار بعضهم الشراء والاستفادة من تراجع الأسهم بعد صدمة بيانات قطاع الخدمات الأمريكية الأضعف في الأسبوع الماضي. كانت بيانات الوظائف الأمريكية الأخيرة يوم الجمعة متباينة، ما ساعد على الحفاظ على ارتداد الأسهم في نهاية الأسبوع.
هذا يدل على قوة التوقعات بأن الاحتياطي الفيدرالي سيخفف السياسة في وقت لاحق هذا الشهر ويتبع مسار سوق السندات بخفض آخر لأسعار الفائدة في عام 2020.
إلى جانب تلك التخفيضات، التي تقابلها بنوك مركزية أخرى بسياسة طابعها التخفيف، تتطلب استراتيجية منتصف الطريق للمستثمرين بعض الراحة من قوة الدولار، ما يشدد الظروف المالية العالمية.
في الأعوام الأخيرة، ضعف الدولار إلى حد كبير عندما وسع البنك المركزي ميزانيته العمومية. في المقابل، أعقب ذلك ارتفاع الدولار خلال الـ18 شهرا الماضية في الوقت الذي قلص فيه البنك المركزي ميزانيته. باختصار، مزيد من احتياطيات البنوك يعني مزيدا من الدولارات للاقتصاد العالمي، وهذا أمر مهم للغاية بالنسبة لتلك البلدان والبنوك والشركات التي اقترضت بالعملة الأمريكية. الاضطراب الأخير في التمويل الأمريكي قصير الأجل هو مجرد علامة واحدة على أن الطلب على الدولار يصيب النظام المالي بالإجهاد.
ضعف الدولار الناجم عن توسيع الاحتياطي الفيدرالي لميزانيتة العمومية يجلب عددا من الفوائد، فهو يوفر درجة من الارتياح للمصدرين الأمريكيين، ويعوض ضعف أرباح الشركات متعددة الجنسيات المدرجة على مؤشر إس آند بي 500 في عام 2020، وربما يساعد حتى على خفض درجة حرارة الحرب التجارية. التعريفات الجمركية ليست وسيلة ناجعة لمعالجة الدولار القوي، والميزانية العمومية الآخذة في الاتساع هي إحدى وسائل الاحتياطي الفيدرالي لتخفيف الألم الذي يعانيه الاقتصاد الأمريكي من جراء الاحتكاك التجاري والضغط المتزايد في اقتصادات الأسواق الناشئة.
وسط ضجيج السوق وتقلبها المعتاد في تشرين الأول (أكتوبر)، يمكن للمستثمرين الالتزام بمسارهم المتوسط الحالي أو "يمارسون لعبة خطرة" لفترة من الوقت بعد.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES