أخبار

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

وطن يعلو ويسمو

شكلت المملكة الملاذ الآمن للمضطهدين والهاربين من الظلم والتسلط والاستبداد السياسي، وذلك منذ عهد الملك عبدالعزيز حتى الآن، فهي ترحب بكل مستجير ولاجئ، وفق ما تفرضه مبادئها الإسلامية الرفيعة وشيمها العربية النبيلة، مهما كان دينه أو مذهبه أو عرقه أو لونه أو جنسيته. وفي الوقت الذي ضاقت الأرض بما رحبت على جميع أحرار البلاد العربية، من المناضلين ضد الاستعمار، لم يجدوا ملاذا يلتجئون إليه بعد الله إلا المؤسس، الذي لم يكن يعاملهم معاملة لاجئين سياسيين، بل كان يعاملهم معاملة مواطنيه. كما لم تضع المملكة أي عقبات تمنع أي عربي ولا مسلم يرغب في الإقامة والعمل فيها بما يناسبه، ولم تقف في وجه الراغبين في الحصول على الجنسية السعودية، فقد كان يمنحها لأي عربي يطلبها ويفسح له ميادين العمل فيها بما يتلاءم مع كفاءته ومؤهلاته.

الجوار في اللغة: هو أن يعطى الرجل ذمة أي عهدا وميثاقا بالحماية فيكون بها جارا، ومعنى أجاره أي أنقذه وأعاذه، والجار هو الذي أجرته من أن يظلم، وحماية المستجيرين وتأمين اللاجئين سلوك عربي متوارث من صميم الأخلاق العربية الأصيلة منذ فجر التاريخ، تلك المكارم الأخلاقية التي كرسها الدين الإسلامي فجعل حماية المستجير مبدأ يلزم به المسلم القادر الآمن أن يقدم المأوى والمأكل والحماية والمساعدة لكل من لجأ إليه واحتمى به بغض النظر عن جنسه أو لونه أو عقيدته حتى إن كان المستجير من المشركين، كما جاء في قول الله تعالى: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله..." الآية.
وبقدر ما عرف العرب نظام الجوار والتزموا به منذ فجر التاريخ، فإن ما جاءت به المنظمات الدولية الحديثة بمفاهيمها العصرية من قوانين حول حق اللجوء السياسي أو اللجوء الإنساني، لم تضف جديدا إلى مكارم الأخلاق العربية التي جاء الإسلام متمما لها، إلا أن تلك القوانين ليست ملزمة لأي دولة أمانا أو زمانا أو مكانا بقدر تلك التقاليد والشيم العربية النبيلة، التي تجعل الإنسان العربي يضحي بنفسه وما يملك في سبيل حماية المستجير به. وفي مساق الدول الحديثة تكاد تكون السعودية الدولة الوحيدة في العالم التي ما انفكت منذ نشأتها مجيرة للمضيوم، نصيرة للمظلوم، رغم ما تتحمله من أعباء سياسية واقتصادية كبيرة في هذا الشأن، كما عبر عن ذلك الشاعر الشعبي:

وليا تضايق غريب الدار يزبنا
تدمغ له الروس وإن طالت نطمنها
لو هي تلين الجبال الصم ما لنا
على الحقوق ارتكينا في مماكنها

فقد شكلت البلاد السعودية الملاذ الآمن الذي يجد فيه المضطهدون أنفسهم هروبا من الظلم والتسلط أو الاستبداد السياسي، منذ عهد الملك عبدالعزيز حتى اليوم، فهي تقبل كل مستجير بها أو لاجئ إليها وفق ما تفرضه عليها مبادئها الإسلامية الرفيعة وشيمها العربية النبيلة مهما كان دينه أو مذهبه أو عرقه أو لونه أو بلده أو جنسيته، ليس هذا فحسب، بل إنه لفت نظر الباحث تلك الدعوة المفتوحة التي وجهتها الحكومة السعودية في عام 1924 - بينما هي في طور التأسيس ومخاض التوحيد - لكل رجال العرب الأحرار الذين أبت نفوسهم أن يقيموا على ضيم المستعمرين بعد الحرب العالمية الأولى "1914 - 1918"، التي أوقعت معظم الدول العربية تحت نيران الاستعمار الأجنبي، الذي خدعهم وتقاسم بلادهم تحت ظلال اتفاقية سايكس بيكو السرية عام 1916، تلك الاتفاقية التي تحطمت على صخرتها أحلام العروبة وأمجادها وسلبت إرادتها ومكتسباتها، إذ نشرت حكومة نجد وملحقاتها بلاغا موجها إلى العالم الإسلامي والشعب العربي مما جاء فيه:
"أيها الشعب العربي الكريم، إن نجدا قد حافظت على استقلالها في جاهليتها وإسلامها ولم يدنس أرضها قدم أجنبي مغتصب، وستبقى محافظة على حقها - إن شاء الله - ما بقي في شعبها عرق ينبض. إن نجدا تمد يدها لكل من يريد خير العرب ويسعى لاستقلال العرب، وتساعد كل من ينهض لتحرير العرب واتحاد العرب. إن نجدا ترحب بكل عربي أبي وتعد أرضها وطنا لكل عربي سوري أو عراقي أو حجازي أو مصري...".
دفع هذا البلاغ - الذي لفت أنظار دول الاستعمار - طلائعا من رجالات العرب إلى عمق الجزيرة العربية، إلى أرض العرب المستقلة، إلى بلاد نجد تحت ظلال ابن سعود، الذي ما لبث بعد هذا النداء شهورا إلا وتولى على الحجاز وضمه إلى دولته الناشئة، فالتحق بخدمته من التحق من أهل الشام والعراق ومن مصر ومن ليبيا، ثم ما لبث أن طوى معظم الجزيرة العربية تحت سلطانه، فكان بلاطه مركز الجذب، وكانت دولته محط الأنظار، فتوافد إليه رجال العرب من كل صوب.
ويؤكد فهد المارك، أن جميع أحرار البلاد العربية المناضلين ضد الاستعمار بعد الحرب العالمية الأولى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت لم يجدوا في ذلك الوقت ملاذا يلتجؤون إليه - بعد الله - إلا ابن سعود، الذي لم يكن يعاملهم معاملة اللاجئين السياسيين المتوقفة على الإكرام والحماية، بل يعاملهم معاملة مواطنيه.
كما أنه لم يضع في بلاده عقبات تمنع أي عربي ولا أي مسلم يرغب في الإقامة والعمل فيما يناسبه، ولم يضع عراقيل دون الراغبين في الحصول على الجنسية السعودية؛ فقد كان يمنحها لأي عربي يطلبها ويفسح له ميادين العمل فيما يتلاءم وكفاءته ومؤهلاته وميوله.
ولسنا هنا بصدد إحصاء أعداد اللاجئين السياسيين أو توثيق أسمائهم، لكن سنرصد في هذه المناسبة الوطنية المواقف التاريخية الأبرز في هذا السياق، خاصة تلك التي ارتبطت بمقاومة الاستعمار أو الاضطهاد السياسي أو الاجتياح العسكري، مع العلم أن تلك المواقف لم تتوقف على لجوء الشخصيات، بل امتدت إلى لجوء القيادات السياسية والحكومات الشرعية، وكذلك الشعوب والقبائل والجماعات، وسيلحظ القارئ انفتاح هذه البلاد وقادتها وحكوماتها وترحيبها بكل من قصدها من الفئات والجنسيات كافة، بل والمذاهب الدينية المختلفة، إذ لم تفرق في هذا الشأن بين السنة والشيعة والدروز والزيدية والإباضية والصوفية، فكلهم تمتعوا بحمايتها ورعايتها ونصرتها، لأن القيم الإنسانية لديها فوق كل اعتبار.

عشيرة الدواسر 1923
استقر بعض الدواسر في البحرين منذ القدم بسبب علاقتهم التاريخية الوثيقة بآل خليفة، فسكنوا منطقة البدع وعمروها واشتغلوا بأعمال الغوص وبالزراعة والتجارة، وكان لنشاطهم أثر في ازدهار الحياة الاقتصادية في البحرين ونالوا رضا حكامها الذين وجدوهم مواطنين مخلصين ومنتجين عاملين، وهو ما أهلهم للحصول على امتيازات كثيرة. وفي مستهل عشرينيات القرن السابق، قامت في البحرين بعض الحركات الوطنية لمقاومة الممارسات التعسفية التي فرضتها بريطانيا على السكان بحكم وقوع البحرين تحت حمايتها على يد المستشار ديلي، وأهمها عزل الشيخ عيسى آل خليفة. عارض الدواسر تلك التدخلات الاستعمارية السافرة في الشأن البحريني الداخلي في سياق ولائهم لآل خليفة، فتعرضوا لضغوط أجبرتهم على النزوح من البحرين خوفا على أنفسهم من الحكومة البريطانية المهيمنة على الخليج آنذاك، مضحين بكل ممتلكاتهم ومكتسباتهم في البحرين، ولم يجدوا من ملجأ يلجأون إليه - بعد الله - إلا حمى الملك العربي المستقل ليحتموا به من الهيمنة البريطانية، فطلبوا من الملك عبدالعزيز اللجوء إلى بلاده في عام 1923، فوجدوا الترحيب والمأمن والدعم والرعاية، وسمح لهم بالنزول في المكان الذي يختارونه، فاستقروا في موضع مدينة الدمام وعمروها، إذ بنوا هناك بعض الأكواخ وكونوا قرية صغيرة تابعة لمدينة القطيف، ولم يكن للدمام ذكر قبل نزولهم. وهذا الإيواء والنصرة من قبل الملك عبدالعزيز لعشيرة الدواسر أغضب البريطانيين وطلبوا منه نقلهم من الدمام إلى الجبيل، كي يبعدوهم عن البحرين مسافة أكثر، متذرعين ببعض الحجج الواهية، لكنه لم يستجب لتلك المطالب.
ما لبث الملك عبدالعزيز داعما للدواسر في استرجاع حقوقهم وأملاكهم، التي تمت مصادرتها في البحرين حتى تم استرجاعها بعد أعوام، ومنهم من عاد إلى البحرين لاحقا بينما استقر أغلبهم في السعودية بشكل نهائي.

السيد أحمد الشريف السنوسي 1924
السيد أحمد السنوسي، زعيم وطني ليبي، وأحد القادة المجاهدين ضد الاستعمار الغربي عموما والإيطالي خصوصا، وكان قد تزعم الحركة السنوسية الصوفية في ليبيا خلفا لعمه السيد محمد المهدي السنوسي عام 1902 ثم تنازل عنها لابن عمه في عام 1916، ونفاه الأتراك من ليبيا عام 1918، فأقام في تركيا حتى تغيرت الأوضاع بانقلاب مصطفى كمال أتاتورك وإلغاء الدولة العثمانية عام 1924؛ إذ لم يلبث وجيزا حتى أبلغ بأنه لا مكان له في دولة أتاتورك العلمانية، وطلب منه المغادرة خلال عشرة أيام، فخرج إلى الشام وزار فلسطين، فطلب منه البريطانيون المغادرة بأسرع وقت، ليعود إلى دمشق، وما لبث حتى طلب منه الفرنسيون المغادرة، فطلب من القنصل البريطاني التصريح له بالسفر إلى أي مكان، لكنه رفض منحه تصريحا بالسفر لأي مكان فيه للحكومة البريطانية نفوذ، فلما ضاقت عليه الأرض بما رحبت لم يجد أرضا حرة لا هيمنة للاستعمار عليها إلا أرض ابن سعود، فتوجه إليها مسرعا بالسيارة في آخر عام 1924. ومع أنه كان يعلم أن الملك عبدالعزيز كان في حالة حرب مع الأشراف في الحجاز، لكنه لم يجد من يلجأ إليه - بعد الله - غيره، فوجد كل الحفاوة والترحيب منذ دخوله الحدود السعودية أولا في الجوف ثم في حائل وأخيرا في مكة المكرمة، لينتقل منها إلى معسكر الملك عبدالعزيز في "الرغامة" أثناء حصار جدة، وذلك في أول عام 1925، فوجد حسن الاستقبال ورحابة الصدر وكرم الضيافة التي لم تؤثر فيها ضغوط الحرب، ليتخذ السنوسي بعد ذلك من الحجاز مقاما يعيش فيه تحت ظلال الدولة حرا عزيزا آمنا مطمئنا، يتلقى كل الرعاية والاهتمام في كنف الملك عبدالعزيز ويجتمع شمله مع أفراد أسرته الذين قدموا من ليبيا، فيقيم في البلاد السعودية حتى وفاته في المدينة المنورة عام 1933 ليدفن في البقيع.

الثوار السوريون 1927
عندما قامت الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي عام 1925، لقيت كل العناية والاهتمام من الملك عبدالعزيز، وكان متابعا لأحداثها، رغم انشغاله الشديد في تلك الفترة بمجريات توحيد البلاد، ولم يأل جهدا في دعمها ومساندتها وفق ما تقتضيه الظروف السياسية والإمكانات الاقتصادية في تلك الفترة التاريخية الحرجة. وفي النهاية وبعد عامين من المقاومة المسلحة، أدى تضييق الفرنسيين وضغطهم على قوات الثورة في عام 1927 إلى اضطرار المجموعات الثورية وقياداتها، وعلى رأسها سلطان الأطرش وعادل أرسلان، إلى الخروج من الأراضي السورية واللجوء في بادئ الأمر إلى شرق الأردن، لكن السلطات البريطانية ضيقت عليهم لتجبرهم على الاستسلام للفرنسيين، لدرجة أنها منعتهم من ورود الماء في عز الصيف دون أي وازع إنساني، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت وكادوا أن يهلكوا لولا الله ثم استنجادهم بالملك عبدالعزيز، الذي وافق على الفور بقبولهم في بلاده لاجئين سياسيين، حيث جاءت برقيته عاجلة: "أن ادخلوا على الرحب والسعة"، فدخلوا الحدود السعودية وأقاموا في منطقة القريات، وتحديدا في موضع يسمى "النبك" أعواما طويلة آمنين مطمئنين، وتلقوا من لدن الحكومة السعودية التسهيلات والمساعدات كافة، مرددين:

يا دِيْرَتي مَالِكْ عَلِيْنا لُومْ
لا تِعْتَبِيْ لُوْمِكْ عَلَى مَنْ خَانْ
حِنَا رِوِيْنا سْيُوفِنَا مْنِ القُومْ
مِثلِ العَدُوْ مَا نرْخَصِكْ باثْمَانْ

قال الأمير شكيب أرسلان: "ولما أنذر الإنجليز، الثوار السوريين بمغادرة الأزرق أو يستسلموا إلى الفرنسيين، اضطر نحو ألف نسمة إلى الاستسلام؛ لكن شقيقي عادل وسلطان باشا الأطرش، وغيرهما من القواد أبوا الاستسلام وقالوا للإنجليز: "نحن قاصدون إلى أرض ابن سعود، فليس لكم أن تلحقونا إلى هناك، وليس لكم في أرض ابن سعود أدنى يد علينا"، فساروا إلى وادي السرحان وانتجعوا واحة النبك وتفيأوا في ظلال تلك الراية العربية الحقيقية، وكانوا نحو 1500 نسمة، ولولا ظل الملك عبدالعزيز لما قدروا أن يستقروا في مكان ولضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فلا يقدرون أن يدخلوا سورية إلا إذا طلبوا الأمان من الفرنسيين، ولا فلسطين ولا شرق الأردن ولا العراق تقدر أن تقبلهم، وليس لهم سبيل إلى اليمن، فكانت لهم واحة أمان وراحة واطمئنان في وادي السرحان لا يقدرون أن يصيبوها في أي محل مكان. وهنا ظهرت شهامة الملك عبدالعزيز في إصراره على الاحتفاظ بهذه الأماكن المصاقبة للديار الشامية". وظل هؤلاء الثوار في كنفه، رغم ما واجهه من معضلات بسبب وجودهم في منطقة حدودية ساخنة إلى عام 1937، حيث غادروها باختيارهم بعد توقيع المعاهدة السورية - الفرنسية عام 1936.

الجنود الإيطاليون والألمان 1941
لجأ إلى سواحل السعودية أثناء الحرب العالمية الثانية "1939 - 1945" مجموعة كبيرة من البحارة والمحاربين الإيطاليين والألمان الذين يفوق عددهم الـ900 على أثر معركة حربية بحرية في مياه البحر الأحمر، وبادرت الحكومة السعودية بإسعافهم في اليوم الثامن من شهر ربيع الأول 1360هـ، وقامت بواجبها الإنساني تجاههم خير قيام، رغم صعوبة الظروف في تلك الفترة، حيث أقيم لهم مخيم خاص على جزيرتين، وسعت الحكومة إلى توفير جميع المستلزمات الضرورية لهم، وتم معاملتهم معاملة حسنة تتوافق مع ما نصت عليه معاهدة جنيف، متجاوزة الظروف السياسية والاقتصادية الشاقة، بشهادة مندوب الصليب الأحمر الذي زار اللاجئين في جدة واطلع على أوضاعهم في آذار (مارس) 1942، وكتب تقريرا شكر فيه الحكومة السعودية على حرصها واهتمامها، مع العلم أن هؤلاء اللاجئين ظلوا في جدة تحت رعاية الحكومة السعودية نحو عامين.

رشيد عالي الكيلاني 1945
رشيد عالي الكيلاني، من رجال السياسة المعروفين في العراق، تولى رئاسة الوزارء العراقية أربع مرات، أولها سنة 1930، وخلال الحرب العالمية الثانية عام 1941، قام بحركته الشهيرة ضد الإنجليز في العراق بصفته رئيسا لحكومة الدفاع الوطني التي تم تشكيلها آنذاك، فأرسل وفدا إلى الملك عبدالعزيز في الرياض برئاسة ناجي السويدي، فلم يرتح الملك عبدالعزيز لحركتهم في ذلك الوقت العصيب، لأن العراق لم يكن في وضع يمكنه محاربة الإنجليز، وطلب منهم التريث وعدم التعجل، لكنهم تعجلوا فحلت الكارثة، وتغلب الإنجليز على البلاد، ففر رشيد الكيلاني إلى ألمانيا وصدر ضده في العراق حكم غيابي بالإعدام، فلما انقضت الحرب قصد فرنسا متخفيا بجواز مزور، ومنها إلى بيروت ثم دمشق فالرياض. ورغم أن رشيد عندما كان رئيسا لحكومة العراق عام 1933 رفض تسليم بعض اللاجئين للعراق عندما طلب الملك عبدالعزيز تسليمهم، إلا أنه يعلم علم اليقين أن الأبواب جميعا أغلقت في وجهه ولم يبق إلا نخوة الملك عبدالعزيز وشهامته، فدخل على الملك عبدالعزيز في أحد مساجد الرياض وهو يصلي الصبح مستعدا للسفر إلى الحجاز، وعرفه بنفسه طالبا اللجوء! فاستعان الملك بالله، وقال كلمته المشهورة: "سلمت يا رشيد"، وأبقاه في رعاية ولي عهده وذهب إلى الحجاز، وبعد عشرة أيام أعلن وجوده، فأخبر السفير البريطاني بذلك، وأبرق من هناك إلى الأمير عبدالإله الوصي على العرش يخبره ويطلب العفو عنه، كما أبرق إلى فاروق وغيره، فاصطدم الملك عبدالعزيز بإصرار البريطانيين على إبعاد رشيد أو تسليمه إلى حكومة العراق بسبب وجود معاهدات بين الدولتين لتسليم اللاجئين، وثارت بسبب ذلك أزمة سياسية كبيرة، ثم دارت مفاوضات ومناقشات بين الحكومتين السعودية والعراقية لم يتحول فيها عبدالعزيز عن حماية المستجير به، التزاما بالتقاليد والشيم العربية الأصيلة، لدرجة أن عرض عليهم أن يأخذوا أحد أبنائه مكانه، إشارة إلى أنه لن يتزحزح عن موقفه. وظل رشيد الكيلاني آمنا مطمئنا يعيش في كنف الملك عبدالعزيز صاحب الشهامة والنخوة، الذي أدخله في زمرة مستشاريه، وبعد وفاة الملك عام 1373هـ، غادر الكيلاني إلى القاهرة باختياره - كما أشار إلى ذلك خير الدين الزركلي - وأصبح لجوء رشيد الكيلاني للملك عبدالعزيز وحمايته له مضربا للمثل في الأدب الشعبي بصيغة شهيرة هي "زبنة رشيد"، كما قال الشاعر منصور المفقاعي:

ليت من ينهبه يا سعود هاك الغزال
ثم يزبن عليكم مثل "زبنة رشيد"

الزعيم أديب الشيشكلي 1957
بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية والسياسية، وصل العقيد الشيشكلي إلى رئاسة الجمهورية السورية بموجب الاستفتاء في العاشر من آب (أغسطس) 1953، ليعلن دستورا جديدا للبلاد انتخب بموجبه رئيسا، لكن ما لبث طويلا حتى بدأ الانقلاب عليه، ورغم أنه أعلن استقالته إلا أنه خاف على نفسه واضطر إلى مغادرة بلاده في 25 فبراير 1954 إلى لبنان طلبا للنجاة، لكنه لم يطمئن على حياته حتى غادرها بعد أيام قليلة، إذ تقدم بطلب اللجوء السياسي إلى السعودية، حيث تم قبوله طبقا للتقاليد العربية النبيلة، فوجد الأمان ونشرت الحكومة بلاغا رسميا بهذا الشأن، مؤكدة أن الموقف من سورية وسائر الدول العربية هو موقف الصديق الشقيق. وتشير بعض المصادر إلى أنه ظل لاجئا سياسيا مستقرا فيها يلقى كل الحفاوة حتى عام 1957، إذ غادر باختياره إلى فرنسا ثم إلى البرازيل، وهناك اغتاله شاب درزي في 27 سبتمبر 1964، مع العلم أنه ظل بعد مغادرته يحمل الجواز السعودي حتى عام 1960.

الأسرة الهاشمية في العراق 1958
أدت ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 التي قادها عدد من الضباط العسكريين على رأسهم عبدالسلام عارف وعبدالكريم قاسم، إلى نهاية الحكم الملكي في العراق من خلال تصفية الملك فيصل الثاني وأفراد أسرته بما يسمى "مجزرة قصر الرحاب"، فيما تروي وريثة العروش الشريفة بديعة بنت الملك علي بن الحسين، وهي خالة الملك فيصل الثاني، في مذكراتها أنها لم تجد ملجأ تلوذ به لتنجو وتأمن من القتل إلا السفارة السعودية في بغداد، فتوجهت إليها مع زوجها الشريف الحسين بن علي بن عبدالله وأبنائها الثلاثة، رغم صعوبة ذلك على نفسها كون السعوديين هم من أنهى حكم جدها ووالدها في الحجاز، لكن لم يكن هناك مفر لمعرفتهم بالتقاليد العربية النبيلة التي يتصف بها آل سعود، ليتلقى السفير السعودي في بغداد تعليمات مباشرة من الملك سعود بأنهم "أمانة في رقبته" باعتبارهم لاجئين سياسيين وعليه الحفاظ على سلامتهم وتأمين خروجهم من العراق بالتفاهم مع الحكومة العراقية. فمكثوا مقيمين في مقر السفارة معززين مكرمين تحت حماية الدولة السعودية لمدة شهر تقريبا حتى تم تأمين طائرة نقلتهم إلى القاهرة ومنها إلى سويسرا، وتم منحهم جوازات سعودية تسهل أسفارهم وتنقلاتهم ليستقروا أخيرا في بريطانيا.

إمام عمان غالب بن علي الهنائي 1959
كان الإمام غالب آخر أئمة عمان، قد بويع بالإمامة في عام 1954 بعد وفاة الإمام الخليلي، لكن اندلاع حرب عنيفة كان ميدانها الجبل الأخضر عام 1957 بين قوات الإمامة وبين قوات السلطنة المدعومة من بريطانيا، أدى في النهاية إلى خروجه من عمان في عام 1959 ولجوئه السياسي إلى السعودية مع كثير من أتباعه ومرافقيه، حيث استقر في الدمام وأسس حكومة في المنفى تمارس النشاط السياسي للمطالبة بشرعية الإمامة والاعتراف بها للانضمام إلى جامعة الدول العربية وتصعيد ما سمي لاحقا "قضية عمان" إلى جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، واستمرت هذه الجهود حتى استطاع السلطان قابوس بن سعيد توحيد عمان تحت قيادته في مطلع سبعينيات القرن المنصرم. ليقضي الإمام غالب بقية حياته في مدينة الدمام لاجئا سياسيا معززا مكرما هو وجميع أفراد أسرته حتى وفاته في 29 نوفمبر 2009 بعد معاناة مع المرض والشيخوخة.

الإمام محمد البدر وأسرة حميد الدين 1962
على أثر قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 في اليمن على يد عبدالله السلال ضد آخر حكام المملكة المتوكلية الإمام محمد البدر بن أحمد بن يحيى حميد الدين، عندما أطلقت الدبابات نيرانها على مقر إقامة الإمام البدر "قصر البشائر" في صنعاء، لم يجد هذا الإمام ملجأ لمحاولة استعادة شرعيته إلا السعودية، حيث اتجه إلى حدودها فتم إيواؤه وأفراد أسرته كافة، وتأمينهم من القتل، ثم تلقى المساندة والدعم وبدأ في حشد قواته منطلقا من الحدود السعودية التي جعلها قاعدة له، وظل يحارب سبعة أعوام في مقاومة تلك الثورة المدعومة من الرئيس المصري جمال عبدالناصر.
ومع دعم السعودية للإمام البدر، فإنها بذلت جهودا سياسية كبيرة لحل القضية اليمنية وإيقاف الحرب الأهلية، سواء مع الحكومة المصرية أو مع الأطراف اليمنية من خلال جامعة الدول العربية، واجتماع جدة 1965، ومؤتمر الطائف في أغسطس 1965، ومؤتمر حرض في نوفمبر 1965، واتفاقية الخرطوم 1967، ولجنة السلام العربية في أكتوبر 1967 وغيرها. في النهاية وبعد انسحاب القوات المصرية من اليمن وعجز الإمام البدر عن تحقيق أي تقدم في الميدان العسكري، لجأ بشكل نهائي إلى السعودية عام 1969 وتبعه جميع أمراء أسرة حميد الدين. وبينما غادر الإمام البدر إلى بريطانيا واستقر فيها حتى وفاته في لندن في السادس من أغسطس 1996 لينقل جثمانه إلى المدينة المنورة ويدفن فيها، فإن أسرة حميد الدين الكبيرة منحت اللجوء السياسي، فأقام أفرادها في الأراضي السعودية يجدون كل الحفاوة والرعاية والاهتمام من قبل الحكومة، ومنحوا الحرية التامة. ومع اختيار بعض أفراد الأسرة مغادرة البلاد السعودية في وقت لاحق، فإن معظمهم استقروا فيها وحصلوا على الجنسية السعودية.
ومن المفارقات التاريخية، أن منطلقات موقف الملكين سعود وفيصل أبناء الملك عبد العزيز في دعم الإمام البدر بن أحمد، لا تختلف عن منطلقات موقف والدهما الملك عبدالعزيز مع الإمام أحمد والد البدر عندما اغتيل الإمام يحيى عام 1948 وأعلن عبدالله الوزير إماما دستوريا وتم الاستيلاء على صنعاء وأعلن الجيش تأييده لابن الوزير، بينما كان أحمد ولي العهد آنذاك في مدينة تعز، فما كان منه إلا الاستنجاد بالملك عبدالعزيز، مثيرا نخوته ببيت الشعر المشهور:

فإن كنت مأكولا فكن أنت آكلي
وإلا فأدركني ولما أمزق

فاستجاب الملك عبدالعزيز لنجدته مقويا عزمه بقوله: "عش كريما أو مت شجاعا"، وأعلن دعمه له وتأييده لاستعادة شرعيته وعدم اعترافه بابن الوزير. وما لبث أحمد أن أعلن نفسه إماما من مدينة حجة ثم استجمع قواته وحاصر صنعاء واستعاد الحكم والسلطة في أقل من شهر، ولم تسمح أخلاق الملك عبدالعزيز السامية باستغلال الموقف للانتقام من أحمد بن يحيى الذي كان متهما بتدبير مؤامرة اغتيال الملك عبدالعزيز في الحرم المكي في عام 1935.
لذا، فلم يكن موقف السعودية الأخير في دعم الشرعية في اليمن عام 2015 بعد الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران بعد لجوء رئيس الجمهورية اليمنية الرئيس عبد ربه منصور هادي إليها واستعانته بها، أمرا مستغربا لقارئ التاريخ الذي يعرف مواقف السعودية ونخوة قادتها في حماية المستجير ونصرة المظلوم ونجدة الملهوف على مدى تاريخها المجيد، امتثالا لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف والتزاما بالتقاليد العربية الأصيلة. تلك الخصائص التي لم تكن لتخفى على الرئيس اليمني الذي اختارها دون غيرها لحمايته ومساندته ودعم حكومته لاستعادة الشرعية، بينما أطلقت السعودية "عاصفة الحزم" العسكرية، واستضافت قيادة اليمن وحكومتها وكثيرا من اليمنيين اللاجئين إليها هربا من الحوثيين، وما زالت منذ ذلك الحين تبذل قصارى جهدها ودعمها السياسي والعسكري والاقتصادي في سبيل استعادة الشرعية.

الكويت قيادة وحكومة وشعبا 1990
في يوم الخميس الثاني من آب (أغسطس) 1990، كانت مفاجأة غزو الرئيس العراقي صدام حسين للكويت، تلك الفاجعة التي هزت مشاعر العالم، حيث اتجهت القيادة الكويتية ممثلة في أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح وولي عهده الشيخ سعد العبدالله الصباح مباشرة إلى الحدود السعودية بواسطة السيارات، ولم يأمنوا على أنفسهم إلا عند وصولهم إلى الخفجي، إذ علموا أنه لا مأمن لهم في تلك اللحظات الخطيرة إلا تحت ظلال الراية السعودية، لتستقر الحكومة الكويتية الشرعية في المنطقة الشرقية أولا ثم تنتقل إلى الطائف، ليكون مقرها المؤقت بدعم لا محدود من الحكومة السعودية على جميع المستويات، وفتحت الحدود السعودية لإيواء الشعب الكويتي ونصرته وتسخير الإمكانات كافة للترحيب به ورعايته، وبدأت الدبلوماسية السعودية مباشرة في التحرك بقوة لإدانة العدوان على الكويت والمطالبة بانسحاب العراق فورا على الرغم من تلكؤ بعض الدول العربية التي كانت مؤيدة للغزو! ليتخذ الملك فهد بعد ذلك قراره التاريخي الحاسم بالموافقة على الاستعانة بالقوات الأجنبية بمشاركة القوات العربية، لتكون الأراضي السعودية قاعدة ومنطلقا لتحرير الكويت بالقوة العسكرية، بل إن الأمر لم يقف عند هذا الحد، ووصلت درجة الحمية العربية عنفوانها عند الملك فهد حين ربط مصير السعودية بمصير الكويت، إذ قال مقالته المشهورة التي تعبر عن هذا الموقف التاريخي الخالد والشعور الإنساني النبيل أصدق تعبير: "الحقيقة أن الحياة والموت تساوت عندنا واحد واحد، بعدما احتلت الكويت وبعدما شفت بعيني وش اللي عمل في الشعب الكويتي، ما عاد فيه كويت ولا سعودية، فيه بلد واحد، يا نعيش سوا يا ننتهي سوا، هذا القرار اللي اتخذته أنا ولا فيه أي سعودي إلا واتفق معي على نفس القرار، يا تبقى الكويت والسعودية يا تنتهي الكويت والسعودية، لا يمكن تنتهي وحدة وتبقي الثانية"، كما عبر عن ذلك الشاعر خلف بن هذال:

يا شيـخ جابر لك الله ما تهاونـا
الفهد يكد لك العودة ويضمنها
يا شيخ والله زعلك اليوم مزعلنا
والمهزلة والمهونة ما نواطنها
ابشر بنصرٍ يشيد فوق ويبنا
بأيدي رجالٍ محكحكةٍ معادنها
ترجع لدارك وهذي من صمايلنا
خطوة وسطوة وتاريخٍ يدونها
ما دام معك الفهد لا يلحقك ظنا
بشاية الله كويتك لزم تسكنها
ولقصر دسمان تجلس به وتتهنا
لا بد من فرحةٍ تطفي غباينها

لتبدأ عمليات "عاصفة الصحراء" لتحرير الكويت في صباح يوم الـ16 من يناير 1991، وفي صباح الأربعاء 27 فبراير 1991 اكتمل تحرير الكويت بهروب القوات العراقية، وتم رفع العلم الكويتي خطوة أولى نحو إعلان إعادة السلطة للشرعية الكويتية ثم عودة أمير الكويت إلى بلاده يوم 14 مارس 1991، ليصدح شاعر الوطن خلف بن هذال العتيبي مرة أخرى على لسان الملك فهد مخاطبا الكويت:

زبنتي يا بعد روحي زبنتي
صحيح إن كنت أو ما كنت كنتي
على الحساد جري ما لبستي
بعد عيني وقرة عيني أنتي
أضمك من ضلوعي في ضلوعي
ومن قلبي على قلبي سكنتي

وللتاريخ، لم يكن هذا الموقف من السعودية لنصرة الكويت هو الموقف الأول، فسبق أن استنجد الشيخ أحمد الجابر بالملك عبدالعزيز في عام 1939 عندما أعلن ملك العراق الملك غازي بن فيصل عبر إذاعة بغداد أن الكويت قسم من العراق، فخاطب الملك عبدالعزيز الحكومة البريطانية المهيمنة على العراق آنذاك بأنه إذا لم يتراجع الملك غازي عن تهديده للكويت ويعلن ذلك عبر الإذاعة نفسها، فإنه سيوجه القوات السعودية لنجدة الشيخ أحمد الجابر فورا، ولما كان البريطانيون يدركون أن الملك عبدالعزيز إذا قال فعل، أوعزوا للملك غازي بالتراجع، فسحب تهديده بسرعة.
كما تكرر تهديد العراق للكويت أيضا في عام 1961 بعد إعلان استقلال الكويت، حينما طالب عبدالكريم قاسم بضم الكويت، فطلب الشيخ عبدالله السالم الصباح من الملك سعود المؤازرة والسند في الدفاع عن استقلال بلاده، فأعلن الملك سعود فورا ودون تردد أنه مع الكويت في الضراء والسراء واستعداده لمجابهة أي خطر يواجهه الكويت، وصرح قائلا: "يجب أن يكون معلوما عند الجميع أن الكويت والمملكة العربية السعودية بلد واحد، وما يمس الكويت يمس المملكة العربية السعودية، وما يمس المملكة العربية السعودية يمس الكويت"، وبذلت الحكومة السعودية جهودها السياسية ودعمها الكامل للاعتراف باستقلال الكويت وكبح جماح العراق، كما رابطت في الكويت قوات عسكرية سعودية لم تسحب إلا في عام 1963.

أبناء جنوب العراق 1991
قام أبناء جنوب العراق بعد انتهاء حرب تحرير الكويت عام 1991 بانتفاضة شعبية عارمة سميت "الشعبانية" ضد نظام صدام حسين، الذي تمكن من إخماد هذه الانتفاضة بالقوة العسكرية وعمل على قمع المشاركين فيها بأساليبه الاستبدادية الوحشية الغاشمة، فما كان لأولئك العراقيين العزل المغلوبين على أمرهم إلا البحث عن ملاذ يأمنون به على أنفسهم وأهليهم، ولم يكن هذا الملاذ إلا أراضي السعودية. وعلى الرغم من العداء المستحكم بين السعودية والعراق بعد غزو الكويت في تلك الفترة؛ وعلى الرغم من كونهم بشكل عام يتمذهبون بالمذهب الشيعي الذي كان كثير من معمميه يحضون الجماهير على كراهية السعودية وعداوتها، إلا أن ثقة أولئك بالنخوة العربية والشهامة الإنسانية التي يتميز بها قادة هذه البلاد وحكومتها وشعبها، كانت في اللحظات التاريخية الحاسمة أكبر من كل أوهام الأدلجة والتحريض، فلجأوا إليها زرافات ووحدانا، ففتحت لهم الحدود واستقبلتهم الحكومة السعودية بكل ترحاب، فتسارع توافدهم يوما بعد يوم حتى تجاوزوا في النهاية 30 ألف لاجئ، وما أن حلوا في الأراضي السعودية حتى أخذت الحكومة على عاتقها توفير جميع ما يحتاجون إليه من مأوى ومأكل ومشرب وكساء وخدمات صحية وتعليمية ومخصصات مالية راتبة لكل صغير أو كبير، ذكرا كان أو أنثى. ثم قامت بإنشاء "مخيم رفحاء" لإيواء جميع اللاجئين العراقيين "20 كيلومترا شمال رفحاء"، ووفرت لهم فيه جميع الخدمات الحياتية مجانا، ويعد من أرقى المخيمات في العالم بشهادة جميع المفوضين الساميين لرعاية شؤون اللاجئين التابعين للأمم المتحدة وعديد من المنظمات الدولية، الذين تعاقبوا على زيارة المخيم خلال أعوام وجوده. وقد وصف لورد لوبيرز، المفوض السامي لهيئة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عندما زار المخيم في مطلع شهر آب (أغسطس) عام 2003، أنه أفضل مخيم للاجئين في العالم، وشبهه بفندق سبع نجوم مقارنة بالمخيمات الأخرى في العالم، منوها بما تقوم به المملكة على صعيد دعم القضايا الإنسانية في أنحاء العالم. استمر هذا المخيم يؤدي خدماته لمدة 19 عاما حتى مغادرة آخر اللاجئين العراقيين في آخر عام 2008 إلى بلادهم، فتم إغلاقه.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار