FINANCIAL TIMES

لماذا ضخ «الفيدرالي الأمريكي» السيولة في النظام المصرفي؟

لماذا ضخ «الفيدرالي الأمريكي» السيولة في النظام المصرفي؟

ضربت عاصفة مثالية هذا الأسبوع أحد أكثر مصادر تشحيم الأسواق المالية، ما أثار المخاوف من أن محاولة مجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأمريكي"، تفادي التدخل في فترة ما بعد الأزمة المالية في العقد الماضي، قد تجاوزت الحد.
اتفاقيات إعادة الشراء "الريبو" هي الشحوم التي تحافظ على دوران عجلة النظام المالي، ما يسمح لمختلف المشاركين في السوق بالاقتراض والإقراض من بعضهم بعضا لتغطية الاحتياجات النقدية قصيرة الأجل على وجه الخصوص (مثل الإقراض عشية أو لليلة واحدة).
من الناحية العملية تعد اتفاقيات إعادة الشراء عبارة عن قروض قصيرة الأجل تقدمها المصارف والمستثمرون لبعضهم بعضا حيث يتم تبادل المال النقدي مقابل ضمانات، غالبا ما تكون لليلة واحدة.
في يوم الثلاثاء الماضي، توقفت العجلات عن الدوران، فقد ارتفع ما يسمى سعر فائدة الريبو (سعر فائدة اتفاقية إعادة الشراء) إلى 10 في المائة، بينما كان كان يجري التداول عادة بما يتماشى مع معدل فائدة مجلس الاحتياطي الفيدرالي المستهدف، الذي يراوح بين 2 و2.25 في المائة.
من هنا اضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك "الذراع التجارية للمجلس" إلى التدخل لاستعادة النظام.
على أن التساؤل ما زال يدور حول ما الذي يحدث بالضبط؟ تكمن الإجابة في أن كلا من القضايا الخاصة قصيرة الأجل، والتغيرات الهيكلية الكبيرة في الأسواق المالية التي حدثت في الأعوام الأخيرة، بالتزامن مع إلغاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي لعمليات الشراء الضخمة للسندات لدعم الاقتصاد بعد الأزمة المالية، أي ما سمي بسياسات "التسهيل الكمي".

لم التدخل الآن بالضبط؟
يوم استحقاق الضريبة على الشركات في الولايات المتحدة يحل في الـ15 من أيلول (سبتمبر) سنويا كما جرت العادة.
لذا تستعد بعض الشركات لذلك الحدث من خلال جمع الأموال التي تحتاج إليها، ووضعها في صناديق أسواق المال – استثمارات قصيرة الأجل تستخدم سوق الريبو لإقراض المال النقدي لفترة وجيزة وتحقيق عوائد قليلة.
اليوم بعد أن مر يوم الضريبة عادت تلك الشركات نفسها إلى سحب تلك الأموال من السوق، الأمر الذي أدى إلى تقليل المعروض من السيولة النقدية، أي الدولار في السوق.
وفي الوقت نفسه، تدفق ما تبلغ قيمته نحو 54 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية إلى السوق بسبب تسوية مجموعة كبيرة من الديون التي سبق بيعها في المزاد.
هكذا وضع أدى إلى إيجاد هذه الموجة "الرهيبة" من طلب الأشخاص الذين يرغبون في اقتراض المال لتمويل مشترياتهم من سندات الخزانة المذكورة.
بعبارة بسيطة بلغ الطلب على النقد ذروته، في الوقت الذي كان فيه المعروض النقدي في أدنى مستوياته.

تصدع سوق الريبو
يقول المحللون إن هذين الأمرين وحدهما لا ينبغي أن يتسببا في حدوث التصدعات العميقة التي شهدناها هذا الأسبوع، في سوق الريبو.
القضية الأساسية تعد قضية هيكلية بشكل أكثر.
في الواقع، كان مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد عمد إلى تقليص حجم ميزانيته العمومية، ما أدى إلى انخفاض سندات الخزانة الأمريكية وسندات القروض العقارية التي اشتراها في أعقاب الأزمة المالية.
وفي ظل ذلك تراجع بالتالي حجم الاحتياطيات النقدية التي تحتفظ بها المصارف التجارية لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
في عام 2014 كانت المصارف التجارية محتفظة بنحو 2.9 تريليون دولار في صورة "احتياطيات فائضة" لدى "البنك المركزي الأمريكي".
منذ ذلك الحين انخفض ذلك الرقم إلى نحو 1.3 تريليون دولار، وهو الرقم الذي كان يتأرجح عنده إجمالي قيمة الاحتياطيات طوال الصيف.
إن الاحتياطيات النقدية الأقل تعني إتاحة أموال أقل في المصارف التجارية لتغطية ضغوط التمويل قصيرة الأجل.
قال جون هيل خبير استراتيجي في أسعار الفائدة لدى "بي إم أو كابيتال ماركتس": "كانت لدينا مدفوعات ضريبية في الماضي. الأمر المختلف هذه المرة هو أنها جاءت في أعقاب فترة من التشديد الكمي. الشركات التي كانت تسحب الأموال النقدية من السوق، كانت مثالا لسلك مفخخ أدى إلى انهيار كل شيء".

شح الاحتياطيات
لا يعرف مجلس الاحتياطي الفيدرالي بالتحديد الحد الأدنى لمستوى الاحتياطيات التي تحتاج إليها المصارف الآن من أجل أن تعمل بكفاءة.
التقرير الصادر من بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، سبقت له الإشارة في حزيران (يونيو) الماضي، إلى أن الحد الأدنى لمستوى الاحتياطيات التي تحتاج إليها المصارف التجارية الآن لتعمل بكفاءة يمكن أن يبلغ نحو تريليون دولار.
قالت لوري لوجان، رئيسة عمليات السوق وتحليل الأسواق لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، في خطاب ألقته في عام 2017: "سنعرف هذا المستوى عندما نشهده".
وأضافت: "الضغط التصاعدي على أسعار الفائدة لليلة واحدة، هو أكثر مؤشر مباشر لتوضيح ندرة الاحتياطيات. على الرغم من أن الزيادات الطفيفة في أسعار الفائدة قد لا تكون لها أضرار جوهرية، إلا أن الزيادة طويلة الأمد في أسعار الفائدة، ستكون علامة على أن الاحتياطيات قد أصبحت بالفعل أكثر ندرة مما هو مطلوب، للحفاظ على السيطرة على أسعار الفائدة".
وبالتالي فإن أحدث اضطراب في أسواق الريبو قد سلط الضوء على أن احتياطيات المصارف، ربما قد بلغت نقطة الندرة للغاية، ما يقلل المعروض النقدي في الأسواق المالية.
ذلك يعني أننا: ربما وصلنا إلى المستوى الذي كانت تتحدث عنه لوجان.

هل يسوء الأمر أكثر؟
نعم، منذ خطاب لوجان توقف "الاحتياطي الفيدرالي" عن تخفيض ميزانيته العمومية إذ أصبحت ثابتة الآن.
من الناحية العملية أصول مجلس الاحتياطي الآن في مستوى مستقر.
على الجانب الآخر من الميزانية العمومية للبنك المركزي، هناك بعض الأشياء الثمينة.
احتياطيات مجلس الاحتياطي شيء، أما حجم الأموال النقدية التي تحتفظ بها وزارة الخزانة الأمريكية، فذاك شأن آخر.
اعتادت وزارة الخزانة الأمريكية أن تحتفظ بحجم بسيط من النقد يبلغ نحو خمسة مليارات دولار في حسابها النقدي لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي.
منذ عام 2015 احتفظت وزارة الخزانة الأمريكية بأموال نقدية تكفي لتغطية أسبوع من التدفقات الخارجية، أي نحو 400 مليار دولار.
في الـ11 من أيلول (سبتمبر) الماضي كان لدى ستيفن منوشن وزير الخزانة الأمريكي 184 مليار دولار فقط، ما يعني أنه يتعرض للضغط ليرفع رصيد الحساب الجاري مرة أخرى، في الوقت الحالي.
وبحسب ما ذكر هيلمن من شركة بي إم أو كابيتال ماركتس، فإن الأمر الآخر هو النمو البسيط للعملة النقدية المتداولة التي تميل إلى أن تنمو بما يتماشى مع الناتج المحلي الإجمالي.
مع نمو هذين الأمرين يجب أن ينخفض أحدهما للمحافظة على مطابقة الخصوم للأصول أي طرفي الميزانية. هذا يمارس مزيدا من الضغط النزولي على مستوى احتياطيات المصارف، ما يستنزف مزيدا من النقد خارج السوق.

ما العمل حيال ذلك؟
ليس في المتاح سوى أشياء قليلة بإمكان مجلس الاحتياطي الفيدرالي تخفيض أسعار الفائدة التي يدفعها ثمنا لاحتياطيات المصارف في ختام اجتماع السياسة النقدية المقرر في اليوم التالي في الوقت الذي يحاول فيه إبقاء أسعار الفائدة الأخرى قصيرة الأجل مثل الريبو ضمن نطاقه المستهدف.
يمكن أن يبدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي أيضا في زيادة ميزانيته العمومية مرة أخرى، بسرعة أكبر من المتوقع لمواكبة وتيرة نمو العملة والزيادات النقدية للخزانة الأمريكية.
أخيرا، يمكن لمجلس الاحتياطي الفيدرالي إنشاء تسهيلات دائمة في سوق الريبو. بشكل أساسي سيكون هذا صمام ضغط دائما قادرا على إخراج قدر من الهواء "المحبوس والضاغط" من السوق لتجنب الانفجار.
اتخذ الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك إجراءات حاسمة يوم الثلاثاء الماضي، عندما تدخل للمساعدة على تخفيف الضغط ووعد بالقيام بالشيء نفسه عند بدء التداول يوم الأربعاء الماضي.
ستكون التسهيلات الدائمة في سوق الريبو بمنزلة صمام الأمان المذكور، شرط أن تتم على أساس منتظم وبشكل أكبر ووتيرة أسرع.
وقال جاناكي راو مدير محفظة استثمارية لدى "أليانس برنشتاين": "من الواضح أن التسهيلات الدائمة في سوق الريبو، باتت أداة يحتاجون إليها في مستودع الأدوات.
هذه مناطق مجهولة إلى حد ما. لقد تم وضع السياسة النقدية على عجل خلال الأزمة، ونحن نتعامل مع نموذج متغير الآن، لذا يتعين على مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن يعمل على فهمه، ومن ثم التوصل إلى حلول جديدة للتعامل" بما يتناسب مع تغير الأوضاع.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES