default Author

التنمية المستدامة وتحقيق الأهداف

|

ينبغي أن يتضمن الإعلان عددا أكبر من الأهداف الكمية المحددة، على النحو التالي: هدف كمي لزيادة التدفقات المالية بأسعار الفائدة السوقية من الحكومات المانحة والمؤسسات متعددة الأطراف كالبنك الدولي والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية لدعم تعميم البنية التحتية؛ والتزام المانحين بتمويل تكاليف الحزمة العالمية للخدمات الاجتماعية وخدمات البنية التحتية الأساسية التي لا يمكن أن تغطيها بصورة معقولة الموارد المحلية؛ وزيادة المعلومات عن الشفافية "بما في ذلك نشر تفاصيل الميزانيات وعقود الحكومات وسجل عام للملكية النهائية للشركات" وتعزيز الالتزام بالهجرة والتكنولوجيا باعتبارهما أداتين من أدوات التنمية.
يعتمد التوصل إلى اتفاق قوي في أديس أبابا وإحراز تقدم صوب تحقيق أهداف التنمية المستدامة على مدى فهم الاقتصادات المتقدمة أن المسألة ليست إيثارا وإنما مصلحة ذاتية مجردة. ففي عام 2002، عندما شاركت البلدان الغنية في مؤتمر مونتيري وناقشت التعاون العالمي لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، ربما تكون هذه البلدان قد طرحت السؤال "ما الذي يمكننا أن نفعله من أجلهم؟" وفي هذا الوقت، لا يمكن النظر إلى هذه العملية إلا من منظور السؤال "ما الذي يمكننا أن نفعله من أجل بعضنا بعضا؟" رغم أن البلدان النامية تحتاج إلى روابط عالمية لإحراز تقدم، فإن المسألة المطروحة الآن ليست إقناع وزراء مالية البلدان الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، التي لا تتوافر لديها موارد مالية كافية بأن تبسط أيديها كليا لكن بمعالجة مجموعة من المشكلات العالمية التي لا يمكن أن تحل إلا بدعم من العالم النامي.
ولنأخذ التجارة مثالا فإذا نظرت إلى الأماكن التي تقوم البلدان الصناعية بتصدير منتجاتها إليها، فستجد أنها بلدان العالم النامي، فثلاثة أخماس مجموع الصادرات الأمريكية يذهب إلى البلدان ذات الدخل المنخفض والبلدان ذات الدخل المتوسط. ولم تتعاف شركة تصنيع السيارات الأمريكية جنرال موتورز من آثار الأزمة المالية العالمية إلا بسبب الصادرات: ففي عام 2009، باعت الشركة في الصين عدد السيارات نفسه الذي باعته في الولايات المتحدة. وماذا عن المالية العامة؟ في عام 2000، بلغ متوسط الدين الخارجي في البلدان النامية نحو 83 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وظلت نسب الدين الخارجي إلى إجمالي الناتج المحلي أعلى من 50 في المائة في ثلثي تلك البلدان. وبحلول عام 2011، انخفض متوسط الدين الخارجي إلى 42 في المائة، وكان لدى بلد واحد من ثلاثة بلدان نسبة أعلى من 50 في المائة. وأسهم ذلك التحسن في حالة المالية العامة بصورة كبيرة في قدرة المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي على تركيز مواردها واهتمامها أثناء الأزمة على بلدان غنية مثل اليونان وإيرلندا والبرتغال.
أو انظر إلى الصحة؛ فلو لم تكن بلدان غرب إفريقيا، بما في ذلك نيجيريا والسنغال قد أوقفت تفشي فيروس إيبولا ووصل الوباء إلى لاجوس وداكار وغيرهما من المدن لكانت التكلفة العالمية هائلة من حيث تعطيل التجارة والسفر، إضافة إلى مأساة فقدان الأرواح.
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أنه في حالة تفشي وباء الإنفلونزا بصورة حادة فيمكن أن تبلغ تكلفة ذلك على العالم ثلاثة تريليونات دولار، لأسباب يعزى أغلبها إلى تعطيل التجارة وإذا كان المرض أكثر فتكا تكون التكلفة أعلى. والطريقة الوحيدة لوقف تفشي الأوبئة الجديدة في عالم تسوده العولمة هي التصدي لها على وجه السرعة متى ظهرت، ويعني ذلك وجود نظم صحية محلية قوية.
ثم هناك مسألة الهجرة: حيث اعتمد النمو في قطاع تكنولوجيا المعلومات في الهند على نقل المهارات من الولايات المتحدة، لكن نمو الولايات المتحدة يعتمد على المهاجرين، الذين يمثلون نحو ربع الطلبات المقدمة للحصول على براءات اختراع في البلد. وتعتمد الصحة في الولايات المتحدة على بقية العالم، ليس فقط بسبب تهديد الأوبئة، لكن لأن خمس الممرضات اللاتي يعملن في الولايات المتحدة حصلن على تعليمهن في الخارج. ومع شيخوخة السكان في العالم الصناعي، سيزداد طلبه على المهاجرين.
وأخيرا، عندما يتعلق الأمر بالاستمرارية، فإن العالم النامي بالفعل هو الطرف الفاعل الرئيس: وسرعان ما سيكون مسؤولا عن ثلثي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية وهو موطن الجزء الأكبر من التنوع البيولوجي للكوكب. ولا يزال عدد مفرط من الأطفال يتوفون بسبب أمراض يمكن بسهولة الوقاية منها؛ وكثير ممن يبقون على قيد الحياة منهم تخذلهم مدارس لا تعلم شيئا واقتصادات لا توفر وظائف جيدة ومرافق خدمية لا يمكن الاعتماد على خدماتها من المياه والكهرباء. إلا أن تقدمنا العالمي لمكافحة تلك السلبيات منذ مطلع الألفية كان رائعا. ومن شأن تسارع وتيرة التقدم على مدى الـ15 عاما المقبلة أن يعود على العالم بمنافع لا حصر لها على نحو قابل للاستمرار على مدى القرون المقبلة. ولهذا السبب نحتاج جميعا إلى التوصل إلى اتفاق عالمي قوي بشأن التمويل في مؤتمر أديس أبابا، يتبعه اتفاق حاسم بشأن المناخ في باريس. وثمة أهمية متزايدة للتعاون العالمي لإحراز تقدم في التنمية المستدامة. ودون هذا التعاون، لن تعدو جميع الكلمات المعسولة التي ستقال والأهداف الكبيرة بشأن التقدم التي ستعلن في الدورة المقبلة للجمعية العامة في نيويورك أن تكون مجرد كلام في الهواء وحبرا على ورق.

إنشرها