السياسية

العراق .. الميليشيات تهدد السلامة العامة

العراق .. الميليشيات تهدد السلامة العامة

في 12 آب (أغسطس)، شب حريق في مستودع كبير للذخيرة تابع لإحدى الميليشيات في جنوب بغداد، ما أدى إلى إطلاق القذائف في الأجواء فوق العاصمة. وهذا الحادث هو واحد من عدة انفجارات كبرى وقعت في مثل هذه المنشآت في أرجاء المدينة في السنوات الأخيرة؛ كما أنه يأتي في أعقاب التعرض أخيرا لمخاطر أخرى مرتبطة مباشرة بالجماعات المدعومة من إيران، بدءا من اعتداءات الميليشيات على المستثمرين الغربيين وإلى الغارات الإسرائيلية المشتبهة ضد قواعد الميليشيات. وحيث أثبتت الحكومة عدم قدرتها حتى الآن على ضبط حتى أصغر الميليشيات، فإن التأثير السلبي للجماعات المسلحة غير الخاضعة للرقابة والمدعومة من الخارج يتزايد في المدنيين العراقيين، وهذه نتيجة ينبغي للمجتمع الدولي أن يوليها مزيدا من الاهتمام عند التعاطي مع بغداد. بحسب ما يرصده تقرير مطول لمايكل نايتس زميل "ليفر" في معهد واشنطن، الذي قضى وقتا طويلا منذ عام 2003 ملحقا بقوات الأمن العراقية. وبالتعاون مع ألكسندر ميلو محلل الأمن الرئيس في شركة الاستشارات في مجال الطاقة "هورايزن كلاينت آكسس".

الانفجارات في مستودعات الذخيرة
قد تكون أكثر قضايا السلامة العامة إلحاحا هي النمط المتنامي للانفجارات الكبرى في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، بسبب تخزين الميليشيات المتفجرات والقذائف في ظل ظروف غير آمنة أثناء فترات الحر الشديد.
في 12 آب (أغسطس) وقع انفجار في منشأة لتخزين الذخيرة في "معسكر الصقر"، ما أسفر عن مقتل مدني وجرح 29 آخرين. وتساقطت الشظايا على مسافة ثلاثة أميال "خمسة كيلومترات تقريبا". وكانت "القاعدة" تستخدم ميليشيتين من "قوات الحشد الشعبي"، هما "كتائب جند الإمام" (اللواء 6 من قوات الحشد الشعبي) و"كتائب سيّد الشهداء" (اللواء 4 من قوات الحشد الشعبي)، إضافة إلى جماعات مسلحة مختلفة تابعة لـ"منظمة بدر" الحليفة لإيران.
في 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، وقع انفجار للذخائر في قاعدة في طوزخورماتو تستخدمها "كتائب حزب الله" (الألوية 45 و46 و47 من قوات الحشد الشعبي)، ما أسفر عن إصابة 36 مدنيا.
في 6 آب (أغسطس) 2018، وقع انفجار في مستودع لتخزين الذخيرة تملكه "فرقة العباس القتالية" (اللواء 26 من قوات الحشد الشعبي) على الطريق السريع بين بغداد وكربلاء، ما أدى إلى مقتل شخص وجرح 19 آخرين.
في 6 حزيران (يونيو) 2018، انفجر مخبأ للذخيرة داخل مسجد شيعي في "مدينة الصدر" في بغداد، ما أسفر عن مقتل 18 مدنيا وإصابة 90 شخصا، وتحوّل مبنى كامل في المدينة إلى أنقاض. ومن المرجح أن المخبأ كان يعود إما إلى "عصائب أهل الحق" (الألوية 41 و42 و43 من قوات الحشد الشعبي) أو إلى "سرايا السلام" (اللواء 313 من قوات الحشد الشعبي).
في 2 أيلول (سبتمبر) 2016، انفجر مخبأ آخر للأسلحة تابع لـ"عصائب أهل الحق" في مدينة العبيدي شرق بغداد، ما أدى إلى مقتل 15 مدنيا وإصابة عشرات بجراح، وإشعال ثماني قذائف سقطت داخل المدينة.
الانفجارات في مواقع مرتبطة بالصواريخ
وقعت على الأقل حادثتان من هذا النوع في قاعدتين للميليشيات تُخزَّن فيهما قذائف إيرانية طويلة المدى وغيرها من المتفجرات وفقا لبعض التقارير. وفي حالة واحدة على الأقل، تشير الأدلة إلى غارات عسكرية دقيقة التوجيه، ربما من قبل إسرائيل.
في 19 تموز (يوليو)، هز انفجار قاعدة للميليشيات في آمرلي تشغلها "قوات التركمان" (اللواء 16 من قوات الحشد الشعبي) مع "فوج آمرلي" (اللواء 52 من قوات الحشد الشعبي). ووفقا لإعلانات الجنازة ذات الصلة، قُتل أحد أعضاء "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني. ويشير عديد من الدلائل إلى توجيه ضربة عسكرية دقيقة للغاية ضد نظام صواريخ زوّدته إيران، بهدف التقليل إلى أدنى حد من الأذى الذي يلحق بالمدنيين.
في 28 تموز (يوليو)، أفادت تقارير عن وقوع ثلاثة انفجارات في "معسكر أشرف"، وهو المنشأة الميليشياوية الرئيسة التابعة لـ"منظمة بدر" في العراق، الواقعة شمال شرق بغداد. وتُستبعَد الأسباب العرضية بسبب طبيعة الحادثة، إذ وقعت الانفجارات بالتزامن في ثلاثة مواقع منفصلة تماما في معسكر يمتد مسافة عشرة كيلو مترات طولا وعشرة كيلو مترات عرضا. ويعد المحللون العراقيون والأمريكيون المعسكر يحتوي على الأرجح على أنظمة صواريخ مزودة من قبل إيران.

الاعتداءات على المجتمع المدني والمدنيين
وُجّهت أيضا اتهامات موثوقة إلى الميليشيات المرتبطة بإيران بممارسة العنف ضد مجموعات من المجتمع المدني والأفراد المدنيين.
الاحتجاز غير القانوني الواسع النطاق.. أصدرت "منظمة العفو الدولية" ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" تقارير مهمة جدا توثق اختفاء 643 مسلما من الذكور السُنّة من الفلوجة والصقلاوية، ومزيد من حوادث الاختفاء الجماعي للذكور السُنّة في الرزازة. وتعزى هذه الاختفاءات إلى حد كبير إلى "كتائب حزب الله"، التي تحتفظ بمنشأة احتجاز غير قانونية تضم ما لا يقل عن 1700 سجين في جرف الصخر جنوب بغداد مباشرة. ولم تتخذ الحكومة العراقية أي إجراء لتحرير هؤلاء المعتقلين أو التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بأسرهم.
قمع المجتمع المدني.. في البصرة، حيث يتزايد السخط العام بسبب سوء الخدمات والبطالة، سُمح لبعض الميليشيات بعرقلة التظاهرات ضد الحكومة. وأسفر هذا الأسلوب - الذي يذكّر باستخدام إيران عناصر جماعة "أنصار حزب الله" لتفريق الاحتجاجات في المدن الإيرانية - عن وقوع عشرات الاغتيالات وعمليات الاختطاف العنيفة بحق ناشطين من المجتمع المدني في جنوب العراق هذا الصيف.
الاعتداءات على رجال الدين.. في بغداد، لا يسلم حتى أفراد المجتمع الذين يتمتعون بأهم العلاقات السياسية إذا اختارت الميليشيات استهدافهم. فقد تعرّض منزل علاء الموسوي - الذي عُيّن رئيسا للوقف الشيعي من قِبل رجل الدين الأقدم في العراق، علي السيستاني - إلى اقتحام نفذته قوات "عصائب أهل الحق" في 10 تموز (يوليو)، فاضطر بعدها إلى الاحتماء في منزل حكومي آمن. وعلى الرغم من أن هوية المعتدين معروفة على نطاق واسع في المجتمع العراقي، إلا أنه لم يتم القيام بأي خطوة لمعاقبة رجال الميليشيا المتورطين من "عصائب أهل الحق".

الهجمات على الشركاء والمستثمرين الأجانب
في الأشهر الأخيرة، عانى أهم المستثمرين في العراق - أي شركات النفط - العنف المتصاعد.
هجمات على القنصلية في البصرة.. في 7 و8 و28 أيلول (سبتمبر) 2018، شنت ميليشيات سلسلة من الغارات بالقذائف على القنصلية الأمريكية في البصرة. كما هددت الجماعات المسلحة الموظفين المحليين في القنصلية، وتوعدت باستهداف حركة المركبات من المنشأة وإليها، وأصدرت تحذيرات من قيام عمليات اختطاف. وأُغلقت القنصلية بعد هذه الأحداث بفترة وجيزة، ما ألحق ضررا بثقة المستثمرين بالعراق.
هجمات بالقذائف على مواقع شركات النفط.. في 18 و19 حزيران (يونيو) 2019، أُطلقت قذائف على ثلاثة معسكرات للمهندسين الأجانب في حقل الرميلة النفطي في البصرة وبالقرب من موقع برجيسيا. وأصيب ثلاثة عراقيين بجراح عندما استهدفت الغارات "شركة الحفر العراقية" التابعة للدولة، ما ألحق ضررا بالجهود التي تبذلها الحكومة لتحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة.
هجوم بالقذائف على مقاولي الدفاع.. في 18 حزيران (يونيو)، أُطلقت قذيفة على مقاولين أمريكيين في بَلَد حيث كانوا يقدمون خدمات تقنية لمساعدة الأسطول العراقي من طائرات "أف-16" على مواصلة ضرب قوات تنظيم "داعش".
الهجوم على مركبات الإمداد التابعة للسفارة الأمريكية.. في 6 تموز (يوليو)، انفجرت ثلاث قنابل مزروعة على جانب الطريق عند مرور موكب شاحنات لوجيستية تابعة للسفارة الأمريكية في صفوان. واستُخدمت ذخائر من النوع المتشظّي ومعبأة بمحملات الكريّات، ما أدى إلى إصابة أحد السائقين.
الهجوم على مركبات المستثمرين.. في 6 آب (أغسطس)، استُهدف موظفو صناعة النفط الغربيون بقنبلة زُرعت على جانب الطريق في البصرة، فألحقت أضرارا بالغة بمركبتهم. وشملت هذه الحادثة ذلك النوع من الجهاز المتشظّي نفسه الذي شوهِد في هجوم صفوان، الذي كان يشبه كذلك أربعة أجهزة عُثر عليها في الرميلة وأرطاوي وحلفايا في غضون أسبوع في أوائل كانون الأول (ديسمبر) 2018. ووُضعت الأجهزة السابقة كافة قرب مداخل طرق سريعة لحقول النفط يستخدمها مهندسون أجانب.

الحاجة إلى رقابة دولية أكبر
تقوم الميليشيات المدعومة من إيران بتنفيذ سياسة خارجية مستقلة في العراق، فتسخر من حكومة البلاد ودستورها. ولا تهدد هذه الميليشيات الغربيين فحسب، فالعراقيون هم الضحايا الرئيسيون لأنشطتها، ولطالما كانوا كذلك. يجب تركيز مزيد من الاهتمام على هذه التأثيرات التي تشمل مخاطر أمنية أكبر بالنسبة إلى العراقيين، وتعطيل نضالهم المستمر ضد تنظيم "داعش"، وخسارة الاستثمارات الأجنبية الضرورية جدا والهيبة الدولية.
ويشكل تحكَّم الميليشيات بالأسلحة الثقيلة مسألة ملحّة بشكلٍ خاص. فعلى الأغلب، لم تعد الهجمات المنتظمة لتنظيم "داعش" تهدد المدن العراقية؛ وبدلا من ذلك، يخشى العراقيون بصورة أكثر من انفجار مستودع للذخيرة تابع لإحدى الميليشيات في جوارهم. فقد تطورت الميليشيات من مصدر حماية إلى أحد مصادر التهديد الأخيرة المتبقية التي يواجهها سكان المدن. على وجه الخصوص، تُعرّض هذه الميليشيات المواطنين المحليين كافة للخطر عندما تخبئ صواريخ إيرانية كبيرة في بلدات صغيرة مثل آمرلي.
وينبغي للجهات الفاعلة الدولية أن تسترعي انتباه بغداد إلى الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان التي ترتكبها بعض الميليشيات، وفي كثير من الحالات، الجهات الفاعلة التي تدعمها إيران مثل "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، ووحدات أقل شهرة. ويعد مركز "كتائب حزب الله" للاعتقال الجماعي الموثق جيدا خارج بغداد مجرد مركز زائف، ينبغي لمراقبي حقوق الإنسان الاستمرار في التركيز عليه. وهذه المنشأة نفسها - جرف الصخر - كانت نقطة انطلاق لهجمات الطائرات بدون طيار على منشآت النفط السعودية في 14 أيار (مايو)، ما يؤكد بشكل أكبر عواقب فشل الحكومة العراقية في هذه القضية المهمة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من السياسية