Author

المرأة العاملة والإدارة المالية للأسرة

|


كانت سيارة الأب تقف وحيدة عند باب المنزل. أصبحت بعدها سيارتين، للأب والسائق. اليوم هي ثلاث سيارات، للأب والسائق والأم. كان هناك مصدر واحد للدخل ولم يدخر أي أحد بشكل منتظم، أصبح اليوم هناك مصدران للدخل وربما ثلاثة، وحتى الآن لا أحد يدخر بشكل منتظم. ستتأثر السلوكيات المالية في البداية بشكل سلبي، كنتيجة لتزايد عدد الوحدات العاملة في المجتمع. وكما يحدث أحيانا، الزيادة المفاجئة في الدخل تكون وبالا على صاحبها. على الرغم من أن زيادة المداخيل تعني في العادة زيادة فرص المستفيد في رفع مستوى المعيشة وتحسين حظوظه في المستقبل، إلا أن هذا الأمر لا يحدث هكذا، فلا بد من التخطيط له بعناية، ولا بد أن يتخلله بعض من التعلم وتغيير السلوك والمراقبة.
تتأثر فرص وتحديات الإدارة المالية عند الأسرة بوضع المرأة العاملة، التي على الرغم من وجودها في الواقع المحلي منذ عقود إلا أن جديدها اليوم بات مؤثرا بشكل واضح أكثر من ذي قبل. اختلف وضع المرأة العاملة في الفترات الماضية أولا من ناحية الكم، إذ كانت أعداد الأسر التي تكون فيها الأم أو الابنة عاملة محدودة، بينما أصبحت اليوم تنمو بشكل سريع جدا وربما ستصبح الأسرة التي لا تعمل فيها ربة المنزل هي الاستثناء. كذلك تغير الواقع نوعيا، إذ اختلفت طبيعة الأعمال التي تقوم بها المرأة. كانت الأعمال إلى حد ما محصورة في المعلمة والطبيبة بينما تشمل اليوم التنفيذية والبائعة، وقائمة طويلة جدا بينهن. وهذا يعني تفاوتا وتنوعا في حجم الدخل، وعدد ساعات العمل، ودرجة الضغط النفسي الناتج عن المسؤوليات الجديدة. وبمرافقة ذلك أتت باقة متنوعة من الامتيازات والحقوق التي تم ضمانها للمرأة. وهذه ستتبعها قائمة أخرى من السلوكيات والأنماط، منها ممارسات الاستقلالية الجديدة، وتغير المرجعيات وآليات اتخاذ القرار. ومن دون أدني شك، لهذه التغييرات أثر أكيد في وضع الأسرة المالي.
تنشأ تبعا لهذه الظروف الجديدة قائمة من التحديات وقائمة من الفرص. سأركز على الفرص على الرغم من أن بعض التحديات ليست أقل أهمية من النواحي المالية، مثل ارتفاع حالات الطلاق ونشوء أسرة الأب المستقل أو الأم المستقلة وتزايد الأنماط الاستهلاكية السلبية واضطراب وحدة الأهداف لدى الأسرة. بينما تشمل الفرص قائمة طويلة من المبادرات والأفعال التي يمكن ضمها تحت مزايا التعاون والتعاضد، التي قد تفوق نتائجها مجتمعة نتائج الجهود نفسها إذا تم تقديمها بشكل منعزل، وهذا تحديدا ما يجعل فرصة تعاون المرأة العاملة والرجل العامل في الإدارة المالية للأسرة أمرا لا يعوض. تشير الأبحاث إلى أن الشعور بالطاقة الإيجابية وتحسن المزاج المشترك وما يتبع ذلك من نتائج على أرض الواقع وارد الحدوث في حالات التعاون المنسق بين الزوج والزوجة، خصوصا عند الربط بين الحياة العملية والأسرية للأبوين.
المدخل الأساسي لأي سلوك أو فعل مالي منسق ومشترك – ليس بالضرورة أن يكون مشتركا ولكن الأهم أن يكون منسقا – هو التخطيط وتحقيق الرؤية الموحدة. هناك فسحة كبيرة لتنويع الأفعال، والأدوات، والسلوكيات وربما اختلافها. ليس من الضروري أن تكون درجة تقشف الزوجة كما الزوج، أو أن يشعر كل طفل في المنزل بقيمة كل ريـال يتم استثماره أو يتم توفيره. ولكن، يجب أن تكون الرؤية موحدة بشكل كاف، وهذا يعني المفاهمة حول مزيج الأهداف المشتركة بين الزوج والزوجة، التي يمكن تقديرها من الطرفين بشكل دائم ومستمر. هذا لا يعني أن تكون جميع الأهداف متطابقة، ولكنها يجب أن تكون متقاربة. وأقترح لهذا التخطيط تشجير الأهداف حسب المستفيد وحسب المسؤولية. فهناك أهداف مالية تخص الأبناء مجتمعين أو الأسرة بشكلها العام، وأخرى تخص الزوجين أو أحدهما. لكل هدف من هذه الأهداف مستفيد ومسؤول عن التنفيذ إضافة إلى خصائص الأهداف الأخرى من دقة ووضوح وتوقيت وخلافه.
إذا تمت عملية تصميم وتنسيق الأهداف المالية المشتركة للأسرة بشكل واضح، فتحت أبواب التعاون والتعاضد بين الزوجين العاملين، وهذا فعليا ما يصنع الفرص الكبرى. أما من يقفز لتنسيق المهام والواجبات دون توضيح الأهداف بشكل كاف سيصطدم لا محالة بالتنازلات الإجبارية، والتحمل المؤقت القابل للتفجر، والاستفهامات الدائمة. وهذه من مسببات الصدوع التي تتحول إلى صداع وتحديات أسرية كبرى. تظل الأمور الإجرائية والتنفيذية داخل الأسرة مجرد تحصيل حاصل مع بعض التعلم كما أشرنا، سواء كانت قروضا مشتركة أو ادخارا منسقا منتظما أو استهلاكا متزنا.

إنشرها