FINANCIAL TIMES

ماذا بعد؟ على الأرجح ركود عالمي متزامن

ماذا بعد؟ على الأرجح ركود عالمي متزامن

تميل التحولات في النماذج إلى أن تحدث ببطء، ومن ثم تحدث دفعة واحدة. هذا هو الدرس الذي استخلصته من الاضطرابات الأخيرة في الأسواق. كما كتبت الأسبوع الماضي، المفاجأة هي فقط أن الاضطراب لم يأت في وقت أبكر.
ربما يكون النقاد قد ربطوا أسوأ انخفاض لمؤشر داو جونز خلال العام بانعكاسات منحنى عائد السندات الجديدة في الولايات المتحدة (وهو مؤشر تاريخي لفترات الركود)، لكن العلامات الأساسية للاعتلال في الاقتصاد العالمي كانت تلازمنا منذ فترة طويلة. كان السؤال متى تضع الأسواق جانبا التهاون الذي نتج عن عقد من أسعار الفائدة المنخفضة وضخ البنوك المركزية للأموال، على شكل برنامج التسهيل الكمي، وتتقبل هذا الواقع الجديد.
لنأخذ في الحسبان أنه منذ كانون الثاني (يناير) 2018، شهدت جميع الاقتصادات الرئيسية، باستثناء اقتصاد الهند، تدهورا في مؤشرات مديري المشتريات لديها. مؤشرات مديري المشتريات واحدة من أفضل المؤشرات للظروف الاقتصادية المستقبلية لقطاع التصنيع، التي تعد علامة أساسية على انطلاق النشاط الاقتصادي العام. التباطؤ في منطقة اليورو كان كبيرا - خاصة في أماكن مثل إيطاليا وألمانيا، اللتين تعانيان رسميا من انكماش الاقتصاد في الوقت الحالي.
كما أشار الخبير الاستراتيجي، لويس-فنسنت جاف، الرئيس التنفيذي لشركة جافكال، في مذكرة إلى المستثمرين "يمكن كشف بصمات عديد من الجناة المسؤولين" عن الاضطرابات التي يشهدها قطاع التصنيع، بداية من قطاع السيارات الذي يواجه تحديات هيكلية، مرورا بفشل الطائرة "بوينج 737 ماكس" وتأثيره في سلاسل التوريد العالمية، إلى عدم وجود عمليات إطلاق كبيرة لأي منتج جديد في قطاع التكنولوجيا، وكذلك استثمارات الشركات الضعيفة، وقطاع الطاقة الضعيف، والتباطؤ الاقتصادي في الصين. كل ما هو مطلوب حالة من حالات التخلف عن سداد الديون السيادية الكبرى، أو سلسلة من حالات إفلاس الشركات، وسنرى عندها السوق تهوي في هبوط حاد.
وبطبيعة الحال، السياسة لم تكن عاملا مساعدا. لكن مع ذلك، لم يكن مستغربا حدوث أي من التطورات الأخيرة. لنأخذ الأرجنتين التي عانت انخفاضا في السوق في يوم واحد الأسبوع الماضي بلغت نسبته 48 في المائة بعد أن شهدت الانتخابات الرئاسية التمهيدية تقدما سهلا لمرشح المعارضة البيروني. والسؤال هو لماذا كان المستثمرون، كما تقول العبارة القديمة في فيلم كازابلانكا، "مصدومين، مصدومين"؟ لأن البلد الذي لطالما كان يتخلف عن سداد ديونه سيتأرجح إلى اليسار.
هذا يثير أسئلة أخرى. ما الذي يمكن أن يحدث في المملكة المتحدة إذا سمحت الانتخابات العامة، قبل أو بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، لجيريمي كوربين بتولي السلطة؟ ما الذي يمكن أن يحمله مستقبل السياسة المضطربة في إيطاليا؟ ماذا يمكن أن يكون تأثير فوز إليزابيث وارن أو بيرني ساندرز في الانتخابات التمهيدية الأمريكية؟ وكما أوضحت13D Global Strategy في الفترة الأخيرة، مثل هذه الأحداث "تتناسب تماما مع الدورة، بداية من تراكم الثروة إلى توزيع الثروة"، الأمر الذي أعتقد أنه سيكون أكبر تحول اقتصادي في عصرنا.
لماذا يستغرق هذا الواقع الجديد وقتا طويلا ليتم فهمه واستيعابه؟ لأننا قضينا عقودا من العيش في الواقع القديم – ما بعد اتفاقية بريتون وودز التي مثلت الواقع الليبرالي الحديث. أدت العولمة الاقتصادية غير المقيدة والأعوام التي مضت في اتباع سياسة نقدية مخففة إلى ارتفاع أسعار الأصول وتفضيل رأس المال على العمالة، على ما يبدو إلى أجل غير مسمى. تبلدت أحاسيسنا بسبب تريليونات الدولارات التي أصدرتها البنوك المركزية، وبرامج التداول الخوارزمية التي تشتري عند الانخفاض وبالتالي تقلل من الشعور بالمخاطر السياسية على المدى الطويل، وكذلك الاستثمار السلبي القياسي.
اجتمعت جميع هذه الأمور لتخفيف الإشارات التي أصبحت، أخيرا، تومض باللون الأحمر. لنشاهد التراجع الأخير في مؤشرات القطاع المصرفي، وقطاع النقل، وقطاع التصنيع، إضافة إلى انخفاض أسهم الشركات الصغيرة، وهو مؤشر تاريخي للمشكلات في الشركات الأكبر. في نهاية دورة الانتعاش، تميل رؤوس الأموال إلى التكدس في الشركات الكبيرة، والشركات الأصغر تعاني.
في الوقت الذي تتأقلم فيه الأسواق أخيرا مع زيادة المخاطر السياسية، ومخاطر العملات، ومخاطر الائتمان، والاحتمال المتزايد للحكومات اليسارية، فمن الواضح أن التحولات والصدمات تأتي بسرعة وبقوة. لا عجب أن الجميع يتساءل الآن "ماذا بعد؟".
أعتقد أن الإجابة على الأرجح هي ركود عالمي متزامن، يتخلله تباطؤ تدريجي في السوق - قد تحدث خلاله موجة صعودية غريبة، لكن الاتجاه العام يكون نحو الهبوط. قد يستمر هذا الوضع عدة أعوام. في الأسابيع القليلة المقبلة، أتوقع انخفاضات جديدة في عائدات السندات، وزيادة انعكاس منحنى العائدات، وارتفاع أسعار الأصول "الآمنة" مثل الين والفرنك السويسري، واستمرار السوق الصاعدة في الذهب.
أتوقع أيضا مزيدا من التهديدات من دونالد ترمب. استمرار هجوم الرئيس الأمريكي على الصين والاحتياطي الفيدرالي سيتبع أي تباطؤ في السوق. من المحتمل أن يكون هناك مزيد من المحاولات من قبل ترمب لخداع المعارضة، مثل قرار تأجيل فرض التعريفات الجمركية الجديدة على البضائع الصينية حتى كانون الأول (ديسمبر) كي لا يتضرر المستهلكون خلال موسم التسوق في عيد الميلاد. (لا شيء من هذا سيزيد من احتمال إبرام صفقة تجارية حقيقية).
في الوقت نفسه، المستهلكون الأمريكيون يتضررون منذ الآن، وقد تكون لذلك آثار كبيرة في حملة إعادة انتخاب ترمب في عام 2020. كما أن الزخم في نمو الوظائف في الولايات المتأرجحة مثل ميشيجان، وأوهايو، وبنسلفانيا، يتباطأ.
أظهر تقرير حديث أعده ستان جرينبرج، خبير الاستطلاعات الليبرالي، أن ثلث النساء البيض من الطبقة العاملة في بعض المناطق المحافظة بدأن في الانقلاب على الرئيس، إذ يشعرن بالاستياء من حديثه المتكرر بشأن الاقتصاد الأمريكي المزدهر. قالت إحداهن، من ويسكنسن: "ربما في مدينة نيويورك. لكن ليس هنا".
بالنسبة لترمب والشعب الأمريكي عموما، قد يتحول صيف الخوف إلى شتاء من السخط السياسي.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES