أخبار اقتصادية- عالمية

تسونامي الركود يقترب من سواحل الاقتصاد العالمي .. القلق يهيمن على توقعات المؤسسات المالية

 تسونامي الركود يقترب من سواحل الاقتصاد العالمي .. القلق يهيمن على توقعات المؤسسات المالية

هل العالم على أعتاب ركود اقتصادي؟ هل يمكن أن نستيقظ صباح يوم ما لنجد العنوان الرئيس في وسائل الإعلام الدولية والمحلية "انهيار البورصات العالمية" أو "عاصفة الكساد تضرب الاقتصاد الدولي"؟
تلك النوعية من الأسئلة وما تتضمنه في داخلها من قلق مشروع على وضع الاقتصاد العالمي، تهيمن الآن وبشدة على الأسواق الدولية، وأيا ما كانت الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع، فإن أجواء القلق والتشاؤم تتحكم في رؤية وتوقعات عديد من كبريات المؤسسات المالية ومن بينها صندوق النقد الدولي، إضافة إلى لفيف من كبار رجال الأعمال الدوليين الذين ينتابهم شعور متزايد بأن تسونامي الركود يقترب من سواحل الاقتصاد العالمي.
العام الماضي كان مميزا للبورصات ولسوق الأسهم، إذ حققت ارتفاعات قياسية، وامتدت حالة التفاؤل إلى شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، وتحديدا حتى الـ26 من الشهر ذاته، عندما تراجعت الأسهم الأمريكية، لتسلك أسهم البورصات الأخرى المسار التنازلي ذاته. ومنذ بداية العام الجاري والسؤال يطرح نفسه: هل نتجه صوب ركود اقتصادي لا فرار منه؟
وكانت الإجابة بنعم خافتة في بداية الأمر، ولكن أخيرا بدأت الأصوات تتعالى والمؤشرات تتضح بأن الركود الاقتصادي في طريقه إلينا.
وتقول لـ"الاقتصادية"، الدكتورة تاتشر دارن أستاذة الاقتصاد الدولي سابقا في جامعة أكسفورد، الخبيرة الاقتصادية في منظمة التجارة الدولية، "إن هناك مؤشرات أخرى أكثر فائدة في التنبؤ بالمستقبل من أداء البورصات وأسعار الأسهم، فتاريخيا سوق السندات من بين أفضل المؤشرات لمعرفة مستقبل الأداء الاقتصادي، ويشير الوضع الحالي لسوق السندات إلى أن الركود الاقتصادي الأمريكي ممكن، وإذا أخذنا في الحسبان تباطؤ النمو الاقتصادي في كل من الصين وألمانيا، وعدم تحقيق اليابان معدلات نمو مرتفعة، وتبعات خروج بريطانيا خامس أكبر اقتصاد في العالم من الاتحاد الأوروبي، والحرب التجارية بين بكين وواشنطن التي خرجت من عقالها، وباتت حرب عملات في مراحلها الأولى. يمكننا القول إذا إنه من الأجدى أن نستعد جميعا لاحتمالات كبيرة للغاية، لموجة من الركود الاقتصادي تعصف بالمنظومة الاقتصادية العالمية".
وفي الواقع، فإن الحديث الراهن عن الركود يرتكز على القلق العالمي مما يحدث في سوق السندات الأمريكية، أكثر من ارتكازه على سوق الأسهم، فوفقا لكثير من المؤشرات فإن الاقتصاد الأمريكي يزدهر، فمعدلات البطالة في أدنى مستوى لها منذ 50 عاما، وأسواق الأسهم، على الرغم مما يعتريها من تقلبات وتذبذب، فإنها تحقق مستويات قياسية مرتفعة، ومؤشرات ثقة المستهلكين مرتفعة، والطلب الاستهلاكي قوي.
ومع هذا، فإن شبح الركود الاقتصادي يحلق بقوة في الأجواء، فسندات الخزانة الأمريكية التي تعد استثمارا آمنا، تحيط بها الشكوك حاليا، وعادة يتوقع المستثمرون عوائد أعلى لربط أموالهم بالسندات طويلة الأجل أكثر مما يتوقعون بالنسبة للسندات قصيرة الأجل، ولكن ما يحدث الآن عكس ذلك.
ويعتقد يان بويد، الباحث الاقتصادي في بنك إنجلترا، أنه "عندما تقدم السندات طويلة الأجل أسعار فائدة أقل من السندات قصيرة الأجل فنحن على أعتاب مشكلة جادة".
ويضيف لـ"الاقتصادية"، أنه "للمرة الأولى منذ عام 2007، تنخفض عائدات الأسبوع الماضي على سندات الخزانة لأجل عشرة أعوام، إلى أقل من عوائد سندات العامين الماضيين، ولهذا يتوقع الاحتياطي الأمريكي بنسبة 31.5 في المائة احتمال حدوث ركود بحلول تموز (يوليو) عام 2020".
ومع هذا، لا تزال ثلة من الاقتصاديين ترى أن هناك مبالغات عالمية بشأن الركود المتوقع، لكنهم لا يستبعدون تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، محملين ما يصفونه بالسياسات النقدية العدوانية للبنوك المركزية في العالم، وليس فقط الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة مسؤولية الوضع الاقتصادي التعيس الذي يتجه إليه الاقتصاد العالمي.
ويشير لـ"الاقتصادية"، نيل موسلي الخبير الاستثماري، إلى أن "الولايات المتحدة أضافت وظائف لمدة 106 أشهر على التوالي، وأن معدل البطالة حاليا يبلغ 3.7 في المائة، مقتربا من أدنى مستوى مسجل وهو 3.6 في المائة عام 1969، ولا توجد أي علامة على وجود زيادة في طلبات إعانة البطالة. لكن معدل التوظيف يتباطأ، وذلك ملحوظ في الأشهر السبعة الماضية، والزيادة في الأجور تنمو ببطء، ولهذا أتوقع تراجعا في النمو الاقتصادي، ولكن لن يدخل الاقتصاد الأمريكي مرحلة الركود".
على أي حال، فإن التذبذب الراهن في البورصات ليس ما يقلق الخبراء، فأسواق الأوراق المالية ليس لديها سجل حافل في توقع الركود، ومعظم التجارب الاقتصادية مع الركود لا يسبقها هبوط في سوق الأسهم، وحتى عندما تنهار البورصات لا يقع الركود في التو واللحظة، إذ غالبا ما تتدخل البنوك المركزية لتدارك الأزمة، ففي عام 2007 وفي الربع الأول منه، فقد مؤشر داو جونز 600 نقطة في أسبوع، لكنه تعافى خلال باقي العام محققا 14000 نقطة في تشرين الأول (أكتوبر) 2007.
وحتى الآن، فإن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ارتفع بنحو 26 في المائة منذ تولي الرئيس ترمب، وفي الواقع فإن الركود يتطلب ربعين متتاليين من النمو الاقتصادي السلبي، والولايات المتحدة لا تزال أكبر اقتصاد في العالم وبمفردها تنتج ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وعلى الرغم من تباطؤ الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأخير ليصل إلى 2.1 في المائة، مقابل 3.1 في المائة في الربع الأول، إلا أن نمو الاقتصاد الأمريكي لا يزال إيجابيا.
ويشير الخبراء إلى أن أي اهتزاز يحدث في الاقتصاد العالمي، لا يجب تحميله للاقتصاد الأمريكي، وإنما يجب النظر للأداء السيئ للاقتصاد الصيني والألماني أيضا.
ويوضح لـ"الاقتصادية"، الدكتور ماثيو فرد أنه "قد تكون سياسات ترمب أضرت بالصين وحتى الاتحاد الأوروبي، لكنها تصب في صالح الاقتصاد الأمريكي، فالنزاع التجاري مع الصين أدى إلى هبوط الناتج الصناعي الصيني 17 في المائة، وذلك قبل الجولة الأخيرة من التعريفات الأمريكية، فيما تعاني ألمانيا أيضا، فالنمو الاقتصادي في الربع الثاني لم يتجاوز 0.1 في المائة، بينما يزداد الوضع سوداوية في بريطانيا نتيجة قرب موعد الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، وفي الوقت ذاته نجحت الولايات المتحدة نسبيا، وبشكل ملحوظ في التغلب على الأزمات الاقتصادية الدولية، التي ربما يتحمل الرئيس ترمب مسؤوليتها، فصادرات السلع والخدمات تمثل حاليا 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، والإنفاق الاستهلاكي قوي نتيجة انخفاض البطالة".
مع هذا، وعلى الرغم من قناعة عدد ملحوظ من الاقتصاديين والخبراء، بأن معيار اتجاه الاقتصاد الدولي إلى الركود -إن حدث- لن يكون في البورصات، فإنهم يخشون من أن تكون أسواق الأسهم إن أصيبت بانهيار ضخم، بمنزلة الرصاصة التي ستطلق على الاقتصاد الدولي لتصيبه إصابة خطيرة للغاية.
ويقول لـ"الاقتصادية"، جوناثان كمب المحلل المالي في بورصة لندن، إنه "ربما لا يقود أداء البورصات في حد ذاته الاقتصاد الدولي إلى الركود، لكن مشاعر الفزع التي تنتاب المستثمرين تقود إلى تدهور الاقتصاد، فعلى سبيل المثال يتابع رجال الأعمال البورصات الأمريكية، ويركزون على الآثار الباهتة للتخفيضات الضريبية لترمب، والانعكاسات السلبية للحرب التجارية مع الصين، لكنهم لا يمنحون توقعات صندوق النقد الدولي أن تكون الولايات المتحدة الأسرع نموا في اقتصادات مجموعة السبع هذا العام بنسبة 2.6 في المائة".
ويعتقد جوناثان أن ارتفاع أو انخفاض أسعار الأسهم في البورصات العالمية، لا يجب النظر إليه باعتباره المؤشر الحاسم للمسار الاقتصادي، وإنما الأهم من وجهة نظره كيف تقرأ الأسواق تلك التقلبات قراءة صحيحة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية