FINANCIAL TIMES

تغير المناخ يهدد مورد الفحم الأخضر في إيرلندا

تغير المناخ يهدد مورد الفحم الأخضر في إيرلندا

تغير المناخ يهدد مورد الفحم الأخضر في إيرلندا

تغير المناخ يهدد مورد الفحم الأخضر في إيرلندا

لم تكن خلفية الانتخابات المحلية لهذا العام تبشر بالخير بالنسبة إلى بيبا هاكيت، وهي ناشطة في حزب الخضر تعيش في منطقة ميدلاندز الريفية في إيرلندا.
لطالما كان يمكن لأي شخص هنا تذكره هو أن حصاد الخث الذي يحرق من أجل توليد الكهرباء، هو العمود الفقري للاقتصاد المحلي. الآن أدت المخاوف البيئية المتزايدة إلى أن يتم إنهاء هذه الممارسة بالتدريج.
تعرية الخث من الأرض لا تقلل من مخزون حيوي للكربون عندما يحترق فحسب، بل إن الدخان الناتج عن المادة العضوية الكثيفة ذات اللون البني، تضر بالهواء أيضا أكثر من الفحم.
يقول علماء المناخ إن القرار بوقف استخراج هذا الوقود من الأرض أمر طال انتظاره، لكن في منطقة تفتقر إلى الصناعات الرئيسة الأخرى فإن ذلك له آثار اقتصادية كبيرة.
في حملتها حول الأسس البيئية في مكان مهدد بخفض كبير في الوظائف واجهت هاكيت تحديا كبيرا. تهيمن على المنطقة أحزاب أكبر وأكثر رسوخا. ادعى بعض السكان المحليين أنها لم تكن تأمل أن تصبح مستشارة محلية، حيث رفضت باعتبارها "امرأة شجاعة" لمجرد تفكيرها بالمحاولة.
ومع ذلك بعد إحصاء مرهق للأعصاب، تحدت الاحتمالات لشغل المقعد السادس والأخير لمنطقتها في مجلس مقاطعة أوفالي، وهي المرة الأولى التي يفوز فيها الخضر بمقعد في المقاطعة.
قابلت هاكيت 45 عاما، في ناد هادئ للجولف يقع بالقرب من ممر قناة بالقرب من بلدة داينجين الصغيرة في أوفالي، على بعد نحو 50 ميلا إلى الغرب من دبلن، أقرت بأن الأجيال هنا تكسب رزقها من الخث. وأن جدول الأعمال الأخضر لا يزال يمثل مصلحة أقلية.
ومع ذلك، وجدت أن الناس "أخذوا يقتنعون" بفكرة أن البيئة مهمة وأنه يجب القيام بشيء ما بشأن تغير المناخ. "الناس أكثر انسجاما مع هذه القضية في هذه المنطقة أكثر مما أشاد به آخرون"
سافرت على درب الحملة مئات الأميال، وهي تطرق الأبواب للحصول على أصوات الأسر التي تواجه احتمال فقدان العمل.
وتقول: "إنهم يقبلون ذلك، ولكن بعواطف مختلطة. أعتقد أنه مزيج من الغضب والحزن، والحنين لعصر مضى، لكنهم تركوا في حالة من النسيان".
التوترات حول الإغلاق الوشيك لمستنقعات إيرلندا هي نموذج مصغر لنزاع يدور في أنحاء كثيرة من العالم: الحاجة إلى مواجهة التهديد الوجودي المتمثل في ظاهرة الاحتباس الحراري، مقابل التكاليف التي يتحملها من تركوا لمصيرهم.
بالنسبة إلى واضعي السياسات، هذا عمل يحتاج إلى توازن دقيق: هل يمكن استعاضة الوظائف التي تدعمها الدولة التي تلحق الضرر بالبيئة بوظائف لا تضر بها؟
وما الذي يضيع في محرك لدفع النشاط الجديد كمؤسسة قديمة يموت تاريخها وثقافتها المتميزة؟
تدير هاكيت وزوجها مزرعة عضوية بالقرب من جيسهيل، وهي قرية في أوفالي. نشأت هاكيت في منطقة مايو في غربي إيرلندا، ودرست الزراعة في بريطانيا. انضمت إلى حزب الخضر في وقت آخر انتخابات عامة، عام 2016: "قرأت البيان ووجدت نفسي أومئ برأسي موافقة. انضممت بعد ذلك بفترة وجيزة".
وتضيف أن الحزب لا يضم أكثر من 40 ناشطا في المنطقة. أكبر قوة سياسية على المستوى المحلي هو حزب فيانا فيل الوسطي الذي سيطر على السياسة الإيرلندية خلال معظم القرن الـ20: "هذا شيء يصعب الوصول إليه" وفق ما أضافت.

هيمنة المستنقعات الإسفنجية الداكنة
في هذه المنطقة، تهيمن المستنقعات الداكنة الإسفنجية على المشهد، حيث امتصت الأرض الإرث القديم من الغطاء النباتي منذ آلاف السنين، عندما انحسرت وجفت بحيرات العصر الجليدي.
كثيرا ما كان ينظر إلى المستنقعات باعتبارها أراضي قاحلة غير صالحة للزراعة، لكن هذه التضاريس الندية تشغل أيضا مكانا خاصا في الخيال الإيرلندي، حيث تلهم أجيالا من الرسامين والفنانين الآخرين.
وهي تبرز بشكل ملحوظ في أعمال الراحل سيموس هيني، الشاعر الحائز جائزة نوبل الذي وفر له هذا صلة بماضي البلاد العميق.
وكتب في "بوجلاند" (1969): "ليس لدينا مروج. بلدنا غير المسور -هو المستنقع الذي يحافظ على القشرة- بين مشاهد الشمس ... الأرض نفسها لطيفة، زبدة سوداء -تذوب وتتفتح تحت الأقدام".
صاحب العمل الكبير في ميدلاندز منذ فترة طويلة هو بورد نا مونا، وهي شركة مملوكة للدولة تستخرج الخث من المستنقعات.
هذه المادة التي يتم حفرها من الأرض في ألواح مستطيلة، كانت لفترة طويلة الوقود الأساس في إيرلندا للطبخ وتدفئة المنازل.
على أن الشركة التي أسست تحت اسم مختلف من قبل الحكومة في أوائل الثلاثينيات حولت هذه العملية إلى إنتاج صناعي.
كان هدفها ذا شقين: توفير فرص عمل في منطقة ضعيفة اقتصاديا، حيث لم تكن هناك فرص بديلة كثيرة للعمل المستقر وتعزيز أمن الطاقة الوطني.
كانت الدولة الإيرلندية الحرة الناشئة التي حصلت على الاستقلال عن بريطانيا عام 1922، تفتقر إلى الفحم والنفط الأصليين.

تاريخ شركة بورد نا مونا
"تاريخ بورد نا مونا" بقلم دونال كلارك إلا أن تود أندروز المحارب القديم في حرب الاستقلال الإيرلندية كان هو الأب المؤسس لشركة بورد نا مونا، حيث رأى أن تطوير الخث هو مسعى وطني.
"اعتبر صناعة العشب وسيلة للحياة و"حملة عامة وليست مشروعا تجاريا". بالنسبة إليه، فإن "مجرد وجود مستنقعات النفايات" هو "إهانة لفخرنا الوطني".
تتعرض شركة بورد نا مونا لانتقادات شديدة منذ سنوات عديدة من قبل رواد البيئة بسبب تخريبها للمستنقعات التي تمثل حوضا طبيعيا للكربون، وموئلا أساسيا للنباتات والحيوانات.
بيد أنه في معاقل الشركة، كان ينظر إلى الوقود على أنه "ذهب بني"، يوفر دخلا حيويا.
زادت عمليات الاستخراج بشكل جذري، عندما انهارت واردات الفحم خلال الحرب العالمية الثانية، مع كون الخث الوقود الوحيد المتاح على نطاق واسع في إيرلندا.
"لم يمت أحد بسبب البرد"، كما كتب أندروز لاحقا. في السنوات الضعيفة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية في الخمسينيات، عندما حفز الاقتصاد الفاشل الهجرة القوية، بنت الشركة قرى وعقارات سكنية للعمال. عدة أجيال هنا كانت تكسب رزقها مع الشركة، من طحن الخث الذي لا يزال ينقل من المستنقعات المعزولة على شبكة لهذا الغرض تمتد لمسافة 700 كم، تحمل الوقود من تسع مقاطعات إلى ثلاث محطات كهرباء.
في ذروة عمل الشركة، كان هناك عمل لأكثر من سبعة آلاف شخص، كثير منهم من العائلات نفسها، حيث تبع الأبناء الآباء إلى الشركة.
يتذكر جوني دان، 64 عاما الذي يدير مكتبا للتشغيل المجتمعي في داينجين، بالقرب من عديد من مستنقعات الشركة، أن الناس كانوا يكسبون "أموالا جيدة" عندما كان إخوته وعمه يعملان في بورد نا مونا.
كان الرجال المحليون يتجمعون في الساعة 6.30 صباحا لنقلهم إلى المستنقعات. يقول: "استفاد الجميع في هذا المجتمع بأكمله من "بورد نا مونا" عمل جميع أفراد عائلتي لديها، وكانت لها آثار كبيرة". وأضاف: "كانت جميعا وظائف جيدة للرجل المحلي العادي الذي ربما ذهب إلى المدرسة الثانوية، وبعد سن 16 أو 17 انتقل إلى تلك الوظائف. لم يكونوا أغنياء، لكن تحسنت أحوالهم وتحسن مستوى المعيشة لديهم. كان هذا مهما. كان الرجل العادي قادرا على امتلاك المال في جيبه".
بعد نحو قرن من تأسيسها، تحتفظ شركة بورد نا مونا بنفوذ كبير في ميدلاندز. لديها ألفان من الموظفين المباشرين والعدد نفسه من الموظفين الآخرين، في الصناعات المساندة.
المناخ المتغير أحدث التعطيل في أعمال الشركة التي لا تزال أكبر مزود للوقود الأحفوري في إيرلندا.
في هذا العام، ستسرح الشركة ربع موظفيها، في الوقت الذي تحد فيه من أعمال الاستخراج، وكل ذلك جزء من محاولة لوقف أخذ الخث من الأرض بحلول عام 2025 أو 2026.

نهاية الخث أم ميلاد عبر وقود هجين؟
هذا يمكن أن يحدث قبل الوقت المحدد. في الأيام الأخيرة، رفض المخططون اقتراحا لتحويل محطة طاقة تعمل بالخث، لتعمل بوقود هجين بخلطه مع كتلة حيوية مستوردة اعتبارا من العام المقبل، ما أثار التشكيك في استراتيجية الشركة وتهديد مئات الوظائف الإضافية.
في محاولة للحفاظ على التوظيف، تزيد الشركة من الاستثمار في طاقة الرياح والشمس، وفي إعادة التدوير.
على أن الابتعاد عن الخث زاد من القلق بشأن تراجع القرى والبلدات التي ساعدت شركة بورد نا مونا في الحفاظ عليها لعدة عقود.
بالنسبة إلى ميدلاندز، فإن التحول أمر بالغ الأهمية. يقول دون: "لسوء الحظ، تتغير الأوقات وعلينا أن نتغير معها".
الرجل المسؤول عن انسحاب شركة بورد نا مونا "المؤلم للغاية" من أعمال الاستخراج هو توم دونيلان، وهو مدير تنفيذي سابق لدى شركة ألكاتيل لوسنت وأصبح العضو المنتدب للشركة في ربيع عام 2018، بعد أن عمل لمدة 20 عاما في كل من فرنسا والولايات المتحدة.
دونيلان، وهو من مقاطعة كلير على الساحل الغربي لإيرلندا، تولى الوظيفة على أساس أنه سيدير عملية الانتقال بعيدا عن الخث والإشراف على محاولة الشركة لتطوير وظائف بديلة في مجال الطاقة المتجددة وغيرها من القطاعات.
بعد فترة وجيزة من انضمامه إلى شركة بورد نا مونا، دفع إلى طرح خطته التي ترمي إلى التوقف عن استخدام الخث للحصول على الطاقة حتى عام 2028 بدلا من 2030. سيتم تخفيض عدد الموظفين هذا العام إلى نحو 500، ومن المحتمل أيضا أن يتم التخلص من عدد مماثل من الوظائف المساندة.
يقول دونيلان: "أي تسريح للوظائف يكون صعبا، فنحن حريصون جدا على عدم محاولة ذلك وتجميله".

إيرلندا تتخلف عن ركب أوروبا


تعد إيرلندا من بين الأسوأ في العالم المتقدم من حيث خفض انبعاثات الكربون وتبني الطاقة المتجددة، وذلك وفقا لبحث أجرته مجموعة جرمانووتش للحملات البيئية ومقرها في بون. ستفوت إيرلندا هدفها الدولي لخفض الانبعاثات لعام 2020.
اعترف رئيس الوزراء ليو فارادكار بأنه يجب على البلاد الآن أن تلحق بالركب: “العمل المناخي ليس مجالا لدينا فيه كثير من المصداقية في الوقت الحالي، وهذا شيء نحتاج إلى تغييره كي نتمتع بمصداقية في الحديث إلى بلدان أخرى”.
انتقال شركة بورد نا مونا من الخث يحمل موافقة الحكومة لا يمكن لأي شركة مملوكة للدولة أن تسير في طريق تخفيض الوظائف على نطاق واسع دون موافقة سياسية على أعلى مستوى.
هذا لا يزال يمثل انقطاعا مفاجئا عن الماضي للشركة، وهو ما وصفه دونيلان بأنه “صدمة ثقافية” لعمالها. “لا يزال الأمر صعبا بالنسبة للأشخاص الذين عملوا في هذه الشركة لمدة 40 عاما إنهم موجودون، وأنا ألتقي بهم كل يوم، أو 45 عاما، ممن قضوا كل حياتهم هنا. عندما تخبرهم بذلك يقولون: “لقد بدأنا نخرج من صناعة الخث”، هم يفهمون ذلك ويستوعبون الفكرة، لكنه لا يزال يشكل صدمة لهم”.
دونيلان جالس في مكتب قليل الأثاث ومعزول في وسط مستنقع شاسع في جبل لوكاس، بالقرب من داينجين يقول: انتهى الخث هنا منذ فترة طويلة، وتم تجريده بلا هوادة خلال 50 عاما من الاستخراج.
في عام 2014، أنشأت شركة بورد نا مونا محطة للرياح في الموقع تضم الآن 28 توربينا أبيض ضخما. وهي مرئية من على بعد أميال، تحوم وتتحرك محدثة أصواتا في الهواء.
يقول دونيلان، مشيرا إلى خارج النافذة، إن الشفرات الدوارة هي دلالة على انتقال صعب إلى الحفاظ على البيئة من الطاقة البنية.
وتخطط الشركة التي بنت أول محطة رياح تجارية في إيرلندا في عام 1992، لافتتاح 13 محطة أخرى.
“نرى فرصة في مصادر الطاقة المتجددة. لدينا 200 ألف فدان من الأراضي، وكثير منها في مناطق نائية بشكل معقول. لدينا القدرة على تنفيذ مشاريع واسعة النطاق. كانت جهة ما تستخرج الخث هنا منذ عدة سنوات، ونحن الآن ننتج الكهرباء المتجددة، التي تزود الكهرباء إلى عشرات الآلاف من المنازل”.
نركب في سيارته حيث يقودنا تحت التوربينات الدوارة إلى مشروع جديد آخر، مزرعة أسماك المياه العذبة التجريبية التي يمكن أن تبشر بدخول شركة بورد نا مونا إلى قطاع الأغذية.
في الأحواض الدائرية المحفورة في الأرض، تتولى الشركة تربية الآلاف من سمك التراوت وسمك الفرخ.
الهدف من ذلك هو تقييم ما إذا كانت الطحالب التي تنمو في الأراضي القاحلة، يمكن أن تعمل كمرشح طبيعي لتنظيف المياه، وبالتالي تخفيض التكاليف.
لا يزال هذا البرنامج المعقد غير مثبت، على الرغم من أن دونيلان يرى إمكانية لإيجاد مئات الوظائف من خلال الاستفادة من الطلب العالمي المتزايد على الأسماك المستزرعة. “يمكن أن تشغل أعمالك في المعالجة والتوابل والتدخين والتعبئة والتغليف والتجميد وسيكون من الواضح أن ذلك هو لسوق التصدير. نتوقع أن يوفر ذلك ما بين 200 وألف وظيفة، حسب المكان الذي سيقع فيه”.
طموح دونيلان يلقى شكوكا من بعض العمال. يقول فينيان أونيل، الذي يعمل في طحن الخث الموسمي منذ عام 2008 وهو ممثل لأكبر نقابة عمالية في إيرلندا: “سأكون صادقا معك، من الصعب أن نرى نجاح ذلك الآن”.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES