FINANCIAL TIMES

تشابك العالمين الافتراضي والواقعي يجلب فرصا ومخاطر

تشابك العالمين الافتراضي والواقعي يجلب فرصا ومخاطر

مقاطع الفيديو التي تولدها برامج الذكاء الاصطناعي التي تصور فيها أناسا يبدون حقيقيين، لكنهم في حقيقة الأمر هم المساعدون الرقميون الذين يتظاهرون بأنهم بشر، أضافت لمسة جديدة إلى عصر ما بعد الحقيقة. كيف تعرف أن ما تشاهده حقيقي، أو أن الأشخاص الذين تتفاعل معهم على وسائل التواصل الاجتماعي هم بشر في الواقع؟ تنامي القلق الناشئ عن ذلك أفضى أخيرا إلى أول جلسة استماع للكونجرس الأمريكي لمناقشة مخاطر تكنولوجيا الـ"ديب فيك".
لكن التكنولوجيا الكامنة وراء هذا التهديد على الديمقراطية تسلط الضوء أيضا على عصر جديد في عالم الوسائط الرقمية. اللعب على الحدود بين العالمين الرقمي والبشري، يعتمد غالبا على وعي المشاهدين بأن المجالين أصبحا أكثر تشابكا.
مقطع الفيديو المزيف لمارك زوكربيرج؛ الرئيس التنفيذي لـ "فيسبوك"، الذي نشر أخيرا على نطاق واسع، يبرز الخط الفاصل بين الأخبار المزيفة والترفيه. الفيديو - الذي يبدو أن زوكربيرج؛ يعترف فيه بسوء تعامله مع البيانات بصوت من الواضح أنه ليس صوته - يعتمد على استيعاب المشاهد أن من يتحدث ليس مؤسس "فيسبوك".
قد يكون استخدام هذه التكنولوجيا لصنع مقاطع الفيديو الساخرة ملحوظا، إلا أن عديدا من الأمثلة الجديدة بدأ يظهر بين حدود العالمين الواقعي والافتراضي.
تشمل هذه الأمثلة مشاهير رقميين مثل العارضة ليل ميكويلا Lil Miquela، الشخصية التي تم إنشاؤها بوساطة الكمبيوتر. لديها 1.6 مليون متابع على منصة "إنستجرام"، الصور التي تنشرها تجعلها كأنها تعيش في العالم الحقيقي، إلا أنها لا تخفي طبيعتها الرقمية أبدا. منحتها شهرتها مكانا في إعلانات شركات مثل "إقز" Uggs و"كالفين كلاين".
اتجاهات التكنولوجيا التي تقود هذا الانفجار في إيجاد المحتوى الذي يحصد عدد مشاهدات كبيرا تعد أمرا مألوفا تماما. مثلا، يمكن العثور على كثير من البرامج اللازمة لإنشاء الـ "ديب فيك" في مستودعات الشفرة مفتوحة المصدر. تسببت الحوسبة السحابية في خفض تكلفة طاقة المعالجة الضخمة اللازمة لتدريب أنموذج تعلم الآلة ووضعتها في أيدي أي شخص يملك بطاقة ائتمانية.
استخدمت أحدث خوارزميات تعلّم الآلة هذه البنية التحتية التكنولوجية الواسعة النطاق والمنخفضة التكلفة استخداما جيدا. برامج الذكاء الاصطناعي المستخدمة في تكنولوجيا الـ"ديب فيك" –المعروفة باسم شبكة الخصومة التوليدية– تستخدم شبكتين عصبيتين للتعلم من بيانات العالم الواقعي، ومن ثم محاكاتها ثم صقل الناتج حتى يقترب من مطابقة الشيء الحقيقي. إلى جانب مقاطع الفيديو، نتج عن ذلك أنظمة كتابة تلقائية يمكنها أن تكتب نثرا يبدو حقيقيا ومولدات سمعية قادرة على إنتاج موسيقى حسب الطلب.
من المحتمل أن تكون فرص الأعمال والمخاطر التي تنشأ عن هذا التوغل الرقمي في العالم الحقيقي كبيرة. "بيتا ويركس" Betaworks، حاضنة التكنولوجيا في نيويورك، صاغت مصطلح "الوسائط الاصطناعية" لوصف هذا. يمكن أن تحاكي الأشكال الرقمية الجديدة الإنسان أو تحل محله، لكن من المرجح أن تأتي التطورات الأكثر إثارة للاهتمام من دمج الاثنين.
تنبع إحدى الفرص التجارية الواضحة من الحاجة إلى التعرف على الـ"ديب فيك" والتخلص من برامج الروبوتات غير المشروعة. مثل مكافحة الرسائل غير المرغوبة، أصبحت هذه الحاجة واجهة مهمة في مكافحة التلوث الرقمي.
يمكن أن يضيف هذا أيضا إلى تقدير قيمة الوسائط الموثوق بها ومنصات التكنولوجيا التي تحرص على أن تكون لديها ميزة حماية داخلية ضد هذه الموجة المتصاعدة من التزييف. لكن هذا لن يحدث إلا إذا كان المشاهدون يريدون الحقيقة: ظهور الأخبار مزيفة كشف عن حقيقة غير مريحة مفادها أن الكثير من الناس يتقبلون تصديق أي خبر يؤكد وجهات نظرهم، حتى لو كان لديهم شك في أن بعضها قد يكون مزيفا.
كما هو الحال مع جميع التكنولوجيا الجديدة، من المحتمل أن يأتي كثير من التطبيقات الأولى لإنتاج المحتوى المستند إلى الذكاء الاصطناعي من محاولات لتوفير المال عن طريق استبدال الأنشطة البشرية القائمة والمكلفة. في وقت سابق من هذا العام، وقعت "وورنر براذرز" أول عقد تسجيل لها مع شركة ذكاء اصطناعي ناشئة لإنتاج موسيقى من صنع الكمبيوتر. تصمم المقطوعات الصوتية لإنشاء خلفية سمعية، مثلا "موسيقى للنوم" للحد من القلق.
مثال آخر لهذه الرغبة في توفير المال كان انتشار روبوتات الدردشة chatbots. توفير التفاعلات البسيطة مع العملاء من قبل عاملين رقميين له جاذبية واضحة - لكن اختلاف الجودة بين عديد من برامج الدردشة المبكرة كشف عن أوجه القصور في معالجة اللغة الطبيعية، فضلا عن التصميم الرقمي غير المدروس من قبل صانعي هذه البرامج.
وفقا لجون بورثويك؛ رئيس "بيتا ويركس"، الخطوة التالية، والأكثر إثارة للاهتمام، في إنشاء المحتوى الرقمي ستكون استحداث وظائف جديدة تماما، بدلاً من مجرد تخفيض التكاليف على أنواع خدمات المحتوى الموجودة. مثلا، لعبة "بوكيمون جو" Pokémon Go للهواتف المحمولة كانت أول ما أثبت أن الواقع المعزز – وضع الأشياء الرقمية في العالم الحقيقي – يمكن أن يحقق نجاحا كبيرا.
التكنولوجيا القوية موجودة بالفعل. بعيدا عن الحيل والتزييف، بدأت تتضح معالم عالم إعلامي جديد.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES