FINANCIAL TIMES

ذعر براءات الاختراع يطلق صفقات ضخمة في قطاع الأدوية

ذعر براءات الاختراع يطلق صفقات ضخمة في قطاع الأدوية

شركة الأدوية الأمريكية "أب في" AbbVie بدأت العام بأن تعلمت درسا في أخطار إبرام الصفقات، عندما خفضت من قيمة استحواذها عام 2016 على شركة ستيمسنتركس Stemcentrx لتطوير علاج السرطان.
لكن رسوم التخفيض البالغة أربعة مليارات دولار على ستيمسنتركس لم تكن كافية لردع "أب في" عن الإعلان الأسبوع الماضي عن استحواذها على شركة أليرجان لصناعة البوتوكس مقابل 63 مليار دولار.
ومع أن أسهم "أب في" تتعرض لضغوط منذ الإعلان عن الصفقة، يقول محللون إن سعي الصناعة إلى الحصول على الدواء التالي المدر للأموال بسبب انتهاء صلاحية حماية براءات الاختراع - وخطر عدم العثور على براءة اختراع - يعني أن أي انتكاسات تحدث سرعان ما سيتم طيها في صفحات التاريخ.
في الواقع ميل "أب في" ميل "أليرجان" هو الأحدث في موجة من صفقات شركات الأدوية الرائجة هذا العام، التي بدأتها شركة بريستول - ميرز سكويب في كانون الثاني (يناير) الماضي بعرض قيمته 74 مليار دولار لشراء "كيلجين". نحو 92 مليار دولار تم إنفاقها في الربع الأول وحده، وهو أكبر إجمالي فصلي منذ عام 2014، وفقا لشركة إيفاليويت فارما.
توجد ضرورة ملحة لإعادة بناء خزانة الأدوية لدى "أب في" التي ستفقد خلال السنوات الأربع المقبلة حقها الحصري في الولايات المتحدة على عقار "هوميرا"، دواء التهاب المفاصل الذي يعد أفضل الأدوية الموصوفة مبيعا في العالم.
استمرار نمو خط الإنتاج الرئيسي عندما تنتهي صلاحيات براءات الاختراع على العقاقير الرئيسية "سيصعب تحقيقه للغاية (...) إلا أن ذلك لن يمنع الشركات من المحاولة"، حسبما يلاحظ جون رونتري، الشريك في "نوفاسيكتا"، وهي شركة استشارية في مجال الأدوية. إنها ديناميكية تعني أن مزايا مثل هذه الصفقات الضخمة لا تحظى دائما بالقدر الكافي من التدقيق.
أنتوني هارتلي، رئيس قسم الخدمات المصرفية الاستثمارية في مجال الرعاية الصحية في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في "سيتي"، أشار إلى أن "الاندماجات الضخمة" بين شركات الأدوية تعد ظاهرة حديثة نسبيا.
حتى التسعينيات من القرن الماضي، كانت شركات الأدوية تميل إلى أن تكون أصغر "وقلة قليلة منها لديها ما نشير إليه الآن باسم العقاقير الرائجة"، على حد قوله. أول موجة ملموسة من عمليات الاندماج والاستحواذ واسعة النطاق لم تظهر إلا مع بدء انتهاء براءات الاختراع الخاصة بالجيل الأول من مثل هذه العقاقير قبل عقد من الزمن.
كان هناك عدد من الصفقات الضخمة في عام 2009، بما في ذلك استحواذ شركة فايزر على شركة ويث، واستحواذ شركة ميرك على شركة شيرينج بلاو، واستحواذ شركة روش على شركة جينينتيك. عموما، شكلت شركات الأدوية 7.6 في المائة من عمليات الاندماج والاستحواذ العالمية، ويعزى ذلك جزئيا إلى أن القطاع أثبت أنه ذو مناعة أكثر من أغلبية الشركات ضد الانكماش العام، وهو رقم سيتحسن بعد ذلك، إذا كان عام 2014 هو العام الأقوى التالي، بنسبة بلغت 6.4 في المائة، وفقا لبيانات مقدمة من شركة ديلوجيك.
لكن من خلال مقياس واحد، على الأقل، أثبتت هذه الصفقات أنها سلبية بالنسبة إلى الشركات المعنية. مايكل ليفيسك، نائب الرئيس الأول في وكالة موديز للتصنيف، أشار إلى أن عمليات الدمج أدت في جميع الحالات إلى تخفيض التصنيف الائتماني للشركات المستحوذ عليها، التي لم ينتعش أي منها بالكامل.
وقال: "عمليات الاندماج الضخمة جميعها تميل إلى أن تكون ذات تصنيف ائتماني سلبي، لأن الزيادة في الرفع المالي تجاوزت فوائد هذا الاستحواذ". وكالة التصنيف تعكف حاليا على تقييم ما إذا كان سيتم تخفيض تصنيف شركة بريستول - ميرز سكويب بعد صفقة "كليجين".
على الرغم من أن المطالبات الجريئة بشأن تعزيز أداء البحث والتطوير غالبا ما تصاحب إعلانات الدمج، إلا أن مثل هذا الخطاب لا يتوافق دائما مع ما يليه.
جاك سكانيل، محلل في "يو بي إس"، نشر باستفاضة عن مشكلات الإنتاجية في الصناعة، قال: "إجماع الصناعة هو أن عمليات الاندماج أثبتت في كثير من الأحيان أنها مضرة جدا بالبحث والتطوير".
وأشار إلى اندماج شركة جلاكسو ويلكم مع شركة سميث كلاين بيتشام قبل 20 عاما تقريبا، ما أدى إلى ميلاد شركة عالمية ضخمة هي "جلاكسو سميث كلاين"، الأمر الذي أظهر أن "العملية لم تكن سهلة ’التصنيع‘ كما كان يعتقد الناس والجمع بين قسمي البحث والتطوير لمنظمتين معا لم ينتج منه كمية هائلة من الربح والتضافر".
في حين أن الجمع بين "كلا المكتبتين" لشركتين مختلفتين لا بد أن يضاعف قوتها، إلا أن الوضع يميل في الممارسة العملية إلى "وجود قدر هائل من التداخل" بين كنوز المعرفة الإكلينيكية لكل شركة، وهذه حقيقة لا يمكن تمييزها إلا بعد أن تكون عملية الاندماج قد دخلت حيز التنفيذ.
نعيمه داوسون، مديرة مجموعة بوسطن الاستشارية التي عملت على عدد من عمليات الدمج بين شركات الأدوية على مدى الأعوام الـ25 الماضية، جادلت بأن مثل هذه الصفقات تميل إلى أن تكون أكثر تعقيدا بكثير من تلك الموجودة في الصناعات الأخرى.
داوسون التي تمتد خبرتها إلى عدد من القطاعات، قالت إن صفقات شركات الأدوية الضخمة يمكن أن تكون "فريدة من نوعها" في تعقيدها. "لديك منظمتان، غالبا ما تكونان كبيرتين جدا، تنشطان عادة في 60 أو 70 أو 80 بلدا"، يحتمل أن تستخدم كل منهما نموذجا تشغيليا مختلفا - مثلا واحدة تقسم مسؤوليات الإدارة حسب الجغرافيا، والأخرى حسب فئة الدواء.
وألقت الضوء على اندماج شركة الأدوية الفرنسية الضخمة "سانوفي" في عام 2011 مع "جينزيمي"، المتخصصة في الأمراض النادرة، باعتباره مثالا على صفقة ناجحة، لأن القادة كانت لديهم رؤية واضحة لكيفية إيجاد قيمة - وهو ما لا يكون دوما من معطيات اندماج شركات الأدوية الضخمة.
شركة سانوفي "تولت السيطرة بسرعة كبيرة"، محددة ضرورة معالجة قضايا الجودة في التصنيع ودمج الأقسام العامة والإدارية للشركة. وكذلك اتخذت منهجا إبداعيا لأصول الشركات المندمجة حديثا، إذ نقلت بعضا من "سانوفي" إلى "جينزيمي"، والعكس صحيح.
وأوضحت داوسون أن "المبدأ كان أن أفضل ’مالك‘ من حيث الهيكل التنظيمي سيدير خط الأنابيب والمنتجات التجارية"، مضيفة أن "سانوفي" قدمت "رؤية طويلة المدى لما يمكن أن تمثله شركة جينزيمي داخل شركة سانوفي"، ما يحمي ويعزز ثقافتها.
أحد الجوانب البارزة لعمليات الاندماج الكبيرة لشركات الأدوية في السنوات الأخيرة كان الافتقار إلى المنافسة على الأصول، مع وجود مشتر واحد راغب في معظم الحالات.
أشار هارتلي، من "سيتي"، إلى أن هذا يعكس الشكل الحالي للصناعة، إذ أصبحت الشركات التي كانت ذات يوم "أكثر تركيزا على نطاق واسع"، تتحول الآن إلى متخصصة بشكل متزايد - ما يحد بدوره من عدد الشركات التي تمثل توافقا استراتيجيا وتساعد على تعزيز امتياز متعثر.
وقال: "العلاوات في القطاع أكبر من المتوسط طويل الأجل في الوقت الحالي. وعادة ما يكون لدى الشركات المستهدفة وجهة نظر قوية فيما يخص قيمتها هي بالذات، وبالتالي تنخرط في مساومات صعبة".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES