FINANCIAL TIMES

فخ التكنولوجيا يخاطر باستعادة مساوئ الثورة الصناعية

 فخ التكنولوجيا يخاطر باستعادة مساوئ الثورة الصناعية

 فخ التكنولوجيا يخاطر باستعادة مساوئ الثورة الصناعية

 فخ التكنولوجيا يخاطر باستعادة مساوئ الثورة الصناعية

 فخ التكنولوجيا يخاطر باستعادة مساوئ الثورة الصناعية

 فخ التكنولوجيا يخاطر باستعادة مساوئ الثورة الصناعية

ما لا شك فيه هو أن الأجيال المتعاقبة قد استمتعت بالثمار الاستثنائية "للإثراء الكبير" الذي نتج عن الثورة الصناعية.
تغير وجه العالم من خلال مكننة الزراعة والصناعة، ما أدى إلى ارتفاع مذهل في مستويات المعيشة في بريطانيا، وكثير من أجزاء العالم الأخرى.
على أن الاتهام بمعارضة التكنولوجيا اليوم، يوحي بالطيش بمقاومة التقدم ومخاصمة التغيير بل وبالذنب في عرقلة عجلة حراك الحياة.
كارل بينديكت فراي يجادل في كتابه المثير للتفكر حول الثورات التكنولوجية، بأن قراءة التاريخ على هذا النحو تخفي حقيقة مهمة: معارضو التقدم التكنولوجي كانوا محقين.
للأسف، معظم الذين عاشوا خلال هذا الاضطراب الاقتصادي الهائل لم يكونوا من بين المستفيدين الرئيسيين.
من الصعب الجدال مع الكاتب الشيوعي فريدريش إنجلز، المطلع تماما على الطواحين الشيطانية المظلمة في بريطانيا في القرن التاسع عشر، عندما كتب أن الصناعيين الذين يمتلكون الآلات: أصبحوا "أثرياء على حساب بؤس جمهور من مكتسبي الأجور".

الفكرة الرئيسية للكتاب
ما يهم المؤلف في كتاب "فخ التكنولوجيا" أنه ما لم نكن حذرين للغاية، فقد يتبين أن ثورتنا التكنولوجية الأخيرة هي إعادة صاخبة لظهور الثورة الصناعية، مع عواقب اجتماعية وسياسية وخيمة.
يكتب فراي: "رسالة هذا الكتاب هي أننا كنا هنا من قبل".
توصل استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث في عام 2017 إلى أن 85 في المائة من المستجيبين في الولايات المتحدة، يفضلون أن تعمل السياسات على تقييد صعود الروبوتات.
هناك احتمال كبير بأن دافع مقاومة التقدم التكنولوجي قد يعود.
تحليل فراي يستحق أن يؤخذ على محمل الجد لأن فراي، أستاذ التاريخ الاقتصادي وخبير الاقتصاد في جامعة أكسفورد، بحث في موضوعه بعمق وشارك في تأليف واحدة من أكثر الدراسات استشهادا على نطاق واسع حول الأتمتة.
بحثه في عام 2013، الذي كتبه مع خبير التكنولوجيا مايكل أوزبورن، قدر أن 47 في المائة من الوظائف في الولايات المتحدة معرضة لخطر كبير من الأتمتة بسبب تأثير الذكاء الاصطناعي.
من المؤكد أن فراي منفتح على فكرة أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى زيادة هائلة في الإنتاج، تماما كما شهدنا في الثورة الصناعية.
إلا أن الخطر هو أنه سيتم توزيع المكاسب بشكل غير متكافئ، وستستغرق وقتا ليستفيد منها الجميع.
في "المدى القصير يمكن أن يكون عمرا في أعين البعض" حسب قوله.
بالتأكيد كان ذلك المدى القصير أكثر من عمر طويل بالنسبة إلى معارضي التقدم التكنولوجي الأصليين.
عمال النسيج الذين حطموا الآلات في مصانع القطن والصوف في جميع أنحاء إنجلترا - بالذات وسط البلاد في الفترة الممتدة من عام 1811 إلى عام 1816 - كانوا كما يجادل فراي، فاعلين اقتصاديين عقلانيين تماما، في إشارة إلى: "الحركة اللاضية Ludite".
إدخال الإطارات المائية وآلات التمشيط والغزل أدى إلى القضاء على كثير من الوظائف، وجذب عمالة أطفال رخيصة إلى القوة العاملة وخفض الأجور.
النساجون اليدويون، الذين كانوا معروفين بأنهم ارستقراطيون بين العمال، أصبحوا الخاسرين المأساويين للثورة الصناعية.

الدور المزدوج للآلات
في كتابه الذي صدر في عام 1797 عن الفقر، كتب السير فريدريك إيدن أن الآلات عززت الثروة العامة، لكنها: "قذفت بكثير من الأفراد المجتهدين خارج العمل؛ وأوجدت أوضاع ألم ومشقة، كانت في بعض الأحيان كارثية للغاية".
يضيف فراي: "هناك نحو من ثلاثة أجيال من العمال الإنجليز أصبحوا في أسوأ حال بسبب السماح للابتكار التكنولوجي بالازدهار. تحقيق الفوائد الكاملة للثورة الصناعية استغرق أكثر من قرن".
المصانع التي غذت الثورة الصناعية في وقت لاحق، ودعمت الإمبراطورية البريطانية كانت بالتأكيد أماكن عمل بائسة، وخطيرة، كما لاحظ إنجلز.
تم تقدير متوسط العمر المتوقع في مانشستر في عام 1850 بنحو 32 عاما، أي أقل بكثير من المتوسط الوطني البالغ 41 عاما. كما كان الرجال في عام 1850، في المتوسط، أقصر مما كانوا في عام 1760.
من المنطقي الإشارة إلى أن جزءا من السبب وراء تسارع الثورة الصناعية في بريطانيا، بينما توقفت في أماكن أخرى، كان وحشية السلطات في قمع المعارضة. في عام 1769، صدر تشريع جعل عقوبة تدمير الآلات الإعدام.
في عامي 1812 و 1813، تم شنق أكثر من 30 شخصا من معارضي التقدم التكنولوجي.
على عكس الفرنسيين، كانت الحكومات البريطانية مستعدة لنشر الإكراه الجماعي لقمع تحطيم الآلات، لأنها كانت أكثر قلقا من التهديدات الخارجية، وليست الداخلية. بحسب تعبير فراي، كانت الثورة الصناعية مسؤولة عن كثير من التقنيات الثورية، لكنها كانت أيضا مسؤولة عن ظهور كثير من الثوار السياسيين.
علق كثير من البلدان الأخرى الثورة الصناعية، أو ما يدعوه فراي "فخ التكنولوجيا"، فقد جرت مقاومة شديدة للآلات التي تستبدل العمال خوفا من قوتها المدمرة.
تأثير النقابات "الطوائف" في العصور الوسطى، التي كانت نشطة بشكل خاص في منع كثير من الابتكارات التي تم تطويرها خلال عصر النهضة، بقي لفترة طويلة.
"نجحت النقابات بشدة في مقاومة تقنيات كانت ترى أنها تهدد مهاراتهم وقدرتهم على التربح".
حجة فراي هي أننا نقلل من التكلفة البشرية للثورة الصناعية بسبب التجربة المختلفة جدا، والأكثر سعادة بكثير للأتمتة التي شهدتها أمريكا في القرن الـ20.
على وجه الخصوص، ينتقد خبراء الاقتصاد الذين يعدون هذه الفترة اللاحقة من "النشاز الإحصائي" بأنها تحتوي إلى حد ما على قوانين ثابتة وعالمية حول التقدم التكنولوجي.
الاختلاف الأكثر أهمية بين الحقبتين كان في أن التكنولوجيا في الأساس كانت تمكن العمالة خلال القرن الأمريكي، بينما كانت في الغالب تستبدل العمالة في القرون السابقة.
صحيح أنه تم القضاء على بعض الوظائف، مثل مشعلي مصابيح الشوارع والمصاعد، تماما.
في المقابل، نجد أن الكهرباء ومحرك الاحتراق الداخلي، وهما اثنتان من التكنولوجيات ذات الأغراض العامة في القرن الـ20، ساعدتا على تحسين الرفاهية المادية بالنسبة إلى أغلبية العاملين.

القرن الـ20 .. قرن النماء والمساواة العظيم
يكتب فراي، "في حين أن القرن الـ20 كان فترة التحول غير المسبوق في سوق العمل، إلا أن أنه كان أيضا فترة كان لا يزال بإمكان معظم العاملين فيها توقع الاستفادة منها".
الأرباع الثلاثة الأولى من القرن الـ20 تعد بحق: "أعظم فترة على الإطلاق لتحقيق المساواة بين الناس".
تم تحويل الإنتاجية الزراعية من خلال الآلات التي حررت ملايين العاملين من العمل في الأرض، فقط، ما أتاح فائضا من جيوش العمل في الصناعة والخدمات.
نسبة المزارع التي تستخدم الجرارات زادت من 3.6 في المائة في عام 1920 إلى 80 في المائة بحلول عام 1960.
مكننة المنزل حررت ملايين النساء من الأعمال المنزلية التي تستهلك الوقت، مثل الغسالة بالذات، كان الأمر الذي مكنهن من دخول القوة العاملة الرسمية وزيادة دخل الأسرة.
إدخال المياه الجارية والكهرباء والثلاجات والغسالات أدى إلى خفض أسبوع العمل لربة المنزل، بمعدل مذهل بلغ 42 ساعة بين عام 1900 وعام 1966.
كانت لدى التكنولوجيا ميزة مضافة تتمثل في جعل العمل أقل خطورة وصعوبة جسدية.
كما أدت أيضا إلى وظائف بأجر أفضل. بين عام 1870 وعام 1980، كان الأجر بالساعة يتتبع إنتاجية العمل.
ارتفاع كثافة النقابات أدى إلى مستويات أقل من عدم المساواة في الأجور.
التوسّع في التعليم الثانوي مكن العاملين من أداء وظائف ذات قيمة مضافة أعلى.
كما ازدهرت أبوية الشركات ودولة الرعاية الاجتماعية. أحد الإنجازات العظيمة في القرن الـ20، كان إنشاء طبقة متوسطة مزدهرة.
يكتب فراي: "في الوقت الذي أصبحت فيه أمريكا أكثر ثراء، أصبحت أيضا أكثر مساواة".

العقد الأول من قرننا .. بداية الارتداد
خلال العقود القليلة الماضية، حدث انقلاب في هذه الدائرة الصاعدة الفاضلة، وأصبحت الطبقة المتوسطة في خطر، خاصة عقب الأزمة المالية في نهاية 2007 وبداية 2008.
السياسيون في كثير من البلدان الغنية عمدوا إلى مهاجمة العولمة والهجرة باعتبارهما المتهمين بحدوث الاضطراب الاجتماعي الأخير، وانتشر لواء الشعبوية.
من المثير للجدل أن فراي يجادل أن ثورة الكمبيوتر كانت مسؤولة بالقدر نفسه. الموجة التالية من الأتمتة تجتاح جميع أنواع وظائف التصنيع والنقل وتجارة التجزئة والخدمات اللوجستية والبناء.
وفي ذلك يقول: "نحن نخوض الآن فترة أخرى من التكنولوجيا التي تستبدل العمالة". في هذا الصدد، لم تكن ثورة الكمبيوتر استمرارا لقرن من المكننة، بل انعكاسا تاما مضادا له.
"ثورة الكمبيوتر تشبه أكثر تجربة الثورة الصناعية" على حد قوله. بالنسبة إلى الأمريكيين المولودين في عام 1980، نصفهم فقط هو من بات أفضل حالا من آبائهم. الرقم المماثل في عام 1940 كان 90 في المائة.
كما شهدنا، زلازل اقتصادية غالبا ما تؤدي إلى صدمات سياسية. يشير فراي إلى أن عدد الروبوتات في الولايات المتحدة زاد بنسبة 50 في المائة بين عام 2008 وعام 2016، كل واحد منها حل محل نحو 3.3 وظيفة.
ويسلط الضوء على العلاقة بين الولايات التي تتمتع بأعلى كثافة روبوتية، والولايات التي كانت متراصة بشكل غير متوقع وراء الرئيس دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية عام 2016، وهي: مشيجان وبنسلفانيا ووسكنسن.
ويكتب: "ثورة الروبوتات إلى حد كبير هي ظاهرة الولايات ذات التصنيع المتراجع، وهذا أيضا هو المكان الذي حقق فيه ترمب أكبر المكاسب للحزب الجمهوري.
من الواضح أن هناك علاقة بين مستويات الأتمتة وأنماط التصويت، فهي التي تقدم تفسيرا قويا للسبب في أن ثلاث ولايات – دعمت الحزب الديمقراطي في كل انتخابات رئاسية منذ عام 1992 - انتهى بها الأمر إلى أن يفوز ترمب فيها".

إطار
ما بعد النموذج الأنجلو-أمريكي
من خلال التركيز في الغالب على العالم الأنجلو-أمريكي، يروي فراي جزءا من قصة التكنولوجيا العالمية، فحسب.
على أن وجهة النظر مختلفة تماما عند النظر إليها من القوى الاقتصادية الصاعدة في آسيا، وعلى الأخص الصين، حيث تم انتشال الملايين من الفقر واعتماد الروبوتات في الغالب كوسيلة لزيادة الإنتاجية للسكان الذين يتقدمون في السن.
إذا كان فراي محقا بشأن فخ التكنولوجيا، عندها قد يوحي هذا أيضا بأن الصين يمكن أن تتفوق في سباق التسلح في مجال الذكاء الاصطناعي.
الأمر الحساس بالنسبة إلى مصالح الناخبين، أن الديمقراطيات الغربية قد توقف النشاط، عندما يتعلق الأمر بالنشر الكامل لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، في حين أن الأنظمة الاستبدادية ستسرع النشاط، بقوة.
فراي جادل بشكل جيد لصالح قصته – في بعض الأوقات – التي تنذر بالخطر العميق بشأن استقرار الديمقراطيات الغربية، بالنظر إلى أنه يتوقع مزيدا من تركيز الثروة لدى عدد قليل من الأشخاص، بل وحتى في عدد أقل من المواقع.
إلا أن تدقيقه الشديد في الأمور كباحث ينتقص من القوة السياسية في الكتاب، لأنه يمتنع عن توضيح الآثار الكاملة لحجته.
إنه يطرح كثيرا من الأسئلة الجيدة، لكنه يفتقر إلى إعطاء إجابات مرضية.
كما يستعرض بإخلاص قائمة من مقترحات سياسية يمكن أن تساعد على تسهيل الانتقال التكنولوجي، بيد أنه ليس من بينها أي مقترح مقنع تماما.
إنه يشكك في الدخل الأساسي العالمي، وهو الحل السحري بالنسبة إلى كثير من الشركات في وادي السيليكون، ويفضل قصص التعلم مدى الحياة وتأمين الأجور والإعفاءات الضريبية.
اقتراحه الأكثر جذرية، والمثير للفتنة من الناحية السياسية، هو إلغاء قيود تقسيم المناطق على استخدام الممتلكات، بالنظر إلى أن "لعنة الجغرافيا" من المرجح أن تزداد حدة، لا غير.
استنتاجه هو أن التكنولوجيا ليست قدرا. ربما لا يزال بمقدور الناخبين الجدد المعارضين للتقدم التكنولوجي إعاقة صعود الروبوتات. كما يرى أن الاقتصاد السياسي سيسود. و في ذلك يكتب: "في عالم توفر فيه التكنولوجيا عددا قليلا من الوظائف وثروة هائلة، فإن التحدي الحقيقي يكمن في عدالة التوزيع".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES