FINANCIAL TIMES

معركة محتدمة لاستخلاص القيمة من «إنترنت الأشياء»

 معركة محتدمة لاستخلاص القيمة من «إنترنت الأشياء»

منذ بضع سنوات فقط كان مصطلح "إنترنت الأشياء" IoT لا يعني شيئا يذكر للمستهلكين. بالنسبة لمعظم الناس، مفهوم الجهاز "الذكي" يعني بشكل حصري تقريبا الهاتف الذكي. الآن، بما أن الناس يطالبون بالاتصال من أجهزة أخرى، أخذت الشركات تتنافس على تعزيز علاماتها التجارية من خلال الابتكار في إنترنت الأشياء.
كان النمو في القطاع سريعا. "إريكسون"، الشركة السويدية لصناعة أجهزة الاتصالات، تقدر أن مليار وحدة اتصال لإنترنت الأشياء موجودة الآن على الصعيد العالمي، وتتوقع أن يرتفع الرقم إلى 4.1 مليار بحلول نهاية عام 2024. ويشمل هذا الرقم الأجهزة الذكية للمستهلكين، وكذلك مليارات من أجهزة الاستشعار للتطبيقات الصناعية، مثل مراقبة الأجهزة عن بعد وأتمتة المصانع.
كان لإقبال المستهلكين على إنترنت الأشياء تأثير عميق بالفعل في قيمة العلامة التجارية لأكبر الشركات في العالم. وكانت "أمازون" العلامة التجارية الأكثر قيمة في العالم، وفقا لاستطلاع "جلوبال براندز" لهذا العام، بعد قفزة بلغت 52 في المائة عن العام السابق.
تجاوزت الشركة منذ فترة طويلة مرحلة بيع الكتب عبر الإنترنت ـ جذورها بوصفها بائعة كتب على الإنترنت ـ مع وجود قيمة هائلة للعلامة التجارية مدفوعة بعديد من العوامل، بما في ذلك الاندفاع لبث مقاطع الفيديو مع "أمازون برايم"، وأغراض البقالة بعد شراء "هول فودز"، وإعلان خطط لإطلاق أقمار صناعية. لكن أحد أكثر منتجات "أمازون" انتشارا على مدار العام الماضي هو مجموعة "إيكو" من السماعات الذكية وجرس الباب المتصل "رينج"، التي تعد من أكثر منتجات إنترنت الأشياء شهرة في السوق.
وتشمل العلامات التجارية الأخرى التي وضعت قدما في مجال المنزل الذكي، شركات تكنولوجيا مثل "مايكروسوفت" و"جوجل" و"شياومي" وشركة صناعة الأجهزة "هاير" التي ارتفعت أيضا في التصنيف.
بول لي، رئيس أبحاث الاتصالات في شركة ديلويت الاستشارية، يقول إن إنترنت الأشياء كانت فيما مضى سوقا خاصة بالتكنولوجيا، إلا أنها نمت لتصبح جزءا أساسيا من مشهد العلامات التجارية. ويضيف: " العلامة التي تعمل بتكنولوجيا إنترنت الأشياء لم تعد مقصورة فقط على العلامات التجارية في مجال التكنولوجيا". ويتابع: "يعمل الاتصال على تعزيز مجموعة كاملة من الأجهزة وأصبح إنترنت الأشياء أمرا أساسيا بشكل متزايد لاستراتيجيات العلامة التجارية للشركات في جميع القطاعات".
يقول جوش كريشيفيسكي، الرئيس التنفيذي لوكالة الإعلام البريطانية "ميدياكوم"، إن السماعة الذكية هي القوة المحركة لـ"أمازون" وسوق إنترنت الأشياء الأوسع التي طالما كانت محل سخرية منذ وقت طويل لمعالجتها مشكلات لم تكن موجودة، من خلال منتجات مثل الثلاجة المتصلة. ويتوقع كريشيفيسكي أن يؤدي صعود منتج معين إلى حث الشركات الأخرى على التفاعل.
"لقد فاجأ نجاح السماعة الذكية الجميع - أصبح الأمر كبيرا بالنسبة إلى أمازون بسرعة مفاجئة والآن هناك معركة من أجل التفوق في المنزل". ويضيف "استلهاما لذلك، يحاول الجميع الاستيلاء على جزء منه، والعمل على تحديد ما يصلح وما لا يصلح".
ويرى لي أن توقعات المستهلكين والإثارة حول أي تكنولوجيا جديدة تدفع مزيدا من الشركات نحو إنترنت الأشياء بسبب تلاشي جزء من بريق الابتكار في سوق الهواتف الذكية.
يقول "لم يعد المستهلكون يقبلون صانعة قهوة قائمة على كبسولات. يريدون أن تعمل أجهزتهم بتكنولوجيا إنترنت الأشياء حتى تتمكن من إعادة ملء نفسها عندما تعلم أن الاسبريسو عيار 12 الخاص بك على وشك النفاد". ويضيف "لا يجب أن يسخن الفرن للطعام فحسب، بل ينبغي أن يكون فيه أيضا كاميرا متصلة لتمكين الطهاة من رؤية الشواء على هواتفهم من أي مكان. مقاعد السيارة المدفأة ليس لها فائدة إذا لم تستطع ضبطها على الدفء قبل ركوبك السيارة".
تحرص شركات الاتصال التقليدية أيضا على الدخول في قطاع إنترنت الأشياء لتعزيز قيمة علاماتها التجارية المتقلبة. يتخيل نيك ريد، الرئيس التنفيذي لمجموعة الاتصالات "فودافون"، عالما لا يشترك فيه العميل فقط بخدمات الاتصالات التقليدية، مثل الهاتف المحمول والتلفزيون والنطاق العريض اليوم، بل سيكون لديه أيضا 25 جهازا تعمل بإنترنت الأشياء. تراوح هذه من أجهزة الاتصالات إلى العدادات الذكية وأجهزة تتبع الحيوانات الأليفة.
تراجعت قيمة العلامة التجارية لشركة فودافون 8 في المائة هذا العام، وانخفضت 12 درجة في التصنيف، لكن إنترنت الأشياء، إلى جانب الجيل الخامس، يمكن أن يكون وسيلة لعكس هذا الاتجاه. جمعت الشركة البريطانية منتجات إنترنت الأشياء الخاصة بها تحت العلامة التجارية V by Vodafone بوصف ذلك جزءا من الاندفاع باتجاه هذا العالم الجديد.
واعتبر ستيفانو باريسي، مدير مجموعة منتجات وخدمات "فودافون"، أن إنترنت الأشياء الآن جزء أساسي من استراتيجية العلامة التجارية للشركة. وأشار إلى الاندفاع إلى أجهزة تعقب الحيوانات الأليفة وإدارة الطائرات من دون طيار والخدمات الذكية الأخرى "مهمة للغاية بالنسبة لنا". وقال باريسي إن إنترنت الأشياء نمى ليصبح أكثر أهمية للمستهلكين. "تحول من لغة سحرية غامضة إلى شيء ملموس". وذلك يعكس التركيز بشكل أكبر على احتياجات العملاء، كما يجادل، مع التركيز على الأمان بوصفه مجالا يمكن لـ"فودافون" أن تزيد من حصتها في السوق عن طريقه.
ويضيف، "قد يقول أحد العملاء : لدي سيارة ولدي حيوان أليف ولدي طفل ولدي حقيبة ثمينة لكن كيف يمكنني حماية هذه الأشياء؟".
بصفتها مزودة شبكة للهاتف المحمول، لدى "فودافون" القدرة على توسيع نطاق منتجاتها إلى ما يتخطى الأجهزة المنزلية الذكية بطرق لا تستطيعها الشركات القائمة على الأجهزة. يقول باريسي "لا يوجد فرق، من الداخل أو الخارج. هذا منتج للعائلة، وليس للمنزل. ما نبيعه هو راحة البال".
لكن مجرد اتخاذ مسمى إنترنت الأشياء باعتباره نقطة تميز، لا يكفي لتعزيز قيمة العلامة التجارية - التكنولوجيا يجب أن يكون لها غرض واضح ويجب أن تكون الشركة في وضع مناسب لتحقيق هذا الغرض.
تقول جابرييلا ستيف شومان، رئيسة الشبكات في "تلياسونيرا"، إن شركة تشغيل الاتصالات السويدية استهدفت إنترنت الأشياء في توجهها إلى عصر الجيل الخامس مع وحدة مخصصة تسمى "ديفيجن إكس" Division X. ومع ذلك، تحذر من أن الشركات بحاجة إلى تحديد مكان وجودها في سلسلة قيمة إنترنت الأشياء، مشيرة إلى أن "إنترنت الأشياء مصطلح واسع جدا". وتضيف "ليس بهذه السهولة قول أريد أن أكون مزودا لإنترنت الأشياء - هل تريد حقا أن تكون متكاملا؟ أم مزود اتصال؟ القيمة تختلف بشكل كبير".
ترى بعض شركات الاتصالات دورها مجرد توفير شبكة لإنترنت الأشياء، لكن شركات أخرى، مثل "فودافون" و"تلياسونيرا"، تتوقع أن تلعب دورا أوسع بحيث تتحمل مسؤولية الأجهزة وكذلك الاتصالات لإيجاد القيمة. "فودافون"، مثلا، لا تبيع أجهزة تعقب الحيوانات الأليفة فحسب، بل تأمل أيضا في دخول سوق مراقبة الحركة الجوية للطائرات دون طيار بوصف ذلك جزءا من توغلها إلى ما هو أكثر من خدمات الاتصالات التقليدية.
قدم إنترنت الأشياء دفعة كبيرة للعلامات التجارية التي استفادت من اتجاه المستهلكين المتنامي، لكن هناك مخاطر في الارتباط بالتكنولوجيا. يقول كريتشيفسكي إن عديدا من الأجهزة المجمعة تحت شعار "ذكية" تمثل المرحلة التالية في "صعود رأسمالية المراقبة".
مثلا، البيانات التي تنتجها الأجهزة، مثل مقياس الحرارة الذكي "نيست" من "جوجل"، تراقب سلوك المستهلكين وتتم الاستفادة منها عبر الذكاء الاصطناعي عن طريق بيع نماذج تنبؤية وإعلانات. وهذا، كما يقول، قد يؤدي إلى تهكم المستهلك وضعف قيمة العلامة التجارية بمرور الوقت.
"إذا قرأت الشروط والأحكام، التي تقدم لك قبل أن يسمح لك بالاستخدام، سينتهي بك الأمر إلى الاطلاع على الشروط والأحكام لأكثر من ألف شركة متصلة يبيع نيست البيانات إليها".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES