default Author

عالم ما بعد الأزمة ودور الصندوق «2 من 2»

|


بدأ صندوق النقد الدولي العمل على قضية أكثر خطورة في عام 2010 عندما شارك في الجهود المبذولة للحفاظ على استقرار منطقة اليورو، وكانت لهذه المشاركة مبرراتها، فالأزمة كانت ضخمة لأسباب يكمن معظمها في عدم كفاية الجهود الأوروبية لمواجهة الأزمة، وكانت تهدد بزعزعة استقرار النظام. وفي ربيع عام 2010، تضامنت إدارتا ميركل وأوباما لرفع الصندوق في صدارة الجهود الأولية الهادفة إلى تحقيق الاستقرار في اليونان، وأصبح الصندوق منذ ذلك الحين جزءا أساسيا من الثلاثي الذي أدار البرامج الطارئة في منطقة اليورو والتزم بتوفير مبالغ إضافية بقيمة 250 مليار يورو لتمويل شبكة الأمان المالي، التي تم تصميمها على عجالة في منطقة اليورو.
وبوجه عام، توسعت أنشطة الصندوق بدرجة ملحوظة بعد تراجعها في عام 2007، وأعلن الصندوق بوضوح أنه لا يعتزم مجرد العودة إلى أساليبه السابقة، فقد أصبحت الشرطية أقل صرامة وأكثر ملاءمة للظروف المحلية، ولم تترتب على انتقادات الصندوق لسياسات التقشف المالي في عام 2012 سوی آثار سياسية محدودة. وفي ظل التدفقات الرأسمالية الضخمة الناشئة عن سياسة التيسير الكمي التي اتبعها الاحتياطي الفيدرالي والانتقادات المتكررة من جانب الأسواق الصاعدة تراجع الصندوق عن جموده الشديد فيما يتصل بتطبيق الضوابط الرأسمالية.
وصبت الأزمات التي وقعت منذ 2008 بالفعل في مصلحة الصندوق، والسؤال هنا هو ما إذا كانت المشكلات الرئيسة التي أدت إلى الأزمة المؤسسية العميقة في بداية العقد الأول من القرن الـ21 قد تم حل أي منها أم لا، لكن الإجابة عن هذا السؤال أقل وضوحا للغاية.
وفي ذروة الأزمة العالمية التي وقعت في الفترة 2008ــ2009، لم يكن للصندوق أي دور في واقع الأمر، وكانت النظم المصرفية والأسواق النقدية في محور الأزمة، وليست سوق الدين الحكومي الأمريكي كما توقع كثيرون، وكانت هذه الأزمة أكبر بكثير من حجم الموارد المتاحة للصندوق، وتطلبت إجراء تعديلات، ليس فقط على صعيد سياسة المالية العامة والسياسة النقدية، وإدارة القطاع العام، وأسواق العمل ــ وهي المجالات المعتادة التي تركز عليها برامج الصندوق ــ لكن أيضا على صعيد تطبيق مفهوم الرأسمالية المالية في حد ذاته. وكان ذلك مجالا جديدا، وبدأ الصندوق في مراقبة التدفقات المالية والميزانيات العمومية على مستوى النظام ككل، لكن من غير الواضح إلى أي مدى سيستطيع الصندوق الوفاء بهذا الالتزام، وكان أداؤه مختلطا بالفعل في أوقات الصعوبات.
وتعد أوروبا أوضح مثال على ذلك، فقد تمكن اقتصاديو الصندوق مبكرا من رصد حلقة الآثار السلبية المرتدة بين البنوك والدين السيادي في منطقة اليورو، وبينما أشار الصندوق إلى الحاجة إلى إعادة رسملة البنوك الأوروبية، فإنه لم يفرض موقفه على شركائه الأوروبيين، ولم ينسحب بشكل حاسم حتى المراحل الأخيرة من أزمة اليونان في عام 2015، ووجد نفسه بذلك مضطرا إلى المشاركة في سياسة تمديد أجل الديون المتعثرة المشكوك في تحصيلها، وما لها من تداعيات مدمرة.
وفي نهاية المطاف، تم شطب ديون اليونان في عام 2012، لكن هذا الإجراء كان بمنزلة الملاذ الأخير ولم يكن كافيا، وكان الأثر الرئيس لذلك هو اللجوء إلى القروض الخاصة بدلا من القروض الرسمية، ما يزيد من صعوبة إعادة الهيكلة لاحقا. والحل الوحيد لهذه المعضلة يتمثل في إحياء دعوة الصندوق إلى إعادة هيكلة الديون على نحو منهجي ومنتظم، وإلا سيجد الصندوق نفسه يكرر برامج التسوية الجزائية ذات الشروط المشددة.
يواجه الصندوق في الوقت الحالي نوعا جديدا من التسييس، يؤدي إلى زيادة حادة في المخاطر، متمثلا في منافسة محتدة بين مختلف القوى تقترن بزيادة حجم الإقراض للحكومات.
ويثير هذا التحدي بعض التساؤلات الأساسية، ففي الوقت الذي يتزايد فيه شعور الولايات المتحدة وأوروبا بأن علاقاتهما مع الصين أصبحت تتخذ شكل منافسة بين القوى العظمی، كيف سيقوم الصندوق بالتحكيم في المطالبات المتنازع بشأنها الناشئة عن الإقراض بموجب مبادرة الحزام والطريق في مناطق الصراعات الجغرافية السياسية، مثل باكستان؟ وكيف سيؤثر ذلك في قضية تعديل حقوق التصويت، وتجديد ترتيبات التمويل المعتمدة في عام 2009 واختيار المدير العام التالي؟
وفي عالم يشهد تدفقات مالية خاصة مائلة ونهجا غير متوازن وغير متسق بدرجة كبيرة في التعامل مع الدين العام والمنافسة الجغرافية الاقتصادية المتزايدة، سيكون من قبيل التفاؤل أن تفترض أن جميع الأزمات ستصب في مصلحة الصندوق، وينبغي بدلا من ذلك أن يستفيد الصندوق من دروس العقود الماضية وأن يدعم على نحو استباقي اتخاذ تدابير تنظيمية احترازية كلية صارمة، وإنشاء نظام جديد لإعادة هيكلة الديون السيادية، والحاجة الملحة إلى تصحيح التوازن بين حصص العضوية وحقوق التصويت، على نحو يعكس الواقع العالمي.

إنشرها