FINANCIAL TIMES

في اليابان.. تصدعات «إيجابية» في سقف الاقتصاد النسائي

في اليابان.. تصدعات «إيجابية» في سقف الاقتصاد النسائي

في اليابان.. تصدعات «إيجابية» في سقف الاقتصاد النسائي

في وقت سابق من هذا الأسبوع، تناولت وجبة إفطار لذيذة في وسط مانهاتن مع اثنتين من المحترفات القريبات من عمري عند 52 عاما.
إحداهما مسؤولة كبيرة في شركة وساطة؛ والأخرى تتولى دورا بارزا في الأمم المتحدة.
قد تقول في نفسك إنه ليس هناك شيء غريب في ذلك، تعج مانهاتن بالنساء الناجحات والبارعات.
في الواقع، أحد عوامل الجذب في المدينة هو كم الدعم الذي تقدمه النساء لبعضهن بعضا – لدرجة لم أشهدها في أي مكان آخر.
مع ذلك، هذا الإفطار القوي المميز المكون من عصير اللفت وعجة بياض البيض كان به شيء مختلف مميز، الضيفتان كانتا من اليابان، وأنشأتا حياتهما المهنية داخل النظام الياباني، كانتا تزوران نيويورك لحضور مؤتمر بتنظيم من مجموعة نيكاي، مالكة صحيفة "فاينانشيال تايمز".
إحداهما كانت كايكوتاشيرو، نائبة الرئيس في شركة دايوا للأوراق المالية؛ والأخرى كانت أساكو أوكاي، التي تدير وحدة الأزمات في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وفي حين أنه قد يبدو من الأمور العادية اليوم أن تشغل امرأة أمريكية مثل هذه المناصب، إلا أنني لم أتوقع أن ألتقي بنساء يابانيات في هذا النوع من الوظائف.
ما هو السبب؟ قبل عقدين من الزمن عملت مراسلة في طوكيو واستنتجت أن اليابان واحدة من أكثر الأماكن غير الودية على وجه الأرض، أمام أي امرأة مهنية طموحة. في الأعوام التي تلت الحرب العالمية الثانية، لم يكن يسمح للنساء بشكل عام، بالتقدم لشغل وظائف الشركات المهنية.
وعلى الرغم من أن هذا، من الناحية النظرية، تغير في عام 1997 "العام الذي وصلت فيه إلى طوكيو"، إلا أن الموظفين في المستويات العليا في الشركات التي اعتدت زيارتها، كانوا من الرجال الذين يرتدون البدلات. كانت النساء يعملن بشكل عام في مكاتب الاستقبال فيما يعرف بـ"سيدات مكتب".
لا أستطيع تذكر لقاء ممولة أنثى بارزة واحدة في شركة يابانية في التسعينيات، أو دبلوماسية أنثى كبيرة أو مسؤولة حكومية من أي نوع.
وفي حين كان عدد قليل من النساء يمارسن أدوارا كبيرة في الشركات الأجنبية في طوكيو، إلا أن ذلك كان لأن النساء اليابانيات غالبا ما كن يسعين لمثل هذه المناصب تحديدا، لأن هذه البيئات بدت أقل صرامة من البيئات اليابانية.
في الواقع، فكرة وجود امرأة في منصب رفيع بدت غريبة في ذلك الوقت، لدرجة أنه عندما انتقلت إلى طوكيو لأصبح نائبة رئيس مكتب صحيفة "فاينانشيال تايمز"، نصحني دبلوماسي ياباني لطيف بوضع لقب "دكتورة"، الذي كنت قد اكتسبته على بطاقة تعريفي، لضمان حصولي على تسمية خالية من التمييز بين الجنسين.
هذا كما قيل لي سيجعل "كل شيء أسهل" أمامي، وهو ما اتضح لاحقا أنها كانت نصيحة رائعة.
اليوم، يتصدع الحاجز ويرتفع السقف أمام تقدم النساء المهني قليلا كما أظهرت نساء مثل تاشيرووأوكاي.
مع ذلك، يظل التقدم غير متكافئ. وفقا لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من عام 2017، بلغ معدل مشاركة النساء في القوة العاملة في اليابان 51 في المائة فقط، مقارنة بنحو 58 في المائة في بريطانيا و70 في المائة في السويد.
كاثي ماتسوي، نائبة رئيس بنك جولدمان ساكس في اليابان، تعتقد أنه إذا نظرت إلى مجموعة من البيانات الحكومية المختلفة حول المشاركة في سن العمل، فإن معدل النساء اليابانيات العاملات في شباط (فبراير) عام 2019 كان نحو 71 في المائة، وهو ارتفاع حاد تعزوه إلى استراتيجية "الاقتصاد النسائي" التي أطلقها رئيس الوزراء شينزو آبي. "يتجاوز ذلك معدل الولايات المتحدة البالغ 66 في المائة، وهو ما يبدو لافتا للنظر".

نقطة ضعف الاقتصاد النسائي

لا تزال اليابان تعاني كونها ثالث بلد في العالم، من حيث الفجوة في الأجور بين العاملين من الجنسين، ضمن بلدان الاقتصادات المتقدمة الأعضاء الأخرى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية “أوسيد” عند نسبة 25 في المائة، أي ضعف المتوسط في “أوسيد”.
كما توجد في اليابان أيضا نسبة عالية بشكل غير عادي من النساء، اللاتي يعملن في وظائف بدوام جزئي.
هذا يعود جزئيا إلى النقص في الرعاية النهارية، وهو ما يجعل من الصعب على الأمهات العاملات، التفرغ للدوام بشكل كامل، يوميا.
تعتقد ماتسوي أنه: “إذا تم سد الفجوة بين الجنسين في العمل، وارتفعت نسبة متوسط ساعات العمل بين الإناث والذكور إلى المتوسط السائد ضمن بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، عندها فإن زيادة الناتج المحلي الإجمالي المحتملة من شأنها أن ترتفع إلى 15 في المائة”.
في الوقت نفسه، لا يزال التمييز يعيق تقدم النساء في كثير من المهن والصناعات. العام الماضي، على سبيل المثال، اندلعت فضيحة مع اعتراف جامعة طوكيو الطبية بأنها كانت تتلاعب بشكل منهجي بامتحانات القبول لتكون ضد النساء، لضمان قبولها أعدادا أكبر من الأطباء الذكور.
في امتحان القبول المحدد من 100 علامة، خفضت كلية الطب جميع العلامات بنسبة 20 في المائة، ثم منحت 20 علامة مكافأة للرجال الذين خضعوا للامتحان ثلاث مرات أو أقل.
هذا أمر محبط، لكن حقيقة أن الفضيحة أصبحت معروفة هي أمر مشجع؛ فلو كان الحدث في عقود سابقة، لربما كان سيتم إخفاؤه. الأمر المذهل أيضا هو أن الشركات التي تمكنت من الاحتفاظ بالنساء، تحرص بشكل متزايد على إظهار هذا، ولا سيما، وقد جعل رئيس الوزراء آبي تحسين تمثيل المرأة أو التعادل في التشغيل، بمنزلة منطلق للسياسة الوطنية.
في شركة دايوا للأوراق المالية، حيث تعمل رفيقتي في وجبة الإفطار تاشيرو، هناك الآن نحو ستة نساء يعملن تحتها مباشرة في التسلسل الهرمي.
كذلك الأمر أيضا في عدد قليل من الشركات الكبيرة والوكالات الحكومية الأخرى. عدد قليل من النساء ظهرن في الحكومة اليابانية أيضا، مثل سايكو نودا، وزيرة الشؤون الداخلية ويوكو كاميكاوا وزيرة العدل.
أما ويوريكو كويكي، محافظة طوكيو، فقد حققت مسيرة مثيرة للإعجاب، من خلال دعم مبادرات مثل برنامج كول بيز Cool Biz المتعلق باتجاهات الطاقة الخضراء.
قد يكون من الصعب اكتشاف تأثير التغيير الخفي عندما تعيش معه كل يوم؛ ففي بعض الأحيان يكون الأمر أكثر إثارة للدهشة عند رؤيته من خلال لقطات دورية – أو تناول الإفطار مع اثنتين من التنفيذيات اليابانيات المرموقات.
هذا الوضع لم يبلغ بعد مستوى الثورة حتى الآن، إلا أنه يجعلني أرغب في رفع القبعة من باب التحية إن لم يكن الهتاف، أو كما قد يقول أحد سكان نيويورك، “أحسنت يا فتاة!” في مثل هذه الحالات.
إن معظم التحولات الاجتماعية المهمة، تحدث بطرق غير متوقعة.

 

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES