تقارير و تحليلات

توترات المضائق والممرات المائية خطر يتجاوز النفط إلى الغذاء

 توترات المضائق والممرات المائية خطر يتجاوز النفط إلى الغذاء

 توترات المضائق والممرات المائية خطر يتجاوز النفط إلى الغذاء

قال خبراء اقتصاديون غربيون إن الاختلالات الأمنية الملحوظة التي تشهدها بعض المضائق الاستراتيجية خصوصا بعد الاعتداءات الإيرانية على الناقلات العابرة في مضيق هرمز، تستدعي جهدا دوليا مشتركا لإعادة التفكير في كيفية تأمينها، نظرا لما يسببه أي اضطراب أمني فيها من خلل لإمدادات الطاقة والغذاء الدوليين.
وأوضحوا لـ"الاقتصادية" أن المضائق والقنوات الملاحية الرئيسة باتت جزءا لا يتجزأ من اتجاه عالمي متنام يتصاعد فيه الطلب على الطاقة والغذاء، مشيرين إلى أنه من المجدي، ومن مصلحة المنظومة الاقتصادية والأمنية العالميين، التفكير في تأمين سلامة هذه المضائق.
ومع تواصل حدة التوتر في منطقة الخليج ومضيق هرمز، قررت بريطانيا إرسال المدمرة دنكان إلى الخليج العربي لتحل محل السفينة الحربية مونتروز.
وأعلنت الحكومة البريطانية أن إخراج السفينة مونتروز من المنطقة، يأتي في إطار أعمال الصيانة المخططة سلفا، ولمنح طاقمها بعض الراحة.
لكن أبرز ما جاء في البيان الحكومي أن عملية الاستبدال تلك "ستضمن أن تتمكن المملكة المتحدة مع الشركاء الدوليين من مواصلة دعم حرية حركة السفن في هذا الممر الحيوي".
ينسجم الموقف البريطاني مع تصريحات رئيس أركان الجيش الأمريكي الجنرال مارك ميلي، بأن واشنطن تسعى لتشكيل تحالف عسكري دولي، يقدم مرافقة عسكرية لحماية السفن في مضيق هرمز.
ودفع النمو السكاني والاستهلاك الراهن والمستقبلي لجميع أنواع الطاقة، وفي مقدمتها المشتقات النفطية والغاز، وتحول التفضيلات الغذائية للمجتمعات إلى أنواع جديدة من المواد الغذائية، بالمحللين الاستراتيجيين الدوليين إلى طرح رؤية أكثر واقعية للتعامل مع المضائق والقنوات الملاحية الرئيسة.
يقول لـ"الاقتصادية"، المهندس نايجل أرنولد الخبير النفطي، "تمثل المضائق والممرات الملاحية الرئيسة والقنوات المائية جزءا مهما من أمن الطاقة العالمي، فنحو 61 في المائة من إنتاج النفط والغاز ينقل عبر الطرق البحرية، ويعد مضيق هرمز ومضيق ملقا من أهم نقاط الوصل الاستراتيجية في العالم من حيث حجم نقل النفط".
ويضيف: "تعتمد أسواق الطاقة الدولية على طرق نقل بحرية موثوقة، ويمكن أن يؤدي إغلاق أو تعطيل تلك الممرات المائية خاصة المضائق، ولو بشكل مؤقت، إلى زيادة كبيرة في إجمالي تكاليف الطاقة وأسعارها العالمية، كما أن تلك المرات الملاحية إذا لم تكن مؤمنة بشكل كامل، فإن ناقلات النفط تكون عرضة للسرقة من القراصنة والهجمات الإرهابية والاضطرابات السياسية جراء الحروب والأعمال القتالية، وارتباك حركة الملاحة قد يسفر عن حوادث بحرية يمكن أن تؤدي إلى كوارث بيئية".
وتتفق تلك الرؤية مع تعليق الدكتور وليام كيلي أستاذ القانون الدولي في جامعة أكسفورد، حيث يؤكد لـ"الاقتصادية" أن نظام نقل الطاقة عرضة للانقطاع عند نقاط الاختناق البحري مثل المضائق، ويعتمد تأثير أي انقطاع في إمدادات الطاقة وأسعارها وأسواقها على مدة الانقطاع وحجمه، والإجراءات التي تؤدي لإغلاق أي مضيق دولي غير قانونية عموما في وقت السلم، والقانون الدولي يقر بالحفاظ على حق المرور في المضائق أثناء الحرب، ومن ثم من الضروري دائما الحفاظ على المعايير القانونية والسياسية حول أمن نقاط الاختناق البحرية، وتشمل المستخدمين والدول المستهلكة والهيئات الدولية.
ومن ثم يعتمد أمن المضائق من وجهة نظر الدكتور وليام على احترام القانون الدولي، وعلى استعداد وقدرة الأعضاء المهتمين في المجتمع الدولي على إنفاذ القانون إذا لزم الأمر.
من هذا المنطلق ينادي عدد من الخبراء بمزيد من التعاون الدولي لتشكيل قوات بحرية للتدخل السريع، لإنفاذ القانون عبر وضع حد لسلوكيات الدول التي تسول لها رغبتها التوسعية الهيمنة على الممرات المائية والمضائق، بهدف الضغط على دول الجوار والمستهلكين وابتزازهم أو إحداث ارتباك في الأسواق الدولية بعرقلة المسار الملاحي لناقلات النفط للتأثير على الاقتصاد الدولي.
يرى المحلل العسكري الكولونيل رون هيل، أن ما يحدث حاليا في منطقة الخليج، وبعض الإرهاصات المشابه في مضيق ملقا، تشير إلى تنامي القناعة الدولية بضرورة إنشاء تحالف عسكري متعدد الجنسيات لحماية المياه في منطقة الخليج واليمن.
ويقول لـ"الاقتصادية"، إن مضيق هرمز ضيق للغاية، ولذلك فإن السفن التي ستحمي ناقلات النفط وحركة الملاحة، ستبعث برسالة واضحة لمن تسول له نفسه اللعب بأمن الطاقة العالمي.
ويضيف "تلك الأساطيل الحربية ستكون مهمة لبناء صورة لما يحدث بالضبط، وفي حالة تعرضت ناقلات النفط للهجوم سيكون في مقدور الأساطيل البحرية اعتراض الجاني أو مطاردته، كما سيكون في مقدرتها الرد الفوري لتوجد بذلك حالة من الردع ومن ثم ضمان استقرار الأسواق".
لكن المخاطر التي تمثلها حالة التراخي الأمني في بعض أهم المضائق في العالم، تجعل الخطر يتجاوز قضية النفط إلى قضية الغذاء.
والأمن الغذائي العالمي يعتمد على التجارة في عدد قليل من المحاصيل والأسمدة، حيث إن ثلاثة محاصيل فقط وهي الذرة والقمح والأرز تمثل وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) 60 في المائة من استهلاك الطاقة الغذائية في العالم.
وبينما يحتل فول الصويا المرتبة الرابعة، ويمثل 65 في المائة من إمدادات علف البروتين العالمية، ففي كل عام يتم نقل ما يكفي من الذرة والقمح والأرز وفول الصويا لإطعام 2.8 مليار شخص، وأغلب عمليات النقل تلك تتم عبر الممرات البحرية.
كما يتم نقل 180 مليون طن من الأسمدة بحريا، لاستخدامها في تخصيب المحاصيل والنباتات، والتجارة الدولية في تلك السلع تنمو، ما يزيد الضغط على عدد صغير من المضائق والممرات الملاحية، وأي خلل أمني في المضائق سيؤدي إلى حدوث نقص في الإمداد وارتفاع في الأسعار مع عواقب أخرى قد تتجاوز أسواق الأغذية.
الخبير السابق في مجال التجارة الدولية في منظمة الفاو وليم أش، يعلق لـ"الاقتصادية" قائلا: "من بين نقاط المرور البحرية الرئيسة لتحقيق الأمن الغذائي في العالم مضيق ملقا وقناة بنما نظرا لموقعهما في ربط الأسواق الغربية بالآسيوية، فربع صادرات فول الصويا العالمية تمر عبر مضيق ملقا، لتلبية الطلب على الأعلاف الحيوانية في الصين وجنوب شرق آسيا، أما مضيق البسفور والدردنيل فهما يحتلان أهمية خاصة بالنسبة للقمح، حيث يمر خمس الصادرات العالمية عبرها كل عام".
ويحدد الخبراء ثلاث فئات عريضة من المخاطر التي يمكن أن تصيب المضائق أو الممرات الملاحية، أولاها، مخاطر الأحوال الجوية والمناخ، بما في ذلك العواصف أو الفيضانات التي قد تؤدي إلى إغلاق نقاط الوصول بشكل مؤقت، ما قد يسفر عن تآكل البنية التحتية المرتبطة بالطقس الأمر الذي يقلل من كفاءتها ويجعلها أكثر عرضة للأحداث الأكثر خطورة.
وثاني الفئات من المخاطر التي يمكن أن تصيب المضائق أو الممرات الملاحية، مخاطر الأمن والنزاعات والحروب وعدم الاستقرار السياسي أو القرصنة والجريمة المنظمة والإرهاب، أخيرا الفئة الثالثة وتتضمن المخاطر المؤسسة مثل قرار السلطات بإغلاق مضيق أو ممر ملاحي أو تقيد عملية مرور الأغذية.
ويعتقد بعض الخبراء العسكريين، أن تدهور البيئة الأمنية في مضيق هرمز، وتزايد التوتر المكتوم في منطقة خليج ملقا، ومحاولات الحوثيين لعرقلة الملاحة في البحر الأحمر عبر التعرض للسفن التي تعبر باب المندب، سيدفع المجتمع الدولي إلى البحث عن استراتيجية بحرية جديدة تعمل على تأمين المضائق، عبر زيادة التنسيق العالمي بين الأساطيل البحرية لضمان سلامة الملاحة وانسياب التجارة الدولية للطاقة ومشتقاتها والمواد الغذائية.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات