FINANCIAL TIMES

بوريس جونسون «الطائش» لا يثير إعجاب أوروبا

بوريس جونسون «الطائش» لا يثير إعجاب أوروبا

عندما صوت البريطانيون لمصلحة "بريكست"، أوضح فرانك فالتر شتاينماير، وزير خارجية ألمانيا آنذاك، من الذي يرى أنه يستحق اللوم؟. قال شتاينماير، رئيس ألمانيا حاليا، في خطاب ألقاه في تموز (يوليو) 2016، "جذب السياسيون غير المسؤولين البلاد إلى بريكست وبعد ذلك (...) خرجوا ولعبوا الكريكت". وأضاف، "بصراحة، أجد ذلك تصرفا مثيرا للغضب".
كان ذلك إشارة واضحة إلى بوريس جونسون، الرجل الذي كان يمثل حملة الخروج. تركت صوره وهو يتمتع بقضاء وقته مع الأرستقراطي تشارلز سبنسر، مرتدين قمصان الكريكت البيضاء بعد تصويت الخروج من الاتحاد الأوروبي مباشرة، المؤسسة السياسية في ألمانيا عاجزة عن الكلام وغاضبة.
جونسون هو المرشح الأقرب للفوز في سباق قيادة حزب المحافظين وخلافة تيريزا ماي في منصب رئيس الوزراء. مثل هذا الاحتمال يزعج جيران بريطانيا.
قال أوميد نوريبور، المتحدث باسم حزب الخضر الألماني للشؤون الخارجية، "يتضح أن الأمر متروك للبريطانيين أن يختارو من يرون ليكون قائدهم، لكن نرى أنه طائش وغير مسؤول تماما".
قليلون هم السياسيون البريطانيون الذين يثيرون في أوروبا مثل هذا الفزع الذي يحدثه جونسون، وهو رجل يراه كثيرون على أنه العقل المدبر لـ"بريكست". وفي حين يعجب المسؤولون بذكائه وبراعته، إلا أنهم يعدونه شخصا عديم المبادئ - وشعبويا خطيرا.
ملصق حملة الحزب الاشتراكي الديمقراطي لانتخابات البرلمان الأوروبي الشهر الماضي يلخص مشاعر الألمان تجاه جونسون، الذي يظهره الملصق متدليا 20 قدما في الهواء بعد أن علق في سلك ملوحا بالعلم البريطاني. ذكرت إحدى تغريدات الحزب الاشتراكي الديمقراطي المصاحبة، "هذا ما يحدث عندما يتدخل الشعبويون: فوضى".
بالنسبة لفريقه، يعكس هذا الفعل الذميم القلق من أنه قد يثبت أنه مفاوض أكثر صرامة من سابقيه. نهاية الأسبوع الماضي، في أول مقابلة رئيسة له عن حملة القيادة، تعهد جونسون "بالاحتفاظ" بمبلغ 39 مليار جنيه استرليني طلب من المملكة المتحدة باعتباره فاتورة طلاق حتى تحصل على صفقة أفضل. وقال لصحيفة "صنداي تايمز" إنه، بصفته عمدة لندن، كان "يحكم أكبر مدينة في العالم".
لكن في أوروبا تتزايد المخاوف من أن توليه رئاسة الوزراء يمكن أن يزيد الضغط على العلاقات البريطانية مع القارة، التي تضررت بالفعل من المفاوضات الصعبة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
قال نيلز شميدت، النائب عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني والمتحدث باسم الشؤون الخارجية للحزب، "سيكون بمنزلة علامة على أن المملكة المتحدة تبعد نفسها عن أوروبا". وأضاف، "سينظر إليه أيضا على أنه مكافأة للسياسي الذي بذل كل ما في وسعه لإيجاد أوهام حول (بريكست)".
الرأي الأوروبي في جونسون ليس سلبيا تماما. وجد بعض الدبلوماسيين الأوروبيين أن الأسلوب المرح لوزير الخارجية الأسبق كان ممتعا ويخفف من ملل الاجتماعات الطويلة المتعددة الأطراف. لكن بالنسبة للآخرين كان يفتقر إلى الجدية.
وصفه مستشار لأحد كبار المسؤولين في بروكسل بأنه "مراهق بالغ". وقال المستشار، لقد كان من السهل "رؤية الفظاعة والقسوة" لكن "من الصعب رؤية الجمال".
وقال دبلوماسي أوروبي، إن الجانب الفوضوي لجونسون كان له في بعض الأحيان تداعيات كبيرة. مثلا، استقال من حكومة ماي في يوم من شهر تموز (يوليو) من العام الماضي كان من المفترض أن يستضيف فيه اجتماعا في لندن لقادة الاتحاد الأوروبي ودول البلقان.
وبحسب الدبلوماسي "كان الأمر غريبا للغاية"، مضيفا أن النقاش بأكمله صمم ليظهر اهتمام بريطانيا المستمر بالبلقان رغم "بريكست". وتابع "لقد فشل (الاجتماع) ومن الواضح أن ذلك يعود لتقديمه استقالته (...) في يوم القمة نفسه".
لم تكن غلطته وحده. لن يسامحه الكثير من أفراد الحزب لتشبيهه مشروع الاتحاد الأوروبي بألمانيا النازية، قائلا خلال حملة "بريكست" إن التاريخ الأوروبي تميز بمحاولات متكررة لتوحيد القارة. "لقد جرب نابليون وهتلر وعدة أشخاص هذا الأمر، وكان ينتهي بشكل مأساوي". وأضاف، "الاتحاد الأوروبي هو محاولة للقيام بذلك بطرائق مختلفة".
في باريس يتم تذكر الوقت الذي قارن فيه الرئيس الفرنسي في ذلك الحين، فرانسوا هولاند، بحارس معسكر أسرى الحرب. قال في وقت مبكر من حياته المهنية كوزير للخارجية: "إذا أراد هولاند توجيه ضربات عقابية لأي شخص يختار الهرب (...) فلا أعتقد أن هذا هو الطريق إلى الأمام".
يركز كبار المسؤولين والدبلوماسيين الفرنسيين انتقاداتهم على افتقاره الصرامة، وأسلوب المزاح بقصد الدعابة التي لا تؤثر في باريس أو ليون.
قال زكي لادي، الأستاذ في معهد الدراسات السياسية في باريس "ساينس بو"، "يوجد قدر كبير من عدم الثقة في فرنسا فيما يتعلق بشخصيته". وأضاف، "جونسون مثل ترمب. لا يمكن التنبؤ تماما بما سيفعله - لكن على عكس ترمب، لا نعرف ما الذي يفكر فيه". بالنسبة لبعض السياسيين الأوروبيين قد يكون هناك بصيص أمل في صعود جونسون المحتمل إلى رئاسة مجلس الوزراء. إنهم يأملون في أن تتضاءل آفاق احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون صفقة في حال فاز في منافسة قيادة حزب المحافظين.
لاحظ نوربرت روتجن، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني "بوندستاج"، أن جونسون يعلم أن الفوضى التي يتسبب فيها خروج بريطانيا من دون اتفاق ستجعله يفقد رئاسة الوزراء - وهي نتيجة يرغب في تجنبها بأي ثمن.
قال روتجن، "لم تكن بريكست مسألة مبدأ بالنسبة له. كانت مجرد طريق ليصبح رئيسا للوزراء".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES