FINANCIAL TIMES

الارتفاع المفاجئ للأسهم الخاصة يغير مشهد التمويل الحديث

الارتفاع المفاجئ للأسهم الخاصة يغير مشهد التمويل الحديث

عندما اجتمع الخبراء الماليون في مؤتمر "ميلكين" الشهر الماضي، تم تمرير رسم بياني من شأنه أن يجعل صناع السياسة والناخبين والمستثمرين يعيدون النظر في طبيعة الرأسمالية الحديثة.
أظهر الرسم البياني أنه بين عامي 2000 و2018 ارتفع عدد الشركات المدعومة من شركات الأسهم الخاصة في أمريكا من أقل من ألفي شركة إلى نحو ثمانية آلاف. بالمقابل، انخفضت الشركات المدرجة في البورصة في هذه الفترة من سبعة آلاف إلى نحو أربعة آلاف.
لنكون منصفين، القيمة الإجمالية لتلك الشركات المدعومة من شركات الأسهم الخاصة لا تزال خمسة تريليونات دولار فحسب - أقل بكثير من القيمة الإجمالية البالغة 30 تريليون دولار للشركات العامة الأمريكية. لكن هذا الرقم البالغ خمسة تريليونات دولار مذهل، لأنه يستثني مجموعة كبيرة من المجموعات الخاصة الأخرى وهذا ليس أقل الأسباب.
ما يلفت الانتباه بصورة مضاعفة هو أن انفجار النشاط الخاص لا يقتصر على الأسهم. في العقد الماضي توسعت أسواق الديون الخاصة بسرعة مذهلة، حتى بلغ حجمها اليوم أكثر من 600 مليار دولار. البنية التحتية الخاصة والاستثمار العقاري يتوسعان أيضا.
في الواقع، حسبت شركة ويليس تاورز واتسون منذ بضعة أعوام أن مالكي الأصول العالمية وضعوا الآن نحو 14 في المائة من أصولهم في الأسواق الخاصة (معظمها أسهم خاصة وعقارات)، مقارنة بلا شيء تقريبا قبل بضعة عقود. ويتوقعون أن يرتفع هذا إلى 20 في المائة خلال عشر سنوات.
بعض المراقبين، مثل هنري فرنانديز، الرئيس التنفيذي لـ "إم إس سي آي"، يعتقدون أن ذلك قد يكون أعلى بكثير. "إم إس سي آي" مقتنعة جدا بأن هذا الانجراف نحو التمويل الخاص موجود ليبقى وأنه يطور مؤشرات وأدوات المحفظة بهدوء لمساعدة المستثمرين على تتبع هذه الأوراق المالية والأصول الخاصة. تعتقد المجموعة أن هذا يمكن أن يكون واحدا من أهم الآفاق الجديدة للتمويل في السنوات المقبلة. هذا أمر مهم بالنظر إلى أن "إم إس سي آي" صاغت لنفسها اسما بوصفها بطلة الأسواق العامة، إذ وسعت مؤشرات الأسهم والسندات في جميع أنحاء العالم.
يقول فيرنانديز: "تاريخيا كانت الاستثمارات حول الأسواق الخاصة. في القرن الماضي تغير هذا الأمر وتوجهت الأموال المؤسسية إلى الأسواق العامة. ربما يجب أن نتساءل ما إذا كنا (...) نعود بشكل أكبر إلى المعايير التاريخية؟".
إذا كان الأمر كذلك، فسيؤدي إلى قلب كثير من الافتراضات الحالية حول التمويل الحديث. في القرن العشرين كان يفترض في كثير من الأحيان أن الأسواق العامة كانت مثالا للرأسمالية المالية؛ في الواقع كانت الفكرة متأصلة بعمق لدرجة أن صانعي السياسة والخبراء الماليين كانوا يميلون إلى افتراض أن التطور المالي يسير في اتجاه واحد: من الخاص إلى العام.
لكن الاتجاه اليوم نحو التمويل الخاص مدفوع بعوامل "جذب" و"دفع". فمن ناحية استثمارات الأسهم الخاصة والاستثمارات في مجالي العقار والديون كانت في كثير من الأحيان تقدم عوائد أفضل من الأسهم العامة في العقد الماضي. وعلى الرغم من أن هذه القطاعات اعتادت أن تدار مثل الصناعات المنزلية، إلا أنها تنضج - أو على الأقل تستنسخ بعض عناصر الأسواق العامة مع تقديم تقارير أفضل قليلا. وعليه تظهر رغبة "إم إس سي آي" وغيرها في المشاركة.
في الوقت نفسه، أسباب وجود الأسواق العامة تتعثر. كان ينظر إليها على أنها نوع أكثر ديمقراطية وشمولية للرأسمالية (لأن ملاك الأوراق المالية كان لهم دور في صنع القرار)، ما يوفر مزيدا من الشفافية (إذ كان هناك مزيد من التقارير) والسيولة (مع مزيد من التداول). كان يعتقد أيضًا أنه إذا واجه مديرو الشركات حكمة حشود (المساهمين)، فستكون الشركات مدارة بصورة أفضل.
لكن انتشار عمليات إدراج الفئة المزدوجة، التي تمنح بعض أصحابها سلطة مفرطة، يقوض فكرة ديمقراطية المساهمين. وفي الوقت نفسه، يجادل النقاد بأن صعود المستثمرين الناشطين وتقارير الشركات الفصلية عززت ثقافة الشركات ذات المدى الأقصر. بالتالي شهدت السيولة في أسواق الأسهم والسندات العامة انخفاضا حادا منذ عام 2008، بينما نما التمويل للصفقات الخاصة.
ربما يكون هذا ولعا مؤقتا، مدفوعا بأموال رخيصة. ليس من الواضح كيف ستعمل الطفرة الأخيرة في التمويل الخاص إذا (أو عندما) تتغير دورة الائتمان. يشير ويليام لي، كبير الاقتصاديين في "ميلكين" إلى أن "عوائد الأسهم الخاصة لا تبدو مستدامة - لقد بدأت تتراجع". هذا ليس مطمئنا، خاصة أنه لا يمكن لأي قدر من الضجة حول الأدوات والمؤشرات الجديدة "الصديقة للمستثمر" أن يغير حقيقة أن التمويل الخاص خاص - وبالتالي عرضة لعدم الشفافية وانعدام السيولة.
هناك نقطتان أساسيتان يتعين على المستثمرين التفكير فيهما. أولا، يجب أن تكون الحكاية بمنزلة صيحة تنبيه عاجلة لصانعي السياسات للبدء في معالجة جميع أوجه القصور الواضحة للغاية في الأسواق العامة - ولا سيما إذا كانوا يعتقدون، كما أعتقد، أن الأسواق العامة تظل هي أفضل طريقة لإيجاد رأسمالية تشاركية وديمقراطية. ثانيا، لا يمكننا افتراض أن التاريخ يتبع خطا مستقيما. في المجال المالي - كما هي الحال في السياسة - يمكن للبندول أحيانا التأرجح بطرق مفاجئة؛ وليس دائما بطريقة تمثل "التقدم".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES