أخبار اقتصادية- عالمية

الطاقة الإنتاجية الفائضة لصناعة السيارات الصينية تربك الأسواق وتزيد مخاوف الإغراق

الطاقة الإنتاجية الفائضة لصناعة السيارات الصينية تربك الأسواق وتزيد مخاوف الإغراق

في ظل فائض الإنتاجية في قطاع السيارات الصيني يرى مختصون اقتصاديون أن الصين ستتبع سياسة إغراق الأسواق العالمية بسياراتها بعد انخفاض الطلب المحلي.
وفقا للبيانات الصينية الرسمية فإن مبيعات السيارات العام الماضي بلغت 28.1 مليون سيارة، لتنخفض عن عام 2017 بنحو 2.8 في المائة، وتعد تلك أول مرة تنكمش فيها سوق السيارات في الصين منذ تسعينيات القرن الماضي.
ويعتقد البعض أن العام الجاري لن يكون أفضل من سابقه بالنسبة لصناعة السيارات في الصين، خاصة مع ترجيح كثير من الخبراء أن تتواصل الحرب التجارية مع الولايات المتحدة لبعض الوقت.
وقد طرحت تلك التطورات تساؤلات بشأن الآفاق المستقبلية لصناعة السيارات في الصين، وهل يمكن للسلطات الصينية مواصلة التعويل على أسواقها المحلية فقط لاستيعاب طاقتها الإنتاجية المتنامية في عالم السيارات، أم أن طاقتها الإنتاجية الفائضة لن يكون أمامها وسيلة لتصريفها غير إغراق أسواق الآخرين، بما قد يحمله ذلك في طياته من إمكانية اتساع نطاق الحرب التجارية بانضمام أطراف دولية أخرى إليها وفي مقدمتهم الاتحاد الأوروبي.
لا ينفي عدد من الخبراء تأثير الحرب التجارية بين واشنطن وبكين على المبيعات في أكبر سوق عالمية للسيارات، لكنهم يعتقدون أن العوامل الداخلية كان لها الدور الأساس في هذا التراجع.
ويقول لـ"الاقتصادية"، ليفي روني المهندس في شركة فوكسهول لإنتاج السيارات: "بعد عشر سنوات من مضاعفة الصين ديونها إلى ما يقرب من 300 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، نجد أن الصين خلال العام الماضي حاولت التعامل مع هذا الوضع الاقتصادي الخطير خاصة في أعقاب أزمة الائتمان، وقد ألغت الحكومة الإعانة الضريبية على شراء السيارات، الأمر الذي مثل صدمة للأسواق وتسبب في انخفاض الطلب".
ويضيف روني: "نعتقد أن الأرقام الرسمية لا تعكس الواقع الصعب الذي تمر به صناعة السيارات في الصين فبخلاف التقديرات الرسمية لم تزد مبيعات السيارات في الصين خلال العام الماضي عن 22 مليون سيارة جديدة، وهذا يمثل هبوطا بنسبة 6 في المائة تقريبا عن عام 2017، وأول انخفاض منذ 20 عاما".
وتنبع أهمية صناعة السيارات في الصين من أنها محرك رئيس للإنتاج الصناعي، ومقياس للطلب على السلع الاستهلاكية، ومع تباطؤ النمو الاقتصادي الصيني نتيجة مجموعة متنوعة من العوامل، تباطأت أيضا مبيعات التجزئة بوتيرة لم تشهدها البلاد منذ سنوات.
ويوضح لـ"الاقتصادية"، الدكتور هاري جاريث أستاذ الاقتصاد الآسيوي في جامعة لندن، أن" المشكلة لا تكمن فقط في تراجع مبيعات السيارات في الصين، ولكن الأكثر تأثيرا على الأمد الطويل هو أن بكين لديها القدرة على تصنيع 43 مليون سيارة سنويا بفضل الإضافات الأخيرة على السعة الإنتاجية من قبل شركات مثل فورد، وبيجو، وهيونداي، وغيرها، فقد زاد عديد من الشركات طاقتها الإنتاجية لأن السوق كانت تنمو بسرعة، واليوم تمثل تلك الطاقة الإنتاجية مشكلة لأن المصانع الصينية تنتج نحو 29 مليون سيارة فقط، والطلب الصيني يتراجع".
وتعد القدرة الإنتاجية غير المستغلة مشكلة كبيرة لأن مصانع السيارات لديها كثير من التكاليف الثابتة التي يجب تغطيتها، وبعض تلك المصانع تبلغ تكاليفها الثابتة سنويا نحو مليار دولار، وتعتمد تلك المصانع على إنتاج كثير من المركبات لاستيعاب التكلفة الثابتة، وتحتاج إلى إنتاج ما يراوح بين 200 و250 ألف سيارة سنويا وهو ما يزداد صعوبة في الوقت الراهن.
ولا شك أن تلك الأخبار مقلقة بالنسبة لشركات إنتاج السيارات العملاقة إذ تعني حروب أسعار وأرباح أقل في الأسواق الصينية، ومعظم تلك المصانع الجديدة التي أنشأت في الصين اعتمدت على الحوافز الاقتصادية المقدمة من حكومات المقاطعات المحلية، لجذب تلك الشركات على أمل أن يؤدي إنشاء مصانع للسيارات إلى مزيد من التوظيف في المقاطعات التي تنشأ فيها.
ومن المرجح أن تواصل المقاطعات المحلية بل والحكومة الصينية ذاتها الضغط على تلك الشركات لمواصلة الإنتاج والتشغيل للحفاظ على معدلات التوظيف، سواء كان ما ينتج من سيارات سيباع أم لا، وهو ما يعني عمليا أنه لن يكون أمام المنتجين من سبيل آخر غير خفض الأسعار بمعدلات ضخمة، ما سينعكس حتما على الأرباح.
لكن القلق لا تقف حدوده عند شركات السيارات العاملة في الصين بل يمتد إلى عديد من البلدان الأوروبية المنتجة للسيارات، وفي مقدمتها ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، فالتجارب التاريخية مع الجانب الصيني في حالات مماثلة ومن أبرزها صناعة الصلب الصينية تشير إلى ما يصفه إيان كينج الباحث في الشؤون الصينية بالهروب من الأزمة عبر نقلها إلى الآخرين.
ويقول كينج لـ"الاقتصادية"، إن السعة الإنتاجية الكبيرة يليها غالبا حروب أسعار، مدفوعة في ذلك بسلوك الشركات التي تحاول تغطية تكاليفها النقدية الثابتة، وحدث ذلك من قبل في صناعة الصلب الصينية، ما أدى إلى تدفق الصادرات إلى الولايات المتحدة وأماكن أخرى، وعندما فرضت واشنطن تعريفات جمركية على الواردات الصينية، غمر الفولاذ الصيني الأسواق الأوروبية، والسيارات بالطبع أصعب من ذلك قليلا، لأنه يجب أن تفي بمعايير السلامة في الأسواق التي تقوم بالتصدير إليها، وتحتاج أيضا إلى شبكة توزيع لبيعها، ولكن طالما ظلت صناعة السيارات في الصين تفتقد حوافز حقيقية لإزالة الطاقة الفائضة في الأسواق، فإن إغلاق مصانع جديدة نسبيا في الصين، وما قد ينجم عن ذلك من زيادة محتملة في معدلات البطالة، أمر غير محتمل ومستبعد".
ومن ثم، فإن الخطوة المقبلة أمام الصين لن تكون من وجهة نظر إيان كينج غير إغراق الأسواق الأوروبية بالسيارات الصينية.
وبهدف تخفيف المخاوف الأوروبية خشية أن يسير الاتحاد الأوروبي على خطى الإدارة الأمريكية، ويزيد التعرفة الجمركية على الواردات الصينية خاصة السيارات، تعهدت الصين بتطبيق سياسات ترفع الإنفاق المحلي على عناصر مثل السيارات، إلا أنها لم تقدم تفاصيل بهذا الشأن، لكنها أدخلت تغييرات على ضريبة الدخل لزيادة القوة الشرائية في المجتمع، ما قد يسهم في التخلص من المخزون غير المبيع، ويدفع نمو المبيعات مستقبلا.
وتستهدف السلطات الصينية تحقيق نمو في مبيعات السيارات بنحو 7 في المائة هذا العام، لكن إمكانية تحقيق تلك المعدلات يعد مثار جدل بين الخبراء، وستكشف الأشهر المقبلة عن مدى قدرة ثاني أكبر اقتصاد في العالم على تحقيقه من عدمه.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية