أخبار اقتصادية- عالمية

اقتصاد إيران يترنح .. والبطالة ضعف ما تعلنه الحكومة

اقتصاد إيران يترنح .. والبطالة ضعف ما تعلنه الحكومة

اقتصاد إيران يترنح .. والبطالة ضعف ما تعلنه الحكومة

وجهت الإدارة الأمريكية ضربة موجعة إلى الاقتصاد الإيراني، بتشديد العقوبات وإلغاء الإعفاءات التي كانت ممنوحة لمستوردي نفطها بحلول الثاني من أيار (مايو) المقبل، على أمل أن يعيد نظام الملالي التفكير مليا في التكلفة التي سيتحملها شعبه، جراء مواصلة أنشطته التوسعية، ودعمه الأعمال الإرهابية لزعزعة استقرار وأمن بلدان الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
الضربة الأخيرة التي وجهتها واشنطن إلى طهران، بوقف منح الإعفاءات من العقوبات لمستوردي النفط الإيراني، كانت بمنزلة القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ أكملت إلى حد كبير دائرة العقوبات الدولية المفروضة على نظام الملالي، وقلصت بشكل واضح هامش المناورة المتاح أمامه.
بموجب الخطوة الأخيرة باتت أي دولة تشتري الخام الإيراني في مرمى العقوبات الأمريكية، ما يتوقع معه أن تصل صادرات إيران النفطية إلى الصفر تقريبا.
بعيدا عن الشعارات الطنانة والأحاديث المجوفة من قبل النظام الإيراني وأتباعه، بمواصلة المعركة ضد الإمبريالية العالمية، فإن المؤكد أن الآلام الاقتصادية تفت في عضد النظام، وتضعفه وتقلص الخيارات المتاحة له في ظل تراجع قدرته على تمويل أنشطته المزعزعة للاستقرار.
والمعروف أن الاقتصاد الإيراني يعتمد في نموه الاقتصادي على موارد الطاقة، إذ لا يتمتع الاقتصاد الإيراني باكتفاء ذاتي حقيقي، حيث يستورد كثيرا من السلع الرئيسة سواء في مجال الإلكترونيات المتقدمة أو السلع الاستهلاكية الضرورية مثل السيارات والمركبات العامة ومضخات المياه والمحركات والأدوية والمعدات الطبية.
وحتى المواد الغذائية التي يطنطن النظام بأنها أحدث طفرة في تقليص اعتماده على الاستيراد من الخارج، تبدو محض كذب وتدليس، فوفقا للبيانات الرسمية يدعي النظام أنه قلص استيراده من السلع الغذائية من 50 في المائة عام 2013 إلى 20 في المائة خلال 2017، وهي إحصاءات تشكك في مصداقيتها المنظمات الدولية.
وحتى في ظل الأرقام التي يعلنها النظام، فإنها تعد معدلات شديدة الارتفاع في ظل تقلص الموارد المالية المتاحة له من تصدير النفط بعد العقوبات الدولية التي فرضت عليه.
ويفسر ذلك لـ"الاقتصادية"، علي جواد المختص الاقتصادي الإيراني "المشكلة التي تواجه النظام حاليا لا تكمن فقط في ارتفاع نسبة استيراده من المواد الغذائية، أو حتى ما يستورده من السلع الرئيسة الأخرى، التي تعد حيوية ليس للتنمية الاقتصادية، إنما لاستمرار الحياة اليومية وفقا للمعايير الحديثة مثل أجهزة الكمبيوتر والثلاجات والسيارات والهواتف المحمولة والمعدات الطبية، وكل تلك المواد والسلع يتم سدادها باستخدام الدولار الأمريكي، الذي يعد العملة الرئيسة في التجارة الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ومن ثم يتعين أن تقوم إيران بتصدير منتج ما للحصول على الدولار، وكان النظام يعتمد على صادراته النفطية للحصول على الدولارات، وهو ما تبخر الآن بعد القرار الأمريكي بوقف منح الإعفاءات من العقوبات لمستوردي النفط الإيراني".
ويبدو التأثير السلبي للعقوبات الدولية في إيران في ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، إذ يؤكد مركز الإحصاء الإيراني أن نسبة التضخم في نيسان (أبريل) الحالي ارتفعت 51.4 في المائة، مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي، مضيفا أن "هذا يعني أنه في نيسان (أبريل) 2019، أنفقت الأسر في البلد في المتوسط 51.4 في المائة أكثر مما كانت عليه في نيسان (أبريل) 2018 لشراء مجموعة واحدة من السلع والخدمات فقط في فئة الغذاء والشراب والتبغ، ومعدل التضخم في نيسان (أبريل) من هذا العام 85.3 في المائة مقارنة بشهر نيسان (أبريل) من العام الماضي".
وأعلن المركز أيضا أن التضخم زاد بنسبة 3.7 في المائة للأسر الحضرية وبنسبة 5.8 في المائة للأسر الحضرية في الأشهر الـ12 التي سبقت نيسان (أبريل) 2019 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وأدت صعوبة استيراد المكونات الأساسية للمنتجات التي تصنع في إيران، إلى توقف العملية الإنتاجية في كثير من المصانع.
وصرح نائب مدير وزارة الصناعة والمناجم والتجارة الإيرانية بأن ألفي وحدة إنتاجية شبه معطلة الآن بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج بنحو ثلاثة أضعاف التكلفة المعتادة.
وأعلن عدد من أعضاء مجلس الشورى الإيراني تشككهم في معدلات البطالة التي تعلنها الحكومة، مؤكدين أن معدل البطالة الحقيقي في إيران ضعف المعدل الرسمي البالغ 24 في المائة.
الدكتور بيرت برودي أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة ليفربول، يعتقد أن إيران باتت عمليا في حالة عزلة دولية، إذ لم يعد في مقدورها حاليا استبدال عملتها بالدولار، ولا يوجد مجال متاح لمعظم البنوك الأجنبية للتعامل مع البنوك الإيرانية الآن على الإطلاق، وحتى التجارة الإنسانية والسلع المعفاة من العقوبات الأمريكية مثل الغذاء والطاقة والأدوية ستواجه أوقاتا صعبة.
ويضيف لـ"الاقتصادية"، أن "الأوضاع المعيشية في إيران ستزداد صعوبة بلا شك، وسيزداد معدل الاضطرابات الداخلية وسيتسع نطاق العزلة الراهنة بين النظام والمواطنين، خاصة مع عجز النظام المتنامي عن تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب".
ويشير برودي إلى أن "المؤسسات المختلفة وفي مقدمها الحرس الثوري ستتحايل على الوضع، وستسعى إلى التغلب على العقوبات، وداخليا ستشدد قبضتها ضد أي صوت للمعارضة يطالب بالحرية أو الشفافية أو إعادة النظر في السياسات المتبعة، وسيلجأ النظام إلى الوسائل غير القانونية مثل تهريب الذهب أو النفط عبر تركيا مع إعطاء حصة إلى الجانب التركي ليغمض الطرف عن تلك العمليات، في محاولة للحصول على مدخلات مالية قادرة على تمويل قبضته السلطوية، وتوفير بعض السلع الأساسية والضرورية خاصة في القطاعين الطبي أو الغذاء".
ويتجلى التدهور الاقتصادي التدريجي في إيران نتيجة العقوبات الاقتصادية، في انهيار الصناعات التي طالما افتخر النظام بأنه حقق فيها إنجازات، أبرزها صناعة السيارات، التي باتت اليوم على شفا الانهيار، فالصناعة لم تعد قادرة على الأداء بشكلها التقليدي في ظل التحديات التي تواجهها، فقد أدت الضربات الأمريكية إلى انخفاض قيمة العملة الإيرانية، وتقلص الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، ويتوقع أن ينخفض الناتج المحلي أكثر هذا العام، وحتى ملامح الفخر التي يروج لها النظام باعتبارها الدليل على فشل العقوبات وهي ثبات سعر صرف العملة بعد حالة الانهيار التي منيت بها، فإنها جاءت على حساب استنزاف الاحتياطيات الأجنبية.
كسرى أفشين الباحث الاقتصادي والمعارض الإيراني يعتقد أن "الاقتصاد الإيراني أسوأ بكثير مما يحاول النظام الادعاء بشأنه، العبء الكامل للعقوبات الأمريكية بدأ في الظهور حتى قبل أن يعلن وزير الخارجية الأمريكي إصرار واشنطن على قرار تصفير صادرات إيران النفطية".
ويضيف لـ"الاقتصادية"، أن "إلقاء اللوم على العقوبات فحسب أمر مبالغ فيه، فالضغط الاقتصادي الأمريكي يضيف في الواقع إلى سنوات من الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية من قبل النظام، ما أدى إلى معدلات تضخم وبطالة مرتفعة ومزمنة، حتى قبل بدء فرض العقوبات الدولية، وحتى قبل العقوبات والصفقة المريبة التي وقعها أوباما مع النظام، وفشلت طهران في أن تتحول إلى مكان جاذب للاستثمار الأجنبي، والآن باتت قدرة إيران على استيعاب العقوبات الأمريكية أقل مما كانت عليه في الماضي".
وتظهر واقعية هذا التحليل في أن عجز الموازنة العام الماضي كان ضعف ما توقعته الحكومة، وكان ذلك مع عائدات نفط أعلى من المتوقع، لكن مصادر الإيرادات الأخرى كانت أقل من التوقعات نتيجة انكماش الاقتصاد.
ومع توقع مزيد من العجز مع هبوط الإيرادات الحكومية في ظل تراجع الواردات وحصيلة الجمارك وانخفاض المحصلة الضريبية نتيجة الكساد التجاري في إيران، فإن أغلب التقديرات تشير إلى انخفاض قيمة العملة الإيرانية، ومن ثم ارتفاع تكلفة الواردات، وهو ما ينبئ بمزيد من التدهور المعيشي.
الدكتور هارولد آرثر أستاذ اقتصادات الشرق الأوسط في جامعة شيفيلد يشير إلى أن الحكومة الإيرانية ستواجه إشكالية حقيقية بشأن الميزانية العامة لهذا العام.
ويوضح لـ"الاقتصادية"، أن "المخطط الإيراني للميزانية مبني على أساس تصدير 1.5 مليون برميل من النفط ، على الرغم من العقوبات الأمريكية، أضف إلى ذلك أن الميزانية تعتمد على العائدات النفطية بشكل مطلق، والآن الكميات القليلة التي كانت تصدر باتت مهددة، وهناك مشكلة حقيقية للحصول على مقابل ما تصدره أو تهربه إيران من النفط، نتيجة عدم تعامل النظام المصرفي الدولي مع إيران، وحتى المحاولات الأوروبية للالتفاف على العقوبات الأمريكية لم تحقق نجاحا يذكر".
الأمر المؤكد الآن أن الألم الاقتصادي الإيراني سيزداد سوءا هذا العام، فصندوق النقد الدولي يتوقع أن ينكمش الاقتصاد بأكثر من 3 في المائة، وأن تتراجع الاستثمارات الأجنبية، وأن يزداد صراع الإيرانيين الداخلي لشراء السلع الأساسية، ويتفاقم عجز الميزانية، ولن يكون أمام النظام إلا خفض الرواتب وتقليص المعاشات وتراجع الإنفاق الاجتماعي أو رفع الضرائب وزيادة معدلات التضخم، وفي مجتمع يشهد حالة من الغليان الداخلي نتيجة أجواء القمع وغياب الحريات الاجتماعية، فإن تلك الخيارات إلّم تؤد إلى انهيار اقتصادي تام، فستؤدي إلى شلل مجتمعي ومزاج ثوري مشابه لمرحلة ما قبل سقوط الشاه.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية