أخبار اقتصادية- عالمية

شركات طيران عالمية من «التحليق» إلى الإفلاس .. فساد وتوسع غير مدروس

شركات طيران عالمية من «التحليق» إلى الإفلاس .. فساد وتوسع غير مدروس

لم يكن أمام شركة "جيت إيروايز" الهندية، إلا إعلان إفلاسها بعد أن أغرقتها الديون. وإفلاس إحدى أكبر وأهم شركات الطيران الهندية، وأكثر شركات الطيران الخاص في البلاد قدما، فتح الباب على مصراعيه للبحث مجددا في دواعي وأسباب إفلاس شركات الطيران عبر العالم.
الشركة الهندية أفلست في وقت تحلق فيه صناعة الطيران الهندية عاليا، حيث إن الهند أسرع أسواق الطيران الرئيسة في العالم نموا، والعام الماضي استخدم 138 مليون راكب الطائرات، مقارنة بـ51 مليونا عام 2010.
والهند لديها 600 طائرة في الخدمة، كما أن شركات الطيران الهندية تقدمت بطلبات لشراء 859 طائرة، لتصبح أكبر سوق للطيران في العالم بحلول عام 2020، والأكبر بحلول عام 2030، ومع هذا كله أفلست "جيت إيروايز".
بالطبع الهند ليست حالة استثنائية وإن كانت مثيرة للاستغراب في ظل جميع عوامل النجاح المتاحة للشركة المفلسة. فقد سبقها هذا العام إفلاس لشركة جيرمانيا الألمانية التي تأسست قبل 30 عاما، وكانت تقل سنويا أكثر من أربعة ملايين راكب.
والعام الماضي شهد إفلاس عدد من شركات الطيران الأوروبية الشهيرة مثل شركة "براميرا إير"، وهي شركة طيران صغيرة منخفضة التكلفة، سعت إلى توسيع انتشارها من شمال أوروبا "مقرها في لاتفيا والدنمارك" إلى مناطق في أمريكا الشمالية. كما أفلست شركة الطيران السويسرية "سكاي وركرز" وكذلك شركة VLM وهي شركة بلجيكية تم تصفيتها في آب (أغسطس) الماضي.
كما أفلست شركة الطيران الوطنية في الدومينكان في كانون الثاني (يناير) عام 2018، وشركة SBA الفنزويلية في نيسان (أبريل) من العام الماضي، وكذلك "أسيركا الفنزويلية"، وخطوط طيران جريت ليكس الأمريكية، وغيرها من الشركات بعضها عربي مثل الخطوط الجوية الوطنية الكويتية، وكانت ضمن أكبر شركات الطيران في الكويت وأغلقت في أيلول (سبتمبر) الماضي، و"إير أربيا" الأردنية توقفت عن العمل في نيسان (أبريل) 2018.
قائمة طويلة من شركات الطيران منخفضة التكاليف والتقليدية، توقفت جميعا عن العمل معلنة إفلاسها وعدم قدرتها على سداد ما عليها من التزامات مالية.
ويصبح التساؤل ما الذي يقود شركات الطيران إلى الانهيار والتوقف؟ هل هي ذات العوامل التي تؤدي إلى انهيار شركات ومؤسسات في مجالات اقتصادية أخرى؟ أم أن إفلاس شركات الطيران يعود إلى عوامل خاصة بها تخرج في كثير من الأحيان عن نطاق السيطرة؟.
يجزم بوبي شارلز المدير التنفيذي السابق في شركة "إيزي جيت"، أن السبب الحقيقي وراء إفلاس شركات الطيران يعود إلى تفشي الفساد والمحسوبية.
ويقول لـ"الاقتصادية"، إن "التطور الاقتصادي العالمي يعزز الاتجاه إلى استخدام الطيران في التنقل، ولا يتعلق الأمر بالسرعة فقط في التنقل من مكان إلى آخر، بل هناك عوامل أخرى مثل أن السفر بالطائرة يعزز المكانة الاجتماعية للمسافر داخل العائلة وبين الأصدقاء وفي المنطقة السكانية التي يقيم فيها مقارنة بالسفر بالسيارة أو الحافلات العامة، ولهذا نجد إقبالا شديدا خاصة مع نمو الطبقة المتوسطة عبر العالم على السفر بالطائرات".
ويضيف "المشكلة تكمن في سوء الإدارة واختيار عناصر لا تتمتع بالخبرة أو الكفاءة المطلوبة لإدارة شركات الطيران، وكذلك لتدني المعايير المتعلقة باختيار أطقم العاملين، وكذلك عدم محاسبة الإدارة بشكل حاسم وقاطع، تلك هي العوامل الأساسية وراء الإفلاس، أما العوامل الأخرى مثل ارتفاع التكاليف خاصة الوقود بشكل مفاجئ، فإنها عوامل تؤدي إلى عثرات وانخفاض معدل الربح وافتقاد الجاذبية من قبل المستثمرين لمزيد من التوسع، لكن الإدارة ذات المصداقية والكفاءة يمكنها التعامل مع تلك العوامل في الأجل المتوسط لتفادي الإفلاس".
لا تنفي الدكتورة ريباكا كان أستاذة هندسة الطيران في جامعة ليفربول، تأثير تلك العوامل في إعلان إفلاس شركات الطيران، لكنها ترى أن المنافسة في هذا القطاع باتت حادة للغاية بحيث تؤدي إلى خروج العناصر الأضعف.
وتقول لـ"الاقتصادية"، إن "شركات الطيران تتصارع بشدة في الأسواق الأوروبية، وبشراسة للحصول على مزيد من العملاء، ما أدى إلى انهيار عديد من شركات الطيران في السنوات الأخيرة، مثل إير برلين ومونارك حتى شركة أليطاليا ولم يكن أمام الشركات سوى الاندماج أو إعادة هيكلة جذرية".
وتضيف "أحد أبرز العوامل المؤدية للإفلاس فشل شركات الطيران في طرح طرق جديدة لاجتذاب الركاب، وارتفاع تكلفة الوقود، وتأخر تسليم الطائرات الجديدة مع تقادم الطائرات المستخدمة، والفشل في الحصول على قروض جديدة، والتوسع غير المدروس المبني على مؤشرات أولية ضعيفة دون دراسة حقيقية للأسواق، وعدم الأخذ في الاعتبار العوامل الاقتصادية والسياسية غير المتوقعة".
لكن بعض المختصين يرجعون إفلاس شركات الطيران، إلى ما يصفونه بالبيئة السامة للطيران التجاري على المستوى العالمي، خاصة في البلدان النامية والاقتصادات الناشئة.
من جهته، يقول فرانك بريان الطيار السابق والاستشاري في خطوط فلاي بي، "في عديد من البلدان في آسيا وإفريقيا نجد أن الحركة الجوية في المطارات الرئيسة تعاني نقص الموظفين، والهند على سبيل المثال واحدة من أكثر البلدان التي تغيب فيها السلامة الجوية، وأحيانا تتدخل هيئة تنظيم الطيران، وهي هيئة فنية بالأساس في مطالبة شركات الطيران بعدم زيادة الأسعار، وربما توجد منافسة بين شركات الطيران، لكن لا توجد منافسة حقيقية في النظام البيئي لشركات الطيران".
لكن الإفلاس يحدث أيضا نتيجة مرض شائع بين أصحاب شركات الطيران وهو الرغبة في التوسع الزائد بمجرد تحقيق شركتهم معدلات ربح مرتفعة. وإذا كان التوسع يساعد على تحقيق مزيد من الإيرادات والأرباح، فإنه يضعف القدرة التمويلية للشركة من خلال غياب السيولة المالية لديها، ويدفعها في كثير من الأحيان إلى اللجوء للخدع المالية المحاسبية، التي بدونها لن تجد أحدا على استعداد لتمويلها.
ولكن ماذا عن المستقبل؟ وهل سيشهد هذا العام مزيدا من شركات الطيران المفلسة؟.
يبدو المشهد مفتوحا على جميع الاحتمالات، فالأمر يتوقف على وضع الاقتصاد العالمي. فارتفاع معدلات النمو قد يقل عديدا من الشركات المتعثرة حاليا من كبوتها، ولكن إذا شهد الاقتصاد الدولي مزيدا من الضغوط، فإن الشركات الصغيرة ستشهد أوضاعا صعبة قد تدفعها إلى الانسحاب من السوق أو الاندماج، فالأمر في نهاية المطاف سيتوقف على الحجم ومستوى المنافسة.
يقول لـ"الاقتصادية" روب بايد الصحافي المختص في شؤون الطيران في هيئة الإذاعة البريطانية، إن "المعروض من مقاعد الطيران يتزايد بوتيرة تفوق سرعة زيادة الطلب، ولا يستطيع الصغار مواكبة أداء أفضل شركات الطيران من حيث مواجهة ضغوط الميزانية، لأنهم يفتقدون النطاق المطلوب للتفاوض على الخصومات بشأن العناصر المكلفة في الطيران مثل وقود الطائرات، أما شركات النقل الوطنية فإنها تعاني أيضا التكاليف التي تحول دون تبنيها تكتيكات القادمين الجدد".
ويعتقد روب أن الشركات الكبيرة من القادمين الجدد ستبتلع جزءا كبيرا من الحصة السوقية للصغار، وستضيق الخناق على عمل الشركات الصغيرة بمفردها، حيث إن الشركات الكبيرة تبدو في كثير من الأحيان غير مهتمة بالربح، بقدر اهتمامها بطرد منافسيها من السوق.
ويشير إلى أن نتيجة هجوم شركات الطيران الكبيرة على منافسيها الصغار، تتراجع أرباح الشركات الصغيرة ويتقلص عدد المستثمرين فيها، ومن ثم لا يكون أمامها من حل آخر غير الاندماج مع بعضها بعضا لتشكيل فريق واحد قادر على المنافسة والبقاء في السوق.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية