FINANCIAL TIMES

امتحان لايتايزر على مشارف نهاية محادثات العملاقين

امتحان لايتايزر على مشارف نهاية محادثات العملاقين

عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في البيت الأبيض، أن الأمر قد يستغرق حتى أيار (مايو) المقبل، لإبرام صفقة لإنهاء الحرب التجارية مع الصين، كانت لدى روبرت لايتايزر الممثل التجاري الأمريكي أسباب قوية للشعور بالراحة.
ممثل التجارة الأمريكي البالغ من العمر 71 عاما – مواطن من ولاية أوهايو معروف بصوته الخشن ونظرته الحمائية إلى العالم – استطاع لتوه تأمين مزيد من الوقت للتوصل إلى تنازلات إضافية من بكين، ليطغى بذلك على مسؤولين آخرين في إدارة ترمب، كانوا يضغطون من أجل التوصل إلى اتفاق أسرع.
قال لايتايزر أمام الرئيس "لا يزال هناك بعض القضايا الرئيسة الكبرى التي لم تُحل، لكننا بالتأكد نحرز تقدما أكثر مما كنا نعتقد عندما بدأنا. أعتقد أن هذا بيان عادل".
كانت مكانة لايتايزر داخل إدارة ترمب تنمو بثبات، منذ أن أطلق الرئيس الأمريكي سلسلة من النزاعات التجارية مع منافسين استراتيجيين مثل الصين، وحلفاء مثل الاتحاد الأوروبي العام الماضي.
في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، كلفه ترمب بمسؤولية قيادة المحادثات مع بكين، بعد أن فشلت الجهود السابقة في التوصل إلى تسوية بقيادة ستيفن منوشين، وزير الخزانة، وويلبر روس، وزير التجارة.
ستحدد الأسابيع المقبلة إذا ما كان رهان ترمب على لايتايزر قد آتى أكله. إذا ضغط ممثل التجارة الأمريكي على الصينيين فوق الحد المحتمل يمكن أن تنهار المحادثات، الأمر الذي من شأنه أن يوجه ضربة كبيرة لأولوية ترمب السياسية الرئيسة، وقلب جدول أعماله التجاري.
أما إذا أبرم لايتايزر تسوية بسهولة فوق الحد، فسيستطيع ترمب أن يتوقع ردود فعل محلية عنيفة بسبب إبرام اتفاق ضعيف، الأمر الذي من شأنه أن يوجد أيضا مشكلة بالنسبة إليه، أثناء توجهه إلى معركة إعادة الانتخاب في عام 2020.
قال أحد كبار مسؤولي التجارة السابقين "أعتقد أنه سيبرم صفقة، على أن السؤال هو إذا ما كانت بتعبير لطيف ستجتاز الاختبار الجاد".
سيقول ترمب "إن أي شيء يوقعونه هو أعظم شيء على الإطلاق، لكن لم يتم اتخاذ قرار حتى الآن، حول إذا ما كان هذا سيمثل صفقة حقيقية وجوهرية، يأخذها الناس على محمل الجد".
فيما لا يقل عن اثنتين من المحادثات الهاتفية في الأيام الأخيرة، كان لايتايزر مرة أخرى، وإلى جانبه مونشين، يضغط على ليو هي، كبير المفاوضين الصينيين، لتقديم بعض التنازلات الإضافية.
كان الجانبان قريبين من التوصل إلى صفقة نهائية لعدة أسابيع، لكنهما واصلا المساومة على أكبر النقاط الشائكة في المحادثات، بما في ذلك التغيرات الهيكلية الكبيرة في السياسة الاقتصادية الصينية، والقوانين التنظيمية التي تطالب بها الولايات المتحدة، فضلا عن خطة لتنفيذ الاتفاقية ومصير الرسوم الجمركية الحالية.
هذا الشهر، أدى الضغط من لايتايزر إلى الحصول على بعض من التنازلات الإضافية من الصين بشأن التجارة الرقمية، خاصة بشأن المعاملة غير التمييزية لشركات الحوسبة السحابية الأمريكية، التي كانت قد برزت كنقطة خلاف رئيسة أخرى في المحادثات.
يقول أشخاص مطلعون على المحادثات "إن لايتايزر فوض كثيرا من المسؤولية لمسؤولي وزارة التجارة الأمريكية، بشأن عمليات شراء السلع الأمريكية على نطاق واسع من قِبل المشترين الصينيين".
تتم صياغة هذا الجزء من الاتفاق لإرضاء رغبة ترمب في خفض العجز التجاري الثنائي، إلا أن لايتايزر يعده أقل أهمية في المفاوضات.
قال مسؤول تجارة أمريكي كبير سابق آخر "يركز لايتايزر على أشياء مهمة فعلا، ولديه ميزة النفوذ التي يود بقيتنا التمتع بها، يسعى لكي يتم إنفاذ تغيرات هيكلية أساسية وإنجازها. الخطر الأكبر الذي يواجهه في المفاوضات مع الصين، لا يكمن بالضرورة في الجانب الآخر من الطاولة، بل في جانبه أيضا من حيث الانكشاف أمام إضعاف الوطن".
من بين المخاطر التي يواجهها لايتايزر في هذه المرحلة أنه قد يجد نفسه على خلاف مع ترمب، إذا لم يتبع الرئيس الذي لا يمكن توقع توصياته أو غير رأيه، مع وشك التوصل إلى اتفاق مع الرئيس تشي، ما يؤدي إلى توقف الدعم للمفاوضين.
يقول أشخاص مقربون من المحادثات "إن ترمب أظهر أنه حريص بشكل استثنائي في التعامل مع لايتايزر، مقارنة بمعاملة آخرين".
قال أحد الأشخاص المقربين من المفاوضات، "ترمب منح لايتايزر مساحة أكبر قليلا، لأنه يعرف أنه إذا تخلى عن المحادثات، فإن الصفقة ستنتهي".
هناك مآزق محتملة أخرى. كان لايتايزر يتفاوض على صفقة كبيرة داخل إدارة مختلة وظيفيا، حيث كان هناك انقسام كبير حول كيفية ممارسة التجارة مع الصين، والتغيير الكبير في صفوف كبار الموظفين والمسؤولين الحكوميين.
في الوقت نفسه، ضغط الكونجرس يزيد بسرعة، في الغالب ليبقى لايتايزر والبيت الأبيض صارمين بقدر الإمكان في المرحلة النهائية من المفاوضات.
روب بورتمان، ممثل التجارة الأمريكي السابق وعضو مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري عن ولاية أوهايو، قال في مجلس الشيوخ "أثني على إدارة ترمب لدخولها في هذه المفاوضات الصعبة والمهمة جدا مع الصين، وأشجع الإدارة لتبقى قوية في مسعى تحقيق تغيرات هيكلية جادة طويلة الأمد في تلك العلاقة".
سمعة لايتايزر كمتشدد فيما يتعلق بالتجارة مع الصين معروفة إلى حد كبير قبل فترة طويلة من انتخاب ترمب رئيسا، من خلال حياة مهنية استمرت لعقود كمحام لصناعة الصلب الأمريكية في شركة سكادين آربس Skadden Arps.
قال شخص يلتقي بانتظام ممثل التجارة الأمريكي "دائما ما كان يقول (على مقاس من 1 إلى 10، بالنسبة إلي قبول تحدي الصين يبلغ 30)". لم يكن لايتايزر قط الخيار الأول كشريك تفاوض مع بكين. على أنه بمرور الوقت، أصبح المسؤولون في بكين أكثر تقديرا للايتايزر، باعتباره المسؤول الكبير الوحيد في إدارة ترمب الذي يمكنه بالفعل التوصل إلى اتفاق. قال أحد الأشخاص الذي التقى كبار المسؤولين الاقتصاديين والمالين الصينيين "إنهم لا يحبون لايتايزر، لكنهم يحبون أنه يعرف ما يتحدث عنه، ويحترمونه لهذا الأمر. إنهم يدركون أن لديه فهما أفضل للقضايا من أي شخص آخر في إدارة ترمب".
بلغت شدة التكهنات بشأن وجهات نظر لايتايزر في هذا المنعطف الحاسم درجة أنه انتشرت حوله شائعات في مختلف أنحاء واشنطن. هذا الأسبوع، بعد أن أعلن منوشين أنه تم التوصل "إلى حد كبير" إلى اتفاق بشأن التنفيذ مع الصين، كان ينظر إلى رفض مكتب لايتايزر تأكيد هذا الإنجاز، على أنه علامة على خلاف بين الاثنين.
في وقت سابق من الشهر، كانت هناك شائعات غير مؤكدة من أن لايتايزر تدخل لتخريب إعلان قمة خطط لها ترمب في نهاية نيسان (أبريل) الجاري. وفي شباط (فبراير) الماضي، بعد نقاش متوتر مع ترمب، في الوقت الذي كانت فيه الكاميرات تصور في المكتب البيضاوي، كان هناك حتى حديث أن لايتايزر سئم من الأمر لدرجة أنه كان يستعد للتخلي عن المنصب، بسبب الإرهاق أو الإحباط.
يقول الأشخاص الذين يعرفونه جيدا "إن هذا أمر مستبعد للغاية، خاصة لأنه لا يزال عليه إكمال بقية جدول أعماله التجاري، مثل إقرار مراجعة اتفاقية نافتا عبر الكونجرس، وإطلاق محادثات تجارية مع اليابان، ومحاولة نزع فتيل التوترات التجارية مع بروكسل".
يقول بيل راينش، وهو مستشار أعلى في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، "أنا أعرفه منذ 35 عاما. أعتقد أنه يستمتع بالأمر فوق الحد، إلى درجة أنه لن يرغب في المغادرة. هو متقاعد من شركة المحاماة التي كان يعمل فيها، هذه هي محطته الأخيرة، أو قبل الأخيرة، ثم إنه موال للرئيس".
مسؤول تجاري بارز سابق آخر أضاف أن أي إحساس بالفشل بخصوص الصين، من شأنه أن يلقي بظلال كثيفة على تركة لايتايزر، بالتالي من المرجح له أن يبرم صفقة لترمب ويتمسك بها.
وقال المسؤول "لا يريد أن يخرج وكأنه شخص لم يحقق ما يريد. سيأخذ أي شيء، ويصور الموقف السيئ على أنه جيد، ويسوقه على أفضل نحو يقدر عليه".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES