FINANCIAL TIMES

هل تُفسد مبيعات الأراضي حفل تعافي اقتصاد الصين؟

هل تُفسد مبيعات الأراضي حفل تعافي اقتصاد الصين؟

يمتحن انخفاض مبيعات الأراضي تماسك رواية انتعاش اقتصاد الصين أخيراً في الوقت الذي تتعرض فيه الموارد المالية للحكومات المحلية في البلاد، لضغوط طويلة الأمد بما قد يؤدي إلى تعقيد محاولات تعزيز معدلات النمو، مع زيادة الاستثمار في البنية التحتية.
على الرغم من أن الأسواق تحتفل بعلامات تحسّن النشاط الصيني، إلا أن نشرات البيانات الشهرية الأفضل لا ينبغي أن تنتقص من قضايا تمويل الاقتصاد الهيكلية، الأمر الذي قد يؤثر في النمو، ويوجد تقلبات جديدة للأسواق العالمية.
مبيعات الأراضي ضرورية للحكومات المحلية، لأن التحويلات من الميزانية المركزية لم تكُن كافية للاستمرار في العمل.
جلبت مبيعات الأراضي مبلغ 6.5 تريليون رنمينبي (970 مليار دولار) إلى خزائن الحكومات المحلية العام الماضي، ما يمثل رقماً قياسياً بنسبة 27 في المائة من إجمالي الإيرادات.
كما تتدفق الإيرادات أيضاً من الضرائب المتعلقة بالممتلكات، مثل ضريبة صكوك الملكية، التي نُقدّر أنها تمثل نحو 10 في المائة من حصيلتها المالية.
(هذا لا يشمل الضرائب التي يتم تطبيقها على نطاق أوسع، مثل ضريبة القيمة المُضافة، ولا الضرائب التي تدفعها الصناعات المُساعدة للعقارات، مثل الإسمنت والصُلب).
نظراً لكون صحة الموارد المالية للحكومات المحلية ترتبط ارتباطا لا يُمكن فصله عن أسواق العقارات في البلاد، فإن تباطؤ العقارات يُخاطر بالانتشار عبر البيروقراطية، ما يجعل من الصعب أكثر على الحكومات المحلية تعزيز الاستثمار في البنية التحتية، لدعم الاقتصاد أو دفع فواتيرها.
بعد أكثر من عامين من تشديد السياسة الاقتصادية عموماً، وخصوصاً النقدية، يبدو أن هذا المصدر الحاسم من التمويل يتراجع، حتى مع خفض القيادة بالإنفاق وتشديد الميزانيات المالية، للسماح بتخفيض ضريبي بقيمة تريليوني رنمينبي.
على الرغم من أن مبيعات المنازل انتعشت بعد عطلة العام القمري الجديد، إلا أن شروط الائتمان تبقى متشددة. كانت شركات تطوير العقارات أقل نشاطاً في مزادات الأراضي.
كما انخفضت مبيعات الأراضي بنسبة 34 في المائة في أول شهرين من العام (تم دمج البيانات لأن العطلة تقع في تواريخ مختلفة كل عام)، بينما كان الانخفاض بنسبة 5 في المائة في إيرادات الحكومات المحلية من مبيعات الأراضي، الأكبر منذ الاضطراب الاقتصادي في عام 2015. من المقرر إصدار المؤشرات الاقتصادية الرسمية الرئيسة للربع الأول من العام، في الـ17 من نيسان (أبريل) الجاري.
تستعد الحكومة لتباطؤ السوق، وتتوقع نمو مبيعات الأراضي بنسبة 3 في المائة فقط في عام 2019، بانخفاض بنسبة 25 في المائة العام الماضي.
هذا قد يكون تقديرا متفائلاً. في عام 2014، توسعت مبيعات الأراضي بنسبة 40.3 في المائة، في الربع الأول، قبل أن تتراجع في النصف الثاني من العام الأراضي بل كثير من الأراضي.
انخفاض مبيعات الأراضي قد يكون له تأثير سلبي في الاستثمار في البنية التحتية، الذي تأمل القيادة هذا العام أن توفر مساراً سلسا نحو النمو الاقتصادي، ليتباطأ بما يراوح بين 6 و6.5 في المائة.
إذا انخفضت مبيعات الأراضي بنسبة 10 في المائة هذا العام –وهو سيناريو ليس مستبعدا– فإن هذا قد يعني إيرادات أقل بنحو 650 مليار رنمينبي للحكومات المحلية.
هذا أمر مهم للإنفاق على البنية التحتية لأنه يُمكن استخدام الإيرادات من مبيعات الأراضي، لتمويل مشاريع الاستثمار في البنية التحتية، على عكس السندات ذات الأغراض الخاصة التي يتم تشجيع الحكومات المحلية على بيعها، لجمع التمويل للاستثمارات التي من هذا القبيل.
يتم تحديد الحد الأدنى من متطلبات رأس المال لمشاريع البنية التحتية بنسبة 20-25 في المائة من إجمالي تمويل المشروع، ما يعني أن انخفاضاً بقيمة 650 مليار رنمينبي في إيرادات مبيعات الأراضي، وهو ما يُمكن أن يؤثر فيما يصل إلى 3.3 تريليون رنمينبي في الاستثمار في البنية التحتية.
قد تخفض الحكومة أيضاً متطلبات رأس المال، كما فعلت خلال فترات الركود السابقة، ولربما ليس بقدرٍ كافٍ لتخفيف قيود تمويل المشاريع.
انخفاض الإيرادات من مبيعات الأراضي سيجعل من الصعب أكثر على الحكومات المحلية دفع تكاليف أشياء مثل الخدمات العامة.
مثل هذه الإيرادات تُساعد أيضاً في خدمة عبء الديون الذي تُقدره الحكومة المركزية بقيمة 18.4 تريليون رنمينبي، فيما يعتقد خبراء الاقتصاد أنه يُمكن أن يكون أضعاف ذلك.
في العادة، تعتمد الحكومات المركزية والمحلية على الأموال الفائضة التي يُمكن ترحيلها من أعوام سابقة لملء فجوات الإيرادات.
على الرغم من غموض مصدر مثل هذه الأموال، إلا أن حجمها يُشير إلى أن معظمها يأتي من مبيعات الأراضي السابقة حيث تم ترحيل 1.23 تريليون رنمينبي من العام الماضي لتلبية هدف العجز في الحكومة المحلية.
مع انخفاض مبيعات الأراضي، وحيث إن التخفيضات الضريبية تجلب إيرادات أقل، ستكون هناك حاجة إلى زيادة الاعتماد على مثل هذا التمويل لتعويض النقص.
مقايضات غير مستساغة
بعد بداية سيئة لهذا العام، ربما تواصل مبيعات الأراضي الانتعاش على خلفية سوق الإسكان القوية نسبياً في آذار (مارس) الماضي. مع ذلك، فإن هناك مخاطر حقيقية في استمرار الانخفاض، الأمر الذي يفرض مقايضات غير مريحة، إذا أرادت الحكومات المحلية تجنّب حدوث أزمة تمويل.
هناك خيار بسيط لسد فجوات التمويل وتحقيق أهداف التنمية وهو التخفيف الشديد للقيود المفروضة على سوق الإسكان، ما يؤدي إلى تحفيز العرض والطلب لزيادة تدفق الأموال للحكومات المحلية.
مع ذلك، هذا لا يزال أمر غير مُبهج من الناحية السياسية، بسبب المخاطر المالية التي تنطوي على ذلك.
بالمثل، قد تحاول الحكومات المحلية الاعتماد أكثر على كياناتها المؤسسية –أدوات تمويل الحكومات المحلية التي تم إعدادها لتجاوز قواعد العجز القديمة، والشركات الحكومية المحلية– على الرغم من أن هذه أيضاً تخضع لقيود السياسة، وتكافح مع الديون القديمة الناتجة عن عمليات الاقتراض السابقة الكبيرة.
قد تضطر السلطات إلى تعزيز التحويلات المالية إلى الحكومات المحلية، أو إظهار قدر أكبر من التسامح إزاء الفشل المالي في المقاطعات.
هذا الفشل ينطوي على خطر حدوث ثورة اجتماعية اقتصادية، حيث لا يتقاضى عمال المدن رواتبهم أو تتعثر أدوات تمويل الحكومات المحلية.
الخطر من تقاعس الحكومة المركزية إزاء مبادرة الحكومات المحلية برفع الضرائب المباشرة وغير المباشرة، ما قد يُخفف من تأثير التخفيضات الضريبية المفروضة من القيادة.
لن يؤدي هذا إلى تباطؤ النمو الاقتصادي فحسب؛ بل إن من شأنه أيضاً أن يُخاطر بتقليص الثقة في برنامج سياسة الحكومة المركزية.
لقد تمكنت بضع قراءات لائقة لمؤشر مديري المشتريات من التفوق على حديث تباطؤ الاقتصاد الصيني وإبهاج الأسواق العالمية، إلا أن قضايا طويلة الأجل تؤثر في النمو الصيني لم تتم معالجتها، وقد تستمر في إقلاق راحة المستثمرين في عام 2019.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES