FINANCIAL TIMES

ديمقراطية على الطريق .. رحلة 25 عاما في أنحاء الهند

ديمقراطية على الطريق .. رحلة 25 عاما في أنحاء الهند

ديمقراطية على الطريق .. رحلة 25 عاما في أنحاء الهند

على مدار ربع قرن، كان روشير شارما يفعل في الهند ما كان ينبغي أن يفعله خبراء السياسة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، لفهم انتخاب دونالد ترمب وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وحراك متظاهري السترات الصفراء. لقد ترك المدن الكبيرة واستمع إلى الناخبين في المناطق الريفية أو أجزاء المحافظات من شبه القارة.
عام تلو آخر، رافق شارما، الذي يعمل خبيرا استراتيجيا عالميا وخبيرا في الأسواق الناشئة في "مورجان ستانلي"، مجموعة من المحللين والصحافيين إلى مكان ما في الهند، ليشهدوا حملات نشطة للانتخابات الوطنية وانتخابات الولاية، والتحدث مع السياسيين والناخبين العاديين.
أوصافه لهذه الرحلات السنوية غنية بالحكايات التي تثير الأهوال على الرغم من متعة السفر في المناطق الريفية في الهند: الطرق المروعة (إذا كانت محسنة) والفنادق القذرة والضيافة السخية في منازل الناس والشعور المذهل بالأمان، حتى في المناطق التي يفترض أنها خطيرة التي تجوبها العصابات وقطاع الطرق. "أفضل الخطط نادرا ما تنجو من الطريق الهندي"، كما كتب.
قبل كل شيء، سمحت الرحلات لشارما ورفاقه، الذين بدأوا رحلاتهم باستخدام سيارات ليموزين فولفو الواسعة والفارهة المصممة لحفلات الزفاف، للتنبؤ وفهم صعود حزب رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي الساحر بهاراتيا جاناتا، وكذلك انهيار حزب المؤتمر الوطني الهندي تحت حكم سلالة نهرو غاندي ونهضته لاحقا، والتأثير المستمر للسياسيين الإقليميين مثل نيتيش كومار في ولاية بيهار، والراحلة جيه جايالاليثا في ولاية تاميل نادو في الجنوب.
اختير نشر كتاب "الديمقراطية في الطريق" في وقت يتزامن مع حملة الانتخابات العامة الهندية الجارية في نيسان (أبريل) الحالي وأيار (مايو) من هذا العام - لكن الرحلات التي يصفها تنتهي في نهاية عام 2018، ويمتنع شارما بحكمة عن تقديم توقعات مفصلة حول فرص مودي للاحتفاظ بالسلطة.
بدلا من ذلك، توضح الاستنتاجات المستخلصة من الرحلات السنوية التي تهز العظام: وهي أن الانتخابات من المحتمل أن تنتهي بـ "سلسلة من المنافسات الحكومية " بدلا من استفتاء وطني على حكم مودي منذ عام 2014، وأن حزب بهاراتيا جاناتا قد يخسر الأغلبية في المجلس الأدنى للبرلمان - المنتخب، كما هو الحال في المملكة المتحدة، على أساس الدائرة الانتخابية التي يكون فيها الفوز للأكثر أصواتا - إذا عملت أحزاب المعارضة معا لإزاحته.
وهناك أكثر من ذلك. عندما يميل المرشح مودي نحو القومية الحادة والأصولية الهندوسية بدلا من التنمية الاقتصادية، كما فعل في حملته الانتخابية الأخيرة، يلاحظ شارما بعض أوجه التشابه المثيرة للقلق بين رئيس الوزراء الهندي ومستبدين منتخبين مثل رجب طيب أردوغان في تركيا وفلاديمير بوتين في روسيا.
تعتبر اجتماعات المجموعة مع مودي وذراعه الأيمن أميت شاه بشأن مسارات مختلفة للحملة، من بين أكثر الأحداث غير السارة والتصادمية في هذا الكتاب، لأن قادة حزب بهاراتيا جاناتا لا يثقون بوسائل الإعلام الليبرالية ويستاؤون من أي ذكر لمذبحة المسلمين في جوجارات في عام 2002، عندما كان مودي رئيس وزراء الدولة، هو الآمر في تلك الولاية التي تقع في غرب الهند.
قدمت الأحداث الأخيرة في الهند أسبابا وجيهة للقلق لأولئك الذين يعجبون بالتقاليد السياسية العلمانية في البلاد، ويعتزون بحرياتها الديمقراطية.
في عام 2014، ركز مودي على جذب الاستثمار وإيجاد فرص العمل وتحسين الصرف الصحي، ومكافحة الفساد والتودد إلى الناخبين المسلمين في مدينة فاراناسي القديمة في أوتار براديش - الولاية الأكثر اكتظاظا بالسكان في الهند - وتشجيع حتى أولئك الذين كانوا يخشون من سجل تعصبه الهندوسي، بحسن الظن به.
في الفترة التي تسبق انتخابات هذا العام، كان النهج أكثر قسوة وإثارة للانقسام وأكثر قومية. قبل عامين، عين مودي يوجي أديتياناث، وهو رجل دين هندوسي محرض، رئيسا لوزراء ولاية أوتار براديش. في ولايتي ماهاراشترا وجوجارات، تنافس القوميون على بناء تماثيل ضخمة - مكلفة جدا -لأبطالهم.
كما أعدم مسلمين متهمين بذبح الأبقار. وفي آذار (مارس) الماضي، أطلقت الهند قمرا صناعيا في المدار، ما سمح لمودي بالتباهي بالبراعة العسكرية للبلاد في الفضاء، في محاولة سافرة لكسب الأصوات.
مع ذلك، فإن شارما متفائل بشدة بشأن الديمقراطية في الهند كنظام سياسي، لأن طاقة البلاد وعدم القدرة على التنبؤ أبقتها حتى الآن خالية من الدكتاتورية المستمرة.
الديمقراطية الهندية بالتأكيد لا مثيل لها من حيث الحجم والتعقيد. وهي بلاد يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة - أي ثلاثة أضعاف عدد سكان أوروبا، وأكثر من أربعة أضعاف سكان الولايات المتحدة - فيها لغات وثقافات وديانات وطبقات اجتماعية واختلافات طائفية متعددة، تعطي أهمية خاصة لمفهوم السياسة المحلية.
تفسر فكرة "الكثير من الهند" - إلى جانب حماس الناخبين المعدي للسياسة، الذي يسميه شارما "الرياضة الرئيسة التي تعتمد على المتفرجين في الهند" - لم الديمقراطية الهندية قوية ومليئة بالمفاجآت؟ حتى لو كانت الحكومات التي تنتجها غالبا فاسدة أو غير فعالة أو كليهما.
لقد نسي قليل من المعلقين الهنديين كيف خاض أتال بيهاري فاجبايي، رئيس وزراء حزب بهاراتيا جاناتا السابق، في عام 2004 انتخابات عامة تحت شعار "الهند تتألق" وسط حماس دولي لمعدل النمو الاقتصادي في الهند البالغ 8 في المائة - ليخسر السلطة للعقد المقبل لصالح حزب المؤتمر، الذي يتذكر شارما أنه في ذلك الوقت كان ينظر للأمر على أنه "مفارقة تاريخية سلالية".
بصفته مستثمرا ومن سكان نيويورك، فإن شارما أقل إعجابا بهذا الجانب الآخر من الديمقراطية الهندية – عدم مبالاة الناخبين عندما يتعلق الأمر بمكافأة السياسيين الذين يحققون تنمية اقتصادية، أو أي تقدم ملموس لسكان البلاد أو الولاية التي يحكمونها. تناولت كتبه السابقة عن كثب اقتصاديات الأسواق الناشئة. يركز شارما هنا على العملية السياسية، ويلاحظ أن معارضة من هم في السلطة- التخلص من الممقوتين - مؤشر أفضل لنتائج الانتخابات من الأداء الاقتصادي، وأن الجاذبية المجتمعية أو المحلية ضرورية للسياسي الناجح، وكثير منهم مجرمون مدانون.
ويختم شارما قائلا: "على الرغم من أن الخطابة المبهرة والمظهر الجيد - وخاصة المظهر الجيد ذو البشرة الفاتحة - يمكن أن يساعدا، إلا أن طريقة الكلام غير الواضحة والقوام غير الجذاب لا يقضيان على المهن السياسية، إذا كان لدى المرشح جاذبية مجتمعية".
"هذه هي الطريقة التي تعمل بها في الهند الحقيقية، والسياسة الجيدة في كثير من الأحيان لا علاقة لها بالاقتصادات الجيدة، بل لها علاقة كبيرة بالعواطف الجياشة والولاء القديم".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES