FINANCIAL TIMES

شحن مدفعية الشطرنج في ترسانة الروس .. بالدبلوماسية

شحن مدفعية الشطرنج في ترسانة الروس .. بالدبلوماسية

شحن مدفعية الشطرنج في ترسانة الروس .. بالدبلوماسية

حصلت حادثة كادت تؤدي إلى عرقلة حملة المرشح الروسي دفوركوفيتش لرئاسة اتحاد الشطرنج العالمي. في الأول من آب (أغسطس) من 2018، نظمت السفارة الروسية في بلجراد اجتماعا جمع بين رئيس اتحاد الشطرنج الصربي واثنين من المسؤولين في الحملة لصالح دفوركوفيتش.
كما تم توجيه الدعوة أيضا لوزارة الرياضة الصربية، لكنها لم تحضر.
وفقا لتقرير مباشر حول الاجتماع، قدمت السفارة الروسية مبلغ 220 ألف يورو للاتحاد وهو مبلغ لم يسبق له مثيل أن يُدفع من خلال المصارف الروسية.
عندما رفض مجلس اتحاد الشطرنج الصربي ذلك العرض بسبب مخاوف قانونية عاد إليهم رئيسهم بعرض ثان غامض على نحو مماثل: يمكن أن ترعى شركته، وهي معهد تعليمي صربي صغير الحجم، اتحاد الشطرنج الصربي مقابل المبلغ نفسه، إن تم إرساله إلى مؤتمر الانتخابات في باتومي بدلا من الوفد الحالي الذي تم اختياره.
وقد قبلوا ذلك العرض. مندوب صربيا المخلوع، الذي شعر بالاشمئزاز من هذا العمل الفاضح، أحضر ملفا من الأدلة ليعرضها أمام لجنة الأخلاق التابعة للاتحاد.
توصل الفريق إلى أن الرئيس الصربي مذنب لبيع صوته الانتخابي لكنه رفض اتخاذ أي إجراء ضد دفوركوفيتش، لأنه لم تكن هناك أي أدلة على وجود تواطؤ شخصي مباشر.
لم يكن المال هو ما قدمه المعسكر الروسي فحسب، بل تبين أيضاً أن مجموعة حاسمة من الأصوات الانتخابية جاءت من مصدر غير متوقع: واحد من نقاد الكرملين الأكثر صخبا والأكثر حماسا، بطل الشطرنج العالمي السابق جاري كاسباروف.
يدعي ماكروبولوس أن كاسباروف قدم تأييده لحملة دفوركوفيتش عن طريق تأييد نايجل شورت، الذي يعتقد بأنه ترشح كذريعة لنوايا أخرى على أمل أن حقوق الرعاية التجارية التي يحتمل أن تكون مجزية سيتم نقلها إلى مشروع جديد يعتزم كاسباروف إنشاءه.
صرح ماكروبولوس لصحيفة فاينانشيال تايمز أن كاسباروف قدم له العرض نفسه أولا عن طريق وسيطه، مايكل خوداركوفسكي، مدير مؤسسة كاسباروف ومندوب اتحاد الشطرنج الأمريكي إلى مؤتمر فيديه. أكدت شخصيات أخرى في الاتحاد أن هذا العرض تم تقديمه.
أحد مندوبي الاتحاد الأوروبي الآخرين شارك رسالة عبر البريد الإلكتروني مرسلة من قبل خوداركوفسكي في أيار (مايو) من 2018 إلى خورخه فيجا، رئيس الاتحاد القاري للشطرنج في الأمريكتين.
تنص الرسالة على ما يلي: "يجب على ماركو أن يتفهم ويحترم موقفنا أيضا، فهو يحتاج إلى قبول الحزمة بأكملها وسنكون فريقا واحدا حتى النهاية".
قال متحدث باسم كاسباروف: "جاري واتحاد كاسباروف للشطرنج لا علاقة لهما بالمناورات السياسية في فيديه، وليس لديهما أي تعليق حول الموضوع. أعرب جاري شخصيا عن تأييده لترشيح نايجل شورت".
بعد مضي ثلاثة أشهر على فوزه، أجرت إدارة دفوركوفيتش إصلاحات على اتفاقية الرعاية طويلة الأجل لاتحاد فيديه مع منظمة الشطرنج العالمية، المنظم الحالي لدورة البطولة العالمية من أجل إعادة السيطرة على جزء من الرعاية وحتى الحقوق.
من جانبه نفى شورت بشدة إبرامه أي صفقة مع كاسباروف. يقول شورت: "أردت تنظيف وإصلاح لعبة الشطرنج. أصبح (جاري) أكثر اهتماما بإبرام بعض صفقات الأعمال التي لا تربطني بها أي علاقة".
ما يؤكد ذلك هو أنه بالنسبة لشورت كانت أخلاقيات المسابقة بأكملها واضحة منذ البداية. كان من رأيه أن أي مرشح سوف يكون أفضل من ماكروبولوس. يقول شورت إن دعم دفوركوفيتش هو خيار أفضل من مجرد "خسارة بطولة". "لم يكن هناك أي مجال على الإطلاق لكي أتعامل مع ماكروبولوس" حسبما أضاف.
افتتح مؤتمر فيديه الـ89 في 27 أيلول (سبتمبر) 2018 في منتجع باتومي المطل على البحر الأسود.
أخذ مندوبو الاتحاد غرفًا في فندق الشيراتون، وهو كعكة زفاف ستالينية باهتة لبرج يرتفع وسط أشجار النخيل والحدائق، على الشاطئ الساحلي المنبسط للمدينة الجورجية.
الجو الاحتفالي لأولمبياد الشطرنج الذي يقام كل سنتين تم افتتاحه قبل أيام قليلة من ذلك بحفل افتتاح فخم حضره الرئيس الجورجي أفسح المجال أمام أجواء متوترة وابتسامات مصطنعة وتجمعات جادة.
كان المتنافسون الثلاثة يناورون ويتزاحمون مع فرقهم: دفوركوفيتش المحاط برجال الأمن والمصرفيين الروس، وماكروبولوس مع أنصاره في قاعات الفنادق لتأمين ولاءات اللحظة الأخيرة.
يقول تيم وول، وهو أستاذ شطرنج بريطاني هناك لتقديم المشورة للوفد الإنجليزي: "كان الأمر أشبه بالوجود في مقهى ريك في فيلم ’كازابلانا‘ – كل الشخصيات الرئيسة في المكان نفسه كانت تتآمر".
وكما تبين بسرعة، كان الفريق الروسي يستخدم جميع مواطن القوة المتاحة لديه. أرسل جياني إنفانتينو، رئيس "فيفا" رسالة بالفيديو يشكر فيها دفوركوفيتش على مساعدته في تنظيم "أفضل كأس للعالم" على الإطلاق في هذا الصيف في روسيا.
في الليلة التي سبقت التصويت استأجر فريق دفوركوفيتش مكانًا كاملاً على الشاطئ ودعا كل الوفود إلى "حفلة مجنونة"، حيث ترتدي الراقصات ملابس عرائس البحر، بذيول زمرد لامعة مرشوشة في الماء المضيء.
في لقاءات المتنافسين أنفسهم، هاجم ماكروبولوس الذي كان يشعر بالقلق الواثق بالنصر قبل أيام بفضل علاقاته العميقة طويلة الأمد عبر اتحادات فيديه، بعنف الفساد الروسي.
تحدث دفوركوفيتش أولاً بمساعدة عرض باور بوينت أنيق. بعد ذلك جاء شورت وأعلن بحركة مسرحية أنه منسحب من السباق، ويؤيد دفوركوفيتش بدلاً من ذلك.
لم يستهو خطاب ماكروبولوس السامعين فخسر السباق بمعدل 78 صوتًا مقابل 103 أصوات.
كان تحول شورت متوقعًا منذ فترة. استندت حملته بأكملها على اتهامات بالفساد وسوء الإدارة في فيديه، وهو وضع أطلق عليه بسخرية "اقتصاد ماكروبولس" في هجمات مركزة ضد منافسه اليوناني.
في أوائل أيلول (سبتمبر) الماضي، نشر شورت صورة له وهو يصافح دفوركوفيتش في مطعم سيمبسون في ستراند المطعم اللندني الذي يبلغ عمره 200 عام، وكان أحد معالم الشطرنج في العالم خلال القرن الماضي. ووضع التعليق التالي على الصورة: "ما الكلمة اليونانية لكش ملك؟" ματς.
قليلون من فيديه يعتقدون أن مجموعة شورت الصغيرة من الأصوات قررت في النهاية مصير الانتخابات، لكن حملته بالتأكيد وضعت إطارا للنقاش.
لقد كان قادرًا على فعل ذلك لأن كثيرا مما اتهم به فيديه كان صحيحا. تكشف العشرات من الوثائق التي اطلعت عليها "فاينانشيال تايمز" من ثلاثة مصادر حسنة الاطلاع في فيديه عن سنوات من الممارسات المالية غير السليمة في المنظمة، تكفي لإثارة تساؤلات أخلاقية خطيرة.
إحدى الوثائق، على سبيل المثال، تعطي تفاصيل عن المتأخرات في مدفوعات الاشتراك من الاتحادات الأعضاء الـ189 في فيديه. عشرات منها واقعة في ديون كبيرة وكثير منها مدينون لفيديه بثلاث سنوات من المدفوعات. وفقًا لحسابات فيديه المدققة الموقعة من قبل "إرنست يونج" EY كان المبلغ المستحق هو 839 ألف يورو في نهاية عام 2017.
الرقم الذي توصل إليه المسؤولون الداخليون في فيديه هو أعلى بكثير. أوضح عضو سابق في المجلس الرئاسي لفيديه أن "الذين يصوتون بالطريقة الصحيحة لا داعي لأن يشعروا بالقلق بشأن دفع رسومهم في أي وقت قريب".
تثير المستندات أيضًا تساؤلات حول المدفوعات إلى كيانات غير شفافة خارج الميزانية العمومية، يسيطر عليها مسؤولون مختارون من كبار المسؤولين في فيديه. تلقت شركة جلوبال تشس Global Chess المسجلة في رأس الخيمة، ويديرها رجل الأعمال المالطي جيفري بورج عشرات المدفوعات مقابل رسوم الخدمات الاستشارية المرتبطة ببطولات الشطرنج.
سبق وصف بورج بأنه "الرئيس التنفيذي لفيديه" على موقعه على الإنترنت. لا يوجد مثل هذا المنصب في قوانين فيديه. قال عدد من المسؤولين في الإدارة القديمة لفيديه إن الخدمات الاستشارية لبورج لا تقدر بثمن.
حجم بعض المدفوعات إلى الشركة أمر مفاجئ. جمعت الشركة رسومًا بقيمة 384 ألف يورو من منظمي أولمبياد باتومي، على سبيل المثال. تراوحت رسوم اتحاد الشطرنج العالمي للأحداث الفردية الأخرى في فترة السنتين السابقة بين خمسة آلاف و40 ألف يورو. لم يرد بورج على طلبات التعليق على ذلك.
شهد أولمبياد باتومي مبلغًا آخر من المال يُدفع إلى كيان غامض في الخارج. تم دفع مبلغ 1.2 مليون يورو مرة واحدة من قبل السلطات الجورجية "كأموال سفر" إلى شركة هيننج هول التي تم إنشاؤها أيضًا في رأس الخيمة. وقال مسؤولو فيديه الحاليون إن الأموال لم يتم سحبها لدفع تكاليف السفر.
وفقًا لنايجل فريمان، أمين صندوق سابق في فيديه الذي اتصلت به صحيفة فاينانشيال تايمز، تم إنشاء هيننج هول كأداة طوارئ للاحتفاظ بأصول فيديه بسبب العقوبات المفروضة على إليومينجينوف.
تم تحويل جميع الأصول والشؤون المالية الأخرى التابعة لفيديه من قبل إلى كيان مقره هونج كونج، في الوقت الذي تم فيه تحويل المال إلى "هيننج هول" في جورجيا.
أثار جدال آخر تساؤلات حول استخدام ماكروبولوس للمال بينما كان يشغل منصب نائب الرئيس في عهد إليومينجينوف. في عام 2014، تلقى 100 ألف دولار من فيديه لتغطية "نفقات طبية".
يقول ماكروبولوس، الذي كان يعالَج من مرض السرطان، إن أي اتهامات بإساءة الاستخدام هي "كذبة ضخمة".
تبرع إليومينجينوف شخصيا بالمال، عبر حساب فيديه، لاستخدامه في علاجه كما يدعي ماكروبولوس مستشهدا بوثيقة موقعة من قبل إليومينجينوف في ذلك الوقت. إليومينجينوف يناقض هذه الرواية.
وفقًا لما ذكره ماكروبولوس، فإن الاتهامات الموجهة إليه هي محاولة "لإثارة الدخان" من خلال تشجيع الصحافيين على معاملة الطرفين على أنهما خطأ.
وكتب في رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى "فاينانشيال تايمز": "لا يوجد شيء أكثر خطورة وشعبوية من أن يجري تصوير كل شخص فينا بالطريقة نفسها".
يوافق بعض الحلفاء غير المتوقعين على أن الأسئلة حول الشؤون المالية التاريخية لفيديه هي إلهاء. أحد الاتحادات الرئيسة لم يصادق على حملة شورت القوية ضد "اقتصاد ماكروبولوس" – وهو الاتحاد الإنجليزي، حتى إن مالكولم باين، مندوب اتحاد الشطرنج الإنجليزي، لعب مع ماكروبولوس. بالنسبة لباين، كانت القضايا الكبرى على المحك.
يقول: "الطريقة التي أرى فيها الموضوع هي أننا انتقلنا من عدم الكفاءة التي تقودها روسيا إلى الكفاءة التي تقودها روسيا. كثير من الناس سعداء بذلك. روسيا تحترم لعبة الشطرنج. وروسيا تهتم بلعبة الشطرنج، على أن هناك عالمًا يتجاوز الشطرنج لا يراه كثير من الناس المشاركين في سياسة الشطرنج. لا يرون الجبل وراءهم".
الشطرنج يجري في دماء أركادي دفوركوفيتش. وكان والده محكما سوفياتيا بارزا - أي ما يعادل الحَكم. في عام 1993، سافر الاثنان إلى لندن لمشاهدة بطولة العالم بين جاري كاسباروف ونايجل شورت، التي فاز بها الروسي بشكل مقنع.
طوال حياته السياسية، حافظ دفوركوفيتش على علاقته بعالم الشطرنج الروسي. وقد عمل أيضًا ليضمن أن مصالح الدولة الروسية ممثلة بقوة. في عام 2010، تم تعيينه رئيسًا لمجلس الإشراف على الاتحاد الروسي للشطرنج، حيث أخمد انتفاضة من قبل أعضاء لجنته ضد رئيس فيديه إليومينجينوف.
من خلال استخدام سلطته كنائب لرئيس الوزراء، أرسل دفوركوفيتش شركة أمنية خاصة للإغارة على مكاتب الاتحاد الروسي للشطرنج، في إشارة إلى "مخالفات مالية كبيرة". فهمت الأغلبية المتمردة في الاتحاد الروسي للشطرنج هذه الرسالة وتراجعت.
في أعقاب فوز دفوركوفيتش كرئيس لاتحاد فيديه، قلة من الناس هي التي يمكن أن تشك في التزامه بوعوده الانتخابية.
تضخم صندوق تطوير فيديه، الذي يستخدم لتخصيص الأموال للترويج للشطرنج حول العالم، من نصف مليون يورو إلى ثلاثة ملايين يورو.
سيأتي هذا المال الآن بقيود: لن يسمح بإنفاق أي مبلغ من أموال فيديه إلا إذا كان مسجلا، كما يقول دفوركوفيتش. أين يتم إنفاق الأموال؟ هو ما يقيس مدى فاعلية فيديه.
عندما التقيت به في لوزان في كانون الثاني (يناير) الماضي، جاء دفوركوفيتش مباشرة من "دافوس" حيث كان كل من الرئيس الجديد لفيديه ورئيس "سكولكوفو"، وهي حاضنة للتكنولوجيا في موسكو توصف بأنها رد روسيا على وادي السيليكون، وهو يجري اتصالاته. يخبرني بأن عددا من الشركات الأوروبية والآسيوية الكبيرة على استعداد لرعاية فيديه نتيجة لذلك.
يقول دفوركوفيتش عن أسلافه في فيديه: "لست في وضع يسمح لي باتهام أي شخص بالفساد أو غيره من الجرائم. بالتأكيد كانت هناك حالة سوء إدارة مالية كبيرة، وسوء إدارة تشغيلية كبيرة. بدأنا للتو من بيئة مدمرة ولكن لدينا قدرة سريعة على التصرف ويمكننا تحسين الأشياء بسرعة كبيرة".
يتجاهل كثيرا من الانتقادات لحملته. فكرة أن الحكومة الروسية وراء تنسيق ترشيحه "خاطئة تمامًا وكان هناك كثير من الأخبار المزيفة عن ذلك"، كما يقول. "السياسة لم تكن لها علاقة بالأمر ... هذا لا يعني أن زملائي في الحكومة والسفارات على حد سواء لم يبلغوا الشركاء في جميع أنحاء العالم؛ لقد فعلوا، وهذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله فيما يتعلق بالانتخابات".
في صالون رخامي في فندق رويال سافوي في المدينة السويسرية التي تضم مقر اللجنة الأولمبية الدولية ومحكمة التحكيم في الرياضة، وما لا يقل عن 25 منظمة رياضية عالمية أخرى، فإن إشارة دفوركوفيتش واضحة: تتم إعادة فيديه إلى التيار الرئيس للعالم الرياضي.
ويقول: "نتحدث عن اتحاد دولي ضخم يضم 189 عضوًا. كان اتحاد فيديه غير مرئي لفترة من الزمن بسبب عدم وجود إدارة مناسبة ... بفضل تجربتي، يمكنني تحقيق هذه الأهداف ... بالنسبة لي، هذا نوع من التحدي".
لأول مرة منذ عقود، قد تكون مصالح القيادة الجديدة في اتحاد فيديه وروسيا وعالم الشطرنج الآن متوائمة بشكل وثيق.
دفوركوفيتش، البالغ من العمر 47 عاماً، لا تزال لديه ذروات سياسية لبلوغها: الفيفا أو اللجنة الأولمبية الدولية ليستا خارج الموضوع.
الروسي الذي نظف رياضة دولية قد يكون، في المقابل، دفعة مفيدة للغاية للكرملين. واتحاد فيديه، بعد عقود من الشجار والفساد، من شأنه أن يستفيد أيضاً من قيادة طموحة ترفع مكانته في عالم الرياضة.
بالنسبة لروسيا، هذا سيكون انتصاراً رائعاً وممتعاً. من هو الخصم؟ مفهوم بوتين للقوة الدولية كلّي شامل: كل جانب من جوانب السياسة والثقافة هو مجال محتمل للصراع مع الغرب.
بالنسبة لمارك جاليوتي، يميل الغرب إلى إيلاء كثير من الاهتمام للمعارك التي تختار روسيا خوضها.
يقول إن خدعة الروس الكبيرة "دائماً ما كانت نقل ساحة المعركة إلى المكان الذي يتمتعون فيه بنقاط قوة من المكان الذي يتمتعون فيه بنقاط ضعف".
ويخلص إلى القول إنه إذا كان بلد ذو اقتصاد بحجم اقتصاد إسبانيا يريد هدر الوقت والجهد في اختيار لعبة طاولة لتكون قضيته، عندها بإمكان الغرب تحمّل السماح له بذلك.
بوتين حتى لا يلعب الشطرنج. غرائزه تكتيكية، وليست استراتيجية – هي غرائز خاصة بلاعب جودو بدلاً من لاعب شطرنج أول. روسيا تنتهز الفرص أكثر بكثير مما تضع شبكات معقدة من المؤامرات.
ومع ذلك، هناك شيء يتعلق بلعبة الشطرنج يجعلها أكثر من مجرد لعبة. حيث تستمر أهميتها الثقافية المعنى المُستثمر فيها. ودائماً ما كانت سياسية بشكل غريب. مجموعة مثل مجموعة قطع شطرنج لويس تشيسمن الرائعة من القرن الـ12، المحفورة من أنياب حصان البحر عثر عليها في خليج كاماس يوج في هيبريديس في عام 1831، وكانت تمثل علاقة إله النور مع عالم أكبر من أراضيه البعيدة، وباتت رمزاً لمكانته الدولية، ضمن أقرانه في الجزيرة وللزوار.
بعد تسعة قرون من قيام الحرفيين في تروندهايم بتصوير الغربان بأنهم محاربو إله النور الذين يقضمون دروعهم لإثارة غضب أعدائهم، جلس علماء التخاطر السوفيات، دون أن يرف لهم رمش، في قاعة في ريكيافيك في محاولة للتأثير في بوبي فيشر بنظرات تهديد.
في روسيا، برئاسة بوتين، هناك حاجة أكثر من أي وقت مضى الآن، للعثور على رموز لبراعتها والإشارة إلى مكانة مميزة لها في العالم.
"المشكلات التي يطرحها الشطرنج هي في آن معا عميقة جداً وتافهة جداً"، كما كتب جورج شتاينر في عام 1972 لصحيفة نيويوركر، بعد تأمل السيرك السياسي الضخم الذي أصبحت عليه المواجهة بين فيشر وسباسكي.
وأشار إلى أنه ليس لدينا مصطلح فلسفي لفهم هذا "المزيج الغريب" تماماً. الشيء نفسه لا يزال قائماً اليوم: توتر ربما ينطبق على كل الألعاب التي تلعبها البشرية، من ضمنها السياسة.
واستنتج شتاينر أن لعبة الشطرنج "في النهاية غير مهمة ومع ذلك هي ذات مغزى هائل" وهنا اللغز.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES