FINANCIAL TIMES

بريطانيا .. هل باتت مستعصية على التنبؤ بسلوكها؟

بريطانيا .. هل باتت مستعصية على التنبؤ بسلوكها؟

ما الذي حدث للبريطانيين؟ في شتى أنحاء أوروبا، بل، في الواقع، في شتى أنحاء العالم هناك ذهول من أن دولة معروفة بالاستقرار والوسطية، تبدو عازمة على تدمير نفسها.
يفترض كثير من الناس أن البراجماتية البريطانية ستعيد فرض نفسها في مرحلة ما.
على أن ما لدي جملة من الأخبار السيئة. مهما حدث في قمة الاتحاد الأوروبي الطارئة حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن الاحتمال المتوقع هو أن يقل استقرار بريطانيا، وأن تصبح أكثر تقلبا على مدار العامين المقبلين.
إن عدم الاستقرار هذا سيكون له تداعيات مقلقة بالنسبة إلى بقية أوروبا، وبالنسبة إلى التحالف الغربي وللنظام الدولي الليبرالي. مهما كانت قيودها بصفتها رئيسة للوزراء، فإن تيريزا ماي ليست ثورية، لقد حاولت التفاوض على أن تكون عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي متوافقة مع النظام الدولي القائم، ما يحفظ معظم أساسيات السياسة الخارجية البريطانية.
على أن ماي في طريقها إلى الخروج. ويمكن لرئيس الوزراء المقبل لبريطانيا أن يأخذ البلاد في اتجاه مختلف تمامًا خاصة أن الخليفتين المحتملين لماي هما بوريس جونسون، المرشح المفضل للمراهنين على منصب رئيس حزب المحافظين المقبل، أو جيريمي كوربين، رئيس حزب العمال. إن حكومة حزب المحافظين بقيادة جونسون، أو من يشابهه في التفكير من أحد مناصري خروج بريطانيا المتشددين، سيربط المملكة المتحدة بشكل وثيق أكثر مع أمريكا برئاسة دونالد ترمب.
في حين اتخذت ماي موقف الاتحاد الأوروبي في النزاعات مع الولايات المتحدة بشأن تغير المناخ وإيران وإسرائيل والتجارة، فمن شبه المؤكد أن حكومة بقيادة جونسون ستقف إلى جانب أمريكا.
هذا أمر مهم لأن الإدارة الأمريكية معادية بنشاط للاتحاد الأوروبي. لا يمكن لأي شخص مطلع على كتابات جون بولتون، مستشار الأمن القومي أن يشك في عدائه العميق تجاه الاتحاد الأوروبي والتظاهر به.
وهو يرى أنه يمثل أيديولوجية قانونية دولية تشكل تهديدًا خطيرًا لسلطة الولايات المتحدة وسيادتها.
هذا هو السبب في أن بولتون وآخرين في إدارة ترمب لا يشجعون بشكل مهذب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون صفقة، كما أن ذلك يَحبُك وعد بولتون حبكةً أقل براءة يدور حول منح بريطانيا كل المساعدة التي تحتاج إليها، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
قد تشمل تلك "المساعدة" اختيار اللحظة المناسبة لزيادة الفوضى، من خلال متابعة تنفيذ تهديد بالحث على فرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على صادرات السيارات من الاتحاد الأوروبي (مع استثناء محتمل لبريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي).
إذا أصبحت الحكومة البريطانية التالية بقيادة كوربين فقد تتطلع لندن إلى موسكو بدلاً من واشنطن. طوال حياته المهنية، تعاطف كوربين مع روسيا وحلفائها، مثل كوبا وفنزويلا، كما أن رئيس حزب العمال ناقد للنيتو منذ أمد طويل، مع غرائز مسالمة قوية.
قد تشهد سياسة كوربين الخارجية انسحابًا بريطانيًا فعليًا من الهياكل الأمنية الغربية، إضافة إلى اندفاع لتطبيع العلاقات مع روسيا، عن طريق إلغاء العقوبات وسحب القوات البريطانية من إستونيا وتأييد الموقف الروسي في سورية.
قد يعترض البعض على أن الرأي العام والبرلمان البريطاني سيمنعان المملكة المتحدة من الارتباط مع أمريكا ذاك، ناهيك عن روسيا بقيادة فلاديمير بوتين. على أنه سيكون من غير الحكمة الاعتماد على ذلك.
ظهور قادة مثل جونسون وكوربين علامة على انقسام السياسة البريطانية، التي تترك الوسط المعتدل بلا مأوى سياسي، كما أن عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عملية مهينة للمملكة المتحدة، ويمكن للإهانة أن تقود الناس والبلدان في اتجاهات غريبة (أسأل روسيا).
بالنظر إلى أن كثيرا من نزعة الشكوكية الأوروبية البريطانية متجذرة في الحنين إلى "أفضل حالات" بريطانيا، الحرب العالمية الثانية، لن يكون مفاجئًا إذا سعى مناصرو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تشكيل التحالفات الدولية في فترة الحرب، وربط بريطانيا بأمريكا وروسيا ضد تحالف أوروبا القارية، الذي يتمحور حول ألمانيا. بصفتهما إمبراطوريتين سابقتين على أطراف أوروبا القارية، وجدت كل من بريطانيا وروسيا صعوبة في التصالح مع المشروع الأوروبي (يمكن القول إن تركيا لديها المشكلة نفسها).
شعرت الدولتان دائمًا بالتهديد من قبل قوة أوروبية موحدة، وكانتا أيضًا متحالفتين مع بعضهما بعضا في الحربين العالميتين الأولى والثانية وحروب نابليون.
الفكرة القائلة إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من المحتمل في نهاية المطاف، أن يؤدي إلى عودة ظهور هذه الأنواع من الأنماط الجيوسياسية التاريخية، قد تبدو وكأنها احتمال غريب وبعيد، خاصة بالنظر إلى المستوى العالي الحالي من العداء بين موسكو ولندن، والشك العميق الذي خلفه التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية.
على أنه كما لوحظ في كثير من الأحيان، فإن لدى الرئيس الأمريكي ترمب إعجاباً غريباً بالزعيم الروسي بوتين، وقد يشعر الرئيس الأمريكي الآن بمزيد من الحرية في متابعة هذه المودة الغريبة، بعد أن انتهى تقرير مويلر. قد يمتد تقارب ترمب وبوتين الذي يعتمد جزئياً على العداء المشترك للاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
إذن كيف ينبغي أن تؤثر هذه السيناريوهات القاتمة في المفاوضات الحالية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟
بشكل عام، ينبغي أن تشجع الاتحاد الأوروبي والبريطانيين الليبراليين على متابعة التمديد الطويل للمادة 50، التي قد تكون الطريق إلى عملية أكثر نعومة لخروج بريطانيا أو عدم خروجها على الإطلاق من الاتحاد الأوروبي.
هذه هي الاستراتيجية التي من المرجح أن تبقي بريطانيا قريبة من عائلة الاتحاد الأوروبي، من خلال إنشاء إطار للعلاقات المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، من شأنه أن يكبح الغرائز الأكثر تطرفا لكوربين أو جونسون. لا توجد ضمانات. من الممكن أن تكون بريطانيا في المستقبل على طريق التطرف أو الانقسام. على أنه سيكون من الصعب العودة إلى الوراء، حينها.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES