FINANCIAL TIMES

قطة شرودنجر تقودنا إلى آينشتاين والنظرية الكمية

قطة شرودنجر تقودنا إلى آينشتاين والنظرية الكمية

قطة شرودنجر تقودنا إلى آينشتاين والنظرية الكمية

"أعتقد أنني أستطيع أن أقول بأمان إنه لا أحد يفهم ميكانيكا الكم". هكذا سخر الفيزيائي الكبير الراحل ريتشارد فاينمان في الستينيات، وها هو صدى كلماته يبدو حيا اليوم.
تفسير ميكانيكا الكم لكيفية عمل الكون على المستوى الذري يتعارض إلى حد كبير مع الحدس.
قطة شرودنجر سيئة الحظ المحاصرة في صندوق فيه ذرة مشعة، سيؤدي تحللها غير المتوقع إلى إطلاق غازات سامة، بما يعني أنها ميتة وحية في الوقت نفسه، إلى أن نفتح الصندوق لننظر فيه. الجسيم ليس له وضع محدد إلى أن نقيسه، وموقعه الدقيق ليس هنا ولا هناك، فليس هناك سوى مجموعة متشابكة من الاحتمالات.
لحظة من فضلك. النظر، القياس، هل أعمالنا لها دور مهم فعلا؟ أليس ذلك القط المسكين إما ميتا أو حيا قبل أن نفتح الصندوق؟ بالتأكيد يتصرف العالم بشكل مستقل عن تصورنا عنه، أليس كذلك؟
ألبرت آينشتاين كان يرى ذلك: حيث أيد الواقعية، المبدأ الذي يمكن من خلاله فهم العالم ووصفه بدون الاعتبار لتفاعلاتنا معه.
أما خصمه الفيزيائي الدنماركي المناهض المتحمس للواقعية، نيلز بور، الذي جادل بأن مثل هذه الصورة الموضوعية غير ممكنة، مجرد لوحة زيتية مغطاة تصور ما نستطيع أن نلاحظه ونقيسه.
النزعة المناهضة للواقعية فازت. ميكانيكا الكم كما روجها بور، التي تحيل الواقع إلى شيء غير ذي صلة، هي الصورة السائدة للطبيعة على النطاق الذري وفي باطن الذرة.
بحسب ما يقول لي سمولين، ينبغي نبذ هذه الصورة السائدة، إلى جانب التفكير "السحري" الذي يرافقها.
سمولين شخصية بارزة في المعركة من أجل استعادة الواقعية باعتبارها حجر الأساس للعلوم، يصر على أن الآن هو الوقت المناسب لبدء المعركة.
كتب في كتاب "ثورة آينشتاين غير المكتملة"، "العلم يتعرض للهجوم، ومعه الإيمان بعالم حقيقي تكون فيه الحقائق إما صحيحة أو خاطئة... طالما أن الفيزياء الأساسية نفسها مختطَفة من قِبل الفلسفة المناهضة للواقعية، فإننا في خطر".
يحذر من أن الخطر يكمن في استسلام مشروع الواقعية الموجود منذ قرون، "التي لا تقل عن التعديل المستمر، شيئا فشيئا، مع تقدم المعرفة، للحدود بين معرفتنا بالواقع وعالم الخيال".
يقدم سمولين عرضا بارعا عن حالة الفيزياء الكمية، حيث يمزج بسلاسة تاريخ هذا العلم مع تفسيرات واضحة، وسياق فلسفي ومقدمة مفهومة للأفكار الجديدة. روايته حول كيف تصلَّب منظوران متنافسان عن السلوك الكمي ليصبحا عقيدة بور التقليدية غير البديهية، رائعة جدا.
أطلق آينشتاين الطلقة الأولى من خلال تبني فكرة أن الضوء يمكن أن يظهر خصائص كل من الجسيمات، التي تحتل موقعا محددا والموجات التي هي أكثر انتشارا.
في عام 1905، عندما كان في عمر 26 عاما فقط ويعمل كاتبا في مكتب لبراءات الاختراع، أظهر أن تسليط الضوء على المعدن يمكن أن يحرر الإلكترونات.
اكتشف آينشتاين ما أصبح معروفا باسم التأثير الكهروضوئي، حيث برهن على أن الضوء يأتي في مجموعات صغيرة أو "كوانتا"، "تدعى فوتونات الآن". هذا أكسبه جائزة نوبل في عام 1921.
اكتشف نيلز بور أن نظرية آينشتاين في الضوء يمكن تطبيقها على الذرات بشكل مفيد. أرستقراطي باريسي شاب يدعى لوي دي برولي قدم بعد ذلك نظرة ثاقبة: إذا كان الضوء يمكن أن يكون موجة وجُسيما في آن معا، فهل يمكن أن تكون الازدواجية الغريبة نفسها صحيحة بالنسبة إلى الإلكترونات وأنواع أخرى من المادة؟
في عام 1925، كان إيروين شرودنجر الذي يدرس في جامعة زيوريخ، قد سمع عن أطروحة برولي وأخذها لقضاء عطلة في الجبال. في غضون أيام، كان قد ابتكر المعادلات ذات الصلة "عندما سافر إلى ستوكهولم لقبول جائزة نوبل، ذكرت التقارير أن الوغد أحضر معه ضرتين".
أدرك بور أن كل هذه الإنجازات كانت تندمج لتصبح نظرية مليئة بالاحتمالات المحيرة وعدم اليقين، وهو خروج صاعق عن النتائج المألوفة والحتمية للفيزياء الكلاسيكية.
النظرية الجديدة لميكانيكا الكم بدا أنها ناجحة، إلّم يكن بشكل غريزي إذن فبشكل رياضي.
بور اغتنم الفرصة، حيث كتب سمولين قائلا "لم يعلن عن ولادة فيزياء جديدة فحسب بل عن فلسفة جديدة أيضا. كانت لحظة المناهضة للواقعية المتطرفة قد حانت وكان بور مستعدا لها".
بما أن معهد بور في الدنمارك كان مرتعا لهذه الأفكار، أصبحت الفلسفة معروفة بتفسير كوبنهاجن. عندما وصل فيرنر هايزنبرج الفيزيائي النظري الألماني إلى صياغة ميكانيكا الكم نفسها عبر طريق مختلف، تأيد نموذج بور أكثر من قبل.
حتى لو انسحب آينشتاين في مواجهة الهيمنة الدنماركية، فإن الواقعية لم تمت تماما. ابتكر دي برولي لاحقا فكرة موحدة تدعى النظرية الموجية التجريبية، التي يتم فيها توجيه الجُسيم من خلال موجة "تجريبية". وأعيد اكتشافها في الخمسينيات ولا تزال تحظى بمؤيدين.
أدى نصف القرن الماضي إلى ظهور أفكار جديدة أخرى مثل الجاذبية الكمية الدائرية، حيث بات سمولين من كبار الباحثين فيها. الزملاء يدركون تماما التحدي الضخم الذي في انتظارهم: الحاجة إلى ابتكار فيزياء جديدة، كما فعل آينشتاين وآخرون.
"لذلك قد يتوقف الأمر تماما على طالب لامع في مكان ما، متعجرف بطريقة مستحيلة، كما كان الشاب آينشتاين، لكنه موهوب بشكل مذهل بما فيه الكفاية لاستيعاب أساسيات كل ما فعلنا، قبل أن ينحيها جانبا ويبدأ بثقة من جديد".
إذا كان آينشتاين يبدو كأنه رجل اللحظة، فهذا لأن عام 2019 يصادف مرور مائة عام على الاختبار المذهل تماما الذي برهن على قدراته: الجهود البريطانية لتأكيد نظريته النسبية باستخدام الكسوف الكلي للشمس في عام 1919.
هذه التجربة وإرثها هي موضع كتاب No Shadow of a Doubt "دون أدنى شبهة شك" من تأليف دانييل كينيفيك من جامعة أركنسو.
كان آينشتاين قد حسب أن ضوء النجوم ينبغي أن ينحني عندما يمر بجسم ذي كتلة ضخمة – الشمس مثلا – لأن جاذبية الجسم تشوه نسيج الزمكان.
الكسوف في التاسع والعشرين من أيار (مايو) عام 1919 وعد بفرصة نادرة لاختبار تنبؤاته الغريبة الأخرى. انتهز العلماء البريطانيون الفرصة وخططوا لإجراء بعثات استكشافية إلى موقعين، جزيرة برينسيب في خليج غينيا وسوبرال في البرازيل.
عندما يمر القمر أمام الشمس أثناء مثل هذا الكسوف، فإنه يحجب ضوء الشمس من القرص الشمسي ويحول النهار إلى ليل.
التعتيم المؤقت يسمح برؤية النجوم حول حافة الشمس "فضلا عن أكليل الشمس الذي يشبه الهالة".
من خلال مقارنة المواقع الحقيقية للنجوم بمواقعها الظاهرة أثناء التعتيم، بإمكان العلماء الاستنتاج ما إذا كانت الشمس في الواقع تحرف ضوء النجوم.
كينيفيك يحيك مجموعة مثيرة من المكونات في رواية كثيفة، إلا أنها مجزية: جرأة آينشتاين؛ والسحر والحظ والشعور بالمغامرة لمطاردة الكسوف؛ وجرأة تخطيط مثل هذه التجربة الصعبة خلال الحرب العالمية الأولى وتنفيذها في أعقابها الفوضوية.
كانت هناك محاولة سابقة لتأكيد النسبية انتهت بشكل سيئ: العلماء الألمان الذين كانوا يشاهدون كسوف عام 1914 في شبه جزيرة القرم، تم اعتقالهم كجواسيس من قِبل الروس.
ألقت الحرب حتما بظلالها على كسوف عام 1919. وقع التخطيط على اثنين من علماء الفلك اللامعين كلاهما "غريب الأطوار" ومسالم مناهض للحرب: السير آرثر إدينجتون، مدير مرصد كامبريدج، والسير فرانك دايسون، مدير المرصد الملكي في ذلك الحين ومقره في جرينتش.
إدينجتون رافض حركة الكويكرز، واجه عقوبة السجن إلى أن قدمت جامعته مناشدة مؤثرة لمجلس التجنيد الإلزامي، وكانت حجتها أنه بعد وفاة المساعد الأول والثاني للمرصد في زمن الحرب، لا يوجد أي شخص آخر في كامبريدج يعرف كيفية العثور على موقع الكسوف.
نقص السفن المدنية تسبب أيضا في صعوبات في إرسال المعدات اللازمة. البعثات أبحرت بطريقة ما، وكانت الشمس مشرقة في الغالب، وتم تأمين الأرصاد الضرورية.
ويا لها من أرصاد! في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1919، بعد ستة أشهر من الكسوف، كشف إدينجتون ودايسون أنهما أكدا تنبؤات آينشتاين. أحدث ذلك ضجة عالمية. "الأضواء كلها منحرفة في السماء" كان العنوان الرئيس في صحيفة نيويورك تايمز.
حتى إن إثبات النظرية أثر في ثقافة العلوم: استعداد آينشتاين لتقديم أفكاره للتحقيق التجريبي، أقنع الفيلسوف كارل بوبر بتطوير فكرة "التفنيد" باعتباره الاختبار الحاسم للحقيقة العلمية.
يقوم كينيفيك بتشريح مواطن التشكك التي تحيط بهذه التجربة التاريخية منذ ذلك الحين. بعد الحرب، كما يشير، تم نبذ معظم العلماء الألمان. هل خطط إدينجتون ودايسون لإثبات النسبية في محاولة بعد الحرب لإعادة توحيد العلماء والعالم الأوسع؟
هل أظهرا التحيز من خلال رفض بعض البيانات؟ حقيقة أن كلا من إدينجتون ودايسون كانا بارعين في الدعاية ما لطخ سمعتيهما – بشكل غير مبرر، من وجهة نظر كينيفيك. ويكتب، "من الخطأ الاعتقاد أن الحقيقة لا تحتاج إلى مدافعين". ويعتقد أن تجربة عام 1919 حققت هدفها الوحيد: إثبات أن آينشتاين إما محقا أو مخطئا.
ليس لأن هذا الرجل العظيم كان بحاجة إلى مثل هذا التأكيد. عندما سئل عما سيفعله لو كانت النتائج أقل مناسبة للنظرية، أعلن آينشتاين "عندها سأشعر بالأسف من وجه الخالق، فالنظرية صحيحة".
دعونا نحتفظ بشفقتنا، إذن، لميليفا ماريك، أو "زوجة آينشتاين"، كما تصفها سيرة جديدة بشكل انتقائي "كان متزوجا مرتين". هذه المرأة الصربية ذات الطابع العقلي، من بين أوائل طالبات العلوم في أوروبا، التقت ألبرت في عام 1896 في كلية زيوريخ بوليتيكنيك، حيث كان كلاهما يدرس الرياضيات والفيزياء.
زميل طالب وصف ميليفا بأنها "فتاة طيبة جدا، وذكية وجادة، وهي صغيرة، وضعيفة، وغامضة، وقبيحة... تعرج قليلا، لكن أخلاقها رائعة جدا".
ألبرت، الأصغر بعدة أعوام، افتتن بها؛ كان يدعوها دولي وكانت تدعوه جوني. عائلتاهما لم توافقا على العلاقة. أصبحت ميليفا حاملا. وولدت ابنة هي ليزيرل، لكن بشكل مدهش، يبقى مصيرها مجهولا. تشير الرسائل التي نجت إلى أن ليزيرل إما توفيت بسبب الحمى القرمزية أو أنه تم منحها للتبني.
مع ذلك، هذا ليس السؤال الذي يحاول هذا الكتاب من تأليف ألان إستيرسون محاضر الفيزياء المتقاعد، وديفيد سي كاسيدي أستاذ تاريخ العلوم الإجابة عنه. بدلا من ذلك: هل كانت ميليفا، كما تكهنت سير سابقة، مساهمة لم يعترف بها في أبحاث آينشتاين؟
تشير تقارير المدرسة والجامعة إلى أنها كانت ذكية وإن كان ليس بشكل خارق. عندما تراسل الزوجان أثناء فترات تباعدهما "بما في ذلك فترة الحمل"، كتب بحماس عن أفكاره، لكن ردودها لم تذكر تفاصيل أكثر عنها. تحليل دقيق للرسائل، والمقابلات، والشائعات، وروايات من أشخاص آخرين، وترجمات وإعادة لإعادة الترجمات، كل هذا يترك المؤلفين غير مقتنعين بأسطورة ميليفا.
ما يظهر بدلا من ذلك هو صورة لامرأة شابة قادرة لكنها محبطة، وبشكل مأساوي لم تحقق بشكل كامل إمكاناتها كعالمة "ولم تحقق آمالها وأحلامها في الزواج وفي الحياة". بحلول 1919 عام الكسوف، كان آينشتاين قد طلق ميليفا ليتزوج ابنة عمها إلزا، وهي نفسها مطلقة ولديها أطفال.
هذه السيرة لزوجة آينشتاين الأولى المنسية تقدم بدلا من ذلك اتهامات مؤلمة لألبرت كرفيق بعيد وغير مخلص في النهاية: الزوج الكمي الذي لم يكن هنا ولا هناك؛ الحالم الذي رأى ضوء النجوم في الكون، لكنه لم ير الظلام القريب منه.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES