FINANCIAL TIMES

عصف ذهني في دبي لأجل إعادة إنتاج الطفرة

 عصف ذهني في دبي لأجل إعادة إنتاج الطفرة

تطل الوحدات السكنية المتلألئة في "بالاس ريزدنسز" من خلال أشجار النخيل، عبر مياه الخور الهادئة الممتدة من الخليج في اتجاه ما يتباهى المطورون، بأنه أطول مبنى في العالم.
سيكون ارتفاع برج خور دبي المستقبلي ذي الشكل الصاروخي أعلى بـ"درجة" من برج خليفة، المالك الحالي لهذا اللقب، في وقت ما قريبا في المستقبل.
تم إطلاق مبيعات بالاس ريزدنسز على المخطط في كانون الثاني (يناير) الماضي، مع وجود شقق بغرفة نوم واحدة في السوق بقيمة مليون درهم "272 ألف دولار"، ما أدى إلى "طلب لا يستهان به".
تهدف الخطة إلى جذب الاستثمار إلى ميناء خور دبي الذي تبلغ مساحته ستة كيلو مترات مربعة، لإسكان 200 ألف شخص في النهاية.
المشروع مثال كلاسيكي على نموذج التطوير "قم بالبناء وسيأتون" الذي خدم دبي جيدا على مدار العقود الأربعة الماضية: حفر مساحة في الصحراء أو على أرض تم استصلاحها من البحر؛ وبناء مساكن فاخرة أكبر وأفضل؛ وتقديم وسائل الراحة من الدرجة الأولى، في الوقت الذي يأتي فيه المغتربون الأثرياء لاقتناص تلك المساكن.
حتى في الوقت الذي تغوص فيه مواقع البناء البطيء بشكل أعمق في المناطق الصحراوية المغبرة، فهي دلائل على هذا النموذج.
لا يزال الأفق منقطا بعشرات من الرافعات. بدأت أعمال البناء في برج خور دبي منذ أكثر من عامين، ولم يتم إنشاء سوى أسس البرج، ولم يتم تحديد تاريخ استكماله.
انخفضت أسعار العقارات بنسبة 25 في المائة على الأقل منذ عام 2014؛. تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.9 في المائة العام الماضي، وهو أبطأ معدل للتوسع في الإمارة منذ عام 2010.
يقول أحد التنفيذيين في الشركة "يحتاج نموذج الأعمال إلى إعادة ضبط، بخفض التكاليف على نحو يجعل من الممكن الحفاظ على هذه المستويات من النشاط".
يبدو أن النموذج الاقتصادي حول الإمارة إلى مركز التجارة والتمويل والسياحة في المنطقة. تحولت الإمارة العام الماضي إلى الاستشاريين لإعادة تنشيط دبي، لعقد سلسلة من الاجتماعات مع رؤساء الأعمال لمناقشة سبل تعزيز الاقتصاد، مثل خفض الرسوم وخصخصة الكيانات الحكومية من أجل إنعاش أسواق رأس المال.
تعاقد المجلس التنفيذي في دبي مع الذراع الاستشارية لشركة برايس ووترهاوس كوبرز لتحويل بعض الأفكار إلى سياسة.
يقول أحد المستشارين "كان الهدف من جلسات العصف الذهني هو المساعدة على فهم التحديات، والتوصل إلى أفكار للقطاع الخاص. يعرف المجلس التنفيذي أن هناك ضغوطا من أجل التنفيذ".
يبدو أن الأولوية هي تعزيز النمو السكاني بين الأجانب الأغنياء من خلال إعطاء المغتربين - الذين يشكلون 92 في المائة من السكان البالغ عددهم 3.2 مليون نسمة - إحساسا أكبر بالانتماء من أجل تشجيع الاستثمار طويل الأجل.
في حين إن الإحصاءات الرسمية تظهر نموا صحيا في عدد السكان الأجانب، إلا أن خروج أصحاب الأجور الأعلى يعمل على تناقص الإنفاق التقديري في الاقتصاد الذي يحركه المستهلكون.
حث الحضور الحكومة على منح برامج إقامة طويلة الأجل من أجل إعطاء المستثمرين الأجانب مزيدا من الأمن.
تقليديا، كان هناك معدل دوران كبير في عدد المغتربين الذين يعيشون في دبي، لكن في السنوات الأخيرة بدأ كثيرون في البقاء لفترة أطول. الآن - لمواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة - تجمد دبي الرسوم المدرسية ورسوم الخدمات الحكومية إلى أجل غير مسمى.
هذا الأسبوع قال عبدالله الصالح، وكيل الإمارات العربية المتحدة للتجارة الخارجية والصناعة، "إن التأشيرات طويلة الأجل ستقطع شوطا طويلا من أجل تعزيز ثقة الأعمال".
هناك قانون جديد يسمح بملكية أجنبية بنسبة 100 في المائة للشركات خارج مجمعات الأعمال القائمة، الذي يعفي حاليا الحاجة إلى شريك محلي، وهو إجراء آخر يهدف إلى تحسين المناخ التجاري وخفض التكاليف.
بيد أن المسؤولين في دبي يحذرون من أن هذه الإجراءات "ستستغرق بعض الوقت" حتى تؤتي ثمارها.
يتساءل بعض رجال الأعمال "نتحدث عن الاستثمار والنمو على المدى الطويل، دون أن نغفل تركيز البعض أبصارهم على المخاطر الأمنية".
منح الأجانب مزيدا من التسهيلات فيما يلقى القبول لدى الإماراتيين البالغ عددهم ربع مليون شخص في دبي، ما يحيلها إلى ملاذ آمن تقليدي، بعيدا عن مخاطر المشكلات الجيوسياسية في المنطقة.
يقول أحد كبار المصرفيين المقيمين في الإمارة "هذه التغييرات هي البداية. فهناك حاجة إلى ابتداع قصة نهوض جديدة".
ليست هذه هي المرة الأولى التي تستحث دبي نفسها على التغيير أو تنقيح نموذج أعمالها الطموح، فهذه الإمارة التي تأسست على أساس التجارة المفتوحة، والاتصال الدولي وموقف ريادة المشاريع النشطة، قد تعلمت كثيرا من الأزمة المالية العالمية قبل عقد من الزمان.
تخطت دبي العاصفة، ويعود الفضل في ذلك إلى خطة إنقاذ ضخمة من أبو ظبي، أغنى الأعضاء الاتحاد. خفف شريان الحياة اعتماد دبي على الائتمان - في عام 2009.
اضطرت بعض الشركات الكبيرة التابعة للدولة في دبي إلى إعادة الهيكلة. ودفعت الأزمة إلى إجراء محادثات جادة حول الاعتماد على قطاع العقارات الدوري، إلى جانب مناقشة الحوكمة الأفضل والشفافية المحسنة. نفذت إصلاحات عقارية ومالية، بينما عمل قطاع مالي محلي وإقليمي وعالم متعاطف وشغوف بدبي على إعادة هيكلة الديون.
أتاحت اضطرابات إقليمية لدبي فرصة للاستفادة من سمعتها كواحدة من أكثر المجتمعات تحررا وانفتاحا في الشرق الأوسط، لتصبح ملاذا للذين فروا من الحروب الأهلية.
دور دبي كمركز لإعادة تدوير النفط أتاح لها وضعا مختلفا منذ فترة طويلة جنبا إلى جنب مع جيرانها الأكبر المصدرين للنفط. لذلك استفادت هذه الدولة-المدينة من ارتفاع أسعار النفط بعد "الربيع العربي".
في الوقت نفسه، أدى الفوز بحق استضافة معرض إكسبو الدولي 2020 في عام 2013 إلى تغذية الحمى المتجددة للبناء، تتوخى الخطة الرئيسة للمعرض، التي تقول الأجهزة المنظمة إنه يمكن أن يجتذب 25 مليون زائر، إنشاء موقع على مساحة 4.83 كيلومتر مربع، بما في ذلك منطقة مسورة مساحتها نحو 1.5 كيلو متر مربع ومناطق سكنية وضيافة ولوجستية محيطة بها.
في غضون 12 شهرا، أدى تراجع أسعار النفط إلى حدوث ركود في الخليج، فانخفض الإنفاق وتمت زيادة أسعار خدمات المرافق كافة، مع انسحاب التداعيات كذلك على القطاع الخاص.
تغيير الديناميكيات الإقليمية عمل على تعقيد الوضع. كما أثر التنفيذ الصارم للعقوبات الأمريكية في تجارة الشحن البحري في ميناء جبل علي في دبي، وفي صناعة إعادة التصدير النشطة في جبل علي وغيره.
لا يخشى رجال الأعمال من مواجهة أزمة أكبر من الانهيار المالي عام 2008. ابتداء من الملابس إلى السيارات، تتأثر تجارة التجزئة فالمبيعات كانت تراجع منذ بدء تباطؤ أسعار النفط، التي عادت إلى الانتعاش، في حين من المتوقع أن تزداد مساحات البيع بالتجزئة بأكثر من الثلث على مدى العامين المقبلين.
أصحاب الفنادق خفضوا أسعار الغرف لتنشيط نمو السياحة، بفعل الضغط من عملة قوية مرتبطة بالدولار ووفرة الغرف الجديدة.
معظم الشركات متعددة الجنسيات تستخدم دبي كقاعدة إقليمية منذ فترة طويلة، وإن كان البعض منها قد بدأ الآن التفكير في هذه الاستراتيجية، بتنويع المراكز الإقليمية. شركة بيبسي كولا مثلا تعمل على نقل وظائف قيادية إلى أسواق أكبر مثل السعودية.
شريف المليجي، كبير الإداريين التشغيليين في شركة بيبسي كولا المحلية، يوضح الأمر بقوله "تواجه الشركات الدولية ضربات متعددة، لذا فهي تنقل الموظفين"، في إشارة إلى ضريبة استهلاك على مشروبات غازية شهدت انخفاض المبيعات بنسبة الثلث منذ أواخر عام 2017.
يقدر ديفيد كليفتون، مدير الاستراتيجية والنمو في شركة الهندسة الأمريكية إيكوم، أن التوظيف زاد بأبطأ معدل له منذ عام 2010.
يقول مسؤول كبير في دبي "قبل عقد من الزمان، نجا القطاع الخاص دون أن يمسه أذى. الآن، بات يتعرض للانكشاف أمام الضرر".
ينسب إلى دبي الفضل في تطوير واحد من أكثر اقتصادات المنطقة تنوعا، الذي تأسس على التجارة والنقل. ثم تفرع الاقتصاد إلى السياحة، والصناعة التحويلية، ونحو التمويل أخيرا، لكنه لا يزال يعتمد اعتمادا كبيرا على العقارات، التي تمثل من الربع إلى ثلث الناتج المحلي الإجمالي.
تقول دانا سلبك، زميلة أبحاث في شركة جيه إل إل JLL الاستشارية، "إن الانخفاض في أسعار العقارات من المرجح أن يستمر هذا العام، وإن كان بمعدل تراجع أبطأ". تشير التقديرات إلى أنه سيتم تسليم نصف الوحدات السكنية قيد الإنشاء، يبلغ عددها 60 ألف وحدة هذا العام بسبب حالات تأخير. وبينما تقول سلبك "إن الطلب الذي أنشأه "إكسبو 2020" يمكن أن يعمل على استقرار السوق، إلا أن البعض الآخر يأمل في أن تلعب بعض أعمال التطوير على إعادة إنهاض البلاد، في الأجل الطويل".
يقول أفين جيدواني، الرئيس التنفيذي لشبكة "بي إن سي" BNC، وهي شركة استشارية للأبحاث، إن عدد المشاريع المعلقة ارتفع إلى أكثر من 980- أي نحو نسبة 28 في المائة من جميع المشاريع قيد الإنشاء.
ويضيف قائلا "يوجد في المدينة عدد كبير من المقاولين نسبة إلى حجم الأعمال وتشهد منافسة البقاء للأصلح "بين الشركات".
يظل المصرفيون متفائلين إزاء وضع الديون السيادي. كانت دبي، بما في ذلك الكيانات المرتبطة بالدولة، تسدد ديونها على مدى السنوات القليلة الماضية. ومع ذلك، يخشى جيسون توفي من "كابيتال إيكونوميكس" من أن تؤدي مخاطر الإفراط في العرض العقاري إلى الإضرار بإيرادات الشركات المملوكة للدولة، ما يضر بقدرتها على خدمة 30 مليار دولار من الديون المستحقة على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
أثبتت دبي من قبل خطأ المتشككين وهي لا تزال منقطعة النظير كمركز للتجارة والسياحة والتمويل في المنطقة، التي تتمحور نحو أسواق النمو الأعلى في آسيا.
إلا أن التنفيذيين يقولون "إن على الحكومة مضاعفة جهودها لتحسين المعنويات من خلال خفض تكاليف الشركات الصغيرة، وإحياء جاذبية الإمارة للشركات الكبرى".
يتمثل التحدي الفوري في عكس اتجاه الانخفاض في أسعار العقارات، بالنظر إلى التصميم على المضي قدما في المشاريع الفخمة من النوع الذي تتميز به دبي.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES