FINANCIAL TIMES

الأسواق الناشئة تقدم شهادة على التكافؤ مع «المخضرمة»

 الأسواق الناشئة تقدم شهادة على التكافؤ مع «المخضرمة»


تساءل عمود مقالات حديث في صحيفة "وول ستريت جورنال" عما إذا كان الوقت قد حان لإلغاء مفهوم الأسواق الناشئة، على الأقل عندما يتعلق الأمر بالاستثمار في الأسهم.
فرضية المقالة كانت أنه مع نضوج أسواق الأسهم في العالم الناشئ، أصبح أداؤها أشبه بأداء نظرائها في البلدان المتقدمة، مع وجود عدد أقل من الشركات الكبيرة بشكل مفرط أو الصغيرة جدا فيها، ما يؤدي إلى تآكل الفوائد المفترضة للتنويع.
علاوة على ذلك، فإن تعريف "السوق الناشئة" واسع جدا. مؤشر مورجان ستانلي المركب المتبع على نطاق واسع، يشتمل على كوريا الجنوبية وتايوان – ينظر إليهما عموما باعتبارهما من الأسواق المتقدمة في كثير من السياقات.
يستمتع كثير من القراء الإشارة بقوة إلى هذا عندما نشير إلى السوقين المذكورتين بدلالة الأسواق الناشئة فيما يتعلق بأسواق الأسهم – إلى جانب البلدان الأكثر فقرا مثل الهند وجنوب إفريقيا.
يجادل عمود صحيفة "وول ستريت جورنال" أنه "لا يبدو من المنطقي جدا وضع مثل هذه البلدان المتنوعة معا في مجموعة واحدة".
في حين أن مثل هذه الحجج تتمتع بتأييد كبير، إلا أن هناك تحليلا أكاديميا حديثا يشير إلى أن مفهوم "الأسواق الناشئة" لا يزال مفيدا للمستثمرين.
على مدى 20 عاما، جمع إلروي ديمسون وبول مارش ومايك ستونتون، وهم أساتذة في كلية لندن للأعمال، وحللوا مجموعة من بيانات الأسواق المالية تعود إلى عام 1900.
هذا العام، صدر الكتاب السنوي لعوائد الاستثمار العالمي في بنك كريدي سويس، أعده الأساتذة الثلاثة حول اهتمامه بالأسواق الناشئة، على الرغم من تعطل الأبحاث طويلة الأجل حتى الآن بسبب نقص البيانات.
ندرة البيانات لا يمكن تجنبها. تم إنشاء أول مؤشر أسهم للأسواق الناشئة في عام 1985، لذلك كان على السادة ديمسون ومارش وستونتون التوصل إلى تصنيف للبلدان التي كان من الممكن تصنيفها كأسواق ناشئة، لو كان هناك مؤشر قبل ذلك الحين، في ذلك الخصوص.
استقر الأساتذة على أن المعيار يكمن في البلدان التي بلغت فيها حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، أقل من 25 ألف دولار في عام 2010.
ويقولون إن هذا كان إلى حد كبير دليلا دقيقا لما تم اعتباره سوقا ناشئة منذ عام 1985، عندما أطلق "ستاندرد أند بورز" المؤشر الافتتاحي.
هذا يسمح لهم بإنشاء مؤشر أسواق ناشئة مكون من سبعة بلدان بالعودة إلى عام 1900. حينها، فإن هذه الفئة ستشمل الصين، وفنلندا، واليابان، والبرتغال، وروسيا، وجنوب إفريقيا وإسبانيا.
بعض من هذه البلدان كانت ستخرج بعد ذلك لأنها أصبحت أسواقا متقدمة، مثل فنلندا في عام 1932، واليابان في عام 1967 وإسبانيا في عام 1974. وكانت أخرى ستنضم إليها، في الوقت الذي أصبحت فيه البيانات متاحة، مثل الهند في عام 1953 والبرازيل في عام 1955 وماليزيا في عام 1964.
شيلي والأرجنتين، تم اعتبارهما من "الأسواق المتقدمة" في عام 1900، وكان من الممكن إضافتهما في عام 1976، عندما انخفضت حصة الفرد من الدخل فيهما إلى أقل من الحد الأدنى البالغ 25 ألف دولار، لتستقر هناك بعد ذلك. منذ عام 1988، يستند التحليل إلى مؤشر مورجان ستانلي المركب للأسواق الناشئة.
الصورة الناتجة ليست جميلة بالنسبة للأسواق الناشئة. منذ عام 1900، حققت إيرادات بنسبة 7.2 في المائة سنويا من حيث إجمالي العوائد، حيث حولت ما قيمته دولار واحدا إلى 3745 دولارا.
هذا قد يبدو مثيرا للإعجاب، إلى أن ندرك أن الأسواق المتقدمة حققت عوائد بنسبة 8.2 في المائة سنويا خلال هذه الفترة، حيث تبلغ قيمة الدولار الآن 11821 دولارا.
مع ذلك، فإن التناقض في الواقع يرجع إلى أحداث الأربعينيات، حيث اختفت أموال المستثمرين في السوق الصينية بعد الاحتلال الشيوعي، وانخفضت الأسهم اليابانية بنسبة 98 في المائة من حيث قيمة الدولار بعد هزيمة البلاد في الحرب العالمية الثانية. "يمكن رصد تقلب أصغر بعد الثورة الروسية في عام 1917".
إذا افترضنا - سواء بحق أو خطأ - أن مثل هذه الأحداث لن تتكرر، وبالتالي اتخذنا نظرة تركزعلى تلك الفترة منذ عام 1950، فإن الأسواق الناشئة قد تفوقت في الواقع، حيث بلغت العوائد السنوية 11.7 في المائة، مقابل 10.5 في المائة للأسواق المتقدمة.
مع ذلك، يعتقد فريق كلية لندن للأعمال أن هذا يرسم صورة وردية غير مستدامة لعوائد كل من الأسواق المتقدمة، وبشكل خاص، الأسواق الناشئة، بالنظر إلى أن فترة ما بعد عام 1950 شهدت عددا من "العوامل غير القابلة للتكرار" مثل نهاية الحرب الباردة، وتسارع نمو الإنتاجية، وحوكمة الشركات المدفوعة بضغط من أصحاب الأسهم.
بدلا من ذلك، تشير تقديراتهم إلى أن علاوة الأسهم المستقبلية، أي العوائد التي تتفوق على سندات الخزانة الأمريكية، للأسواق المتقدمة تبلغ نحو 3.5 في المائة سنويا، فيما تراوح عوائد الأسواق الناشئة ما بين 4 في المائة و4.5 في المائة.
قال مارش: "لديها معدل مقياس مخاطر أعلى مقارنة بالمؤشر العالمي. بسبب ذلك، نتوقع منها أن تتفوق ربما بزيادة 0.5 في المائة مقارنة بالأسواق المتقدمة، خلال 40 أو 50 عاما المقبلة، أو أكثر". إذا كان الأمر كذلك، فهذا يؤيد فكرة الاستثمار في الأسواق الناشئة من منظور العوائد. مع ذلك، سيأخذ معظم المستثمرين المطلعين في الاعتبار المخاطر النسبية.
يشير عمل فريق كلية لندن للأعمال إلى أنه في حين أن الأسواق الناشئة تبقى أكثر خطورة من الأسواق المتقدمة، كما يتبين من معدل مقياس المخاطر الأعلى، إلا أن الفرق قد تضاءل بشكل ملحوظ مع مرور الوقت.
السوق الناشئة المتوسطة أظهرت انحرافا معياريا لمدة 60 شهرا، وهو مقياس التقلب، بنسبة 21.2 في المائة في الأعوام الخمسة المنتهية في كانون الأول (ديسمبر) من عام 2018.
في حين أن هذا أعلى من الرقم بنسبة 11 في المائة لسوق الأسهم الأمريكية، ومن القراءة بنسبة 15.6 في المائة للسوق المتقدمة غير الأمريكية النموذجية، إلا أنه أقل بكثير من المستويات بنسبة 30-45 في المائة التي شهدناها بشكل عام في الأسواق الناشئة قبل الأزمة المالية العالمية.
علاوة على ذلك، من الناحية العملية، لا يستثمر سوى عدد قليل من الناس في سوق ناشئة واحدة، بل في مجموعة منها.
لبيان هذا، أنشأ الأكاديميون مجموعة متوازنة من 31 سوقا ناشئة وتوصلوا إلى أن الانحراف المعياري المتداول لمدة 60 شهرا هذا العالم يغلب عليه، إن كانت هناك أية دلالة، أن يكون أقل مما هو بالنسبة لسلة مكافئة من 20 سوقا متقدمة غير أمريكية، في الأعوام الأخيرة.
قال مارش: "انخفضت مخاطر الأسواق الناشئة بمرور الوقت، في الوقت الذي بلغت فيه سن النضج، وفي الوقت الذي ازداد فيه حجمها، دخلت فيها شركات تمارس الأعمال في كل مكان. لذلك فإن محفظة في الأسواق الناشئة أكثر خطرا بقليل من محفظة من الأسواق المتقدمة".
"الأسواق الناشئة لم تتحرك معا بالقدر نفسه الذي تحركته الأسواق المتقدمة، لذلك كان من الممكن أن تتقارب مع هذه الأسواق الناشئة الأكثر تقلبا إلى حد ما" وفق ما قال مارش.
على عكس المفهوم الشائع، فإن هذا يشير في الواقع إلى منطقية سبب وضع مثل هذه البلدان المختلفة، ضمن مجموعة واحدة كأسواق ناشئة.
قال مارش، "تنوع الأسواق الناشئة بحد ذاته هو في الواقع مفيد للمستثمرين، فهو يكشف نطاق التنوع في عالم الأسواق الناشئة".
على الرغم من انخفاض المخاطر، إلا أنه يبدو أن الأسواق الناشئة لا تزال توفر فوائد تنوع مفيدة.
حلل فريق كلية لندن للأعمال مدى إمكانية تفسير عوائد مؤشرات الأسواق الناشئة المختلفة، والأسواق المتقدمة، غير الأمريكية، من خلال سلوك السوق الأمريكية. بحساب مقياس التباين لكل مؤشر، توصلوا إلى قراءة بنسبة 100 في المائة تشير إلى أن تقلب أي مؤشر، يتم تفسيره بالكامل بتحركات في وول ستريت، وصفر في المائة تعني أنه غير مرتبط نهائيا بالأخير. بالتالي فإن مقياس التباين الأقل يشير إلى فرصة أكبر لتقليل المخاطر من خلال التنوع.
مقياس التباين المتداول من الأساتذة الثلاثة بالنسبة للسوق الناشئة المتوسطة يبلغ حاليا نحو 14 في المائة، حيث عاد إلى مستويات أوائل العقد الأول من الألفية، قبل أن يرتفع بشكل حاد مع بداية الأزمة العالمية.
مقارنة برقم السوق المتقدمة المتوسطة فهو أعلى بكثير، بنحو 41 في المائة، مع أنها هي أيضا قد تراجعت عن المستويات المرتفعة ما بعد الأزمة المالية العالمية. عندما يتم تجميع كل من الأسواق الناشئة والمتقدمة الفردية معا في محافظ، فإن الارتباطات ترتفع.
مع ذلك، فإن الرقم لمجموعة الأسواق الناشئة المتوازنة، 31 في المائة في نهاية عام 2018، كان أقل بشكل مستمر من الرقم لمجموعة الأسواق المتقدمة، 63 في المائة حتى كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
هذا يشير هذا إلى أن فوائد التنويع في الأسواق الناشئة أكبر من فوائد التنويع في الأسواق المتقدمة غير الأمريكية، بالنسبة لمستثمر نموذجي قائم في الولايات المتحدة. ويشير تحليل منفصل إلى أن انخفاض مخاطر التعامل مع الأسواق الناشئة، لا يزال أكبر بالنسبة إلى المستثمرين القائمين في بلدان مثل ألمانيا، واليابان، وسويسرا وبريطانيا.
قال مارش، "ارتفع مقياس التباين للارتباط بين الأسواق المتقدمة والولايات المتحدة. وعليه فقد انخفض مجال التنويع عبر الأسواق المتقدمة. في الثمانينيات، كانت العلاقة بين الأسواق الناشئة والولايات المتحدة صفرا من الناحية العملية. الآن، حيث مزيد من شركات الأسواق الناشئة تمارس الأعمال في الولايات المتحدة، فقد ارتفعت النسبة، إلا أ نها لا تزال أقل بكثير مما نراه في الأسواق المتقدمة".
وأضاف: "ثلث الاختلاف يتم تفسيره من خلال الولايات المتحدة، مقابل ثلثين للأسواق المتقدمة الأخرى. بالتالي، على الهامش، تعتبر الأسواق الناشئة هي أفضل من حيث التنوع. من الجدير الاستثمار في الأسواق الناشئة لأن مكاسب انخفاض المخاطر فيها أكبر".
بالتالي، يبدو أن هذا التحليل، في ظاهره، من شأنه أن يبرر كلا من مفهوم أسهم "الأسواق الناشئة" والأسباب المنطقية للاستثمار فيها.
مع ذلك، هناك خطر واحد محتمل في الأفق. بدأ مزودو المؤشرات مثل مؤشر مورجان ستانلي المركب، إضافة أسهم البر الرئيس الصيني من الفئة أيه A إلى مؤشراتهم للأسواق الناشئة، إلى جانب الشركات الصينية المدرجة في هونج كونج والولايات المتحدة.
عندما تكتمل هذه العملية، من المرجح أن تشكل الصين نحو 40 في المائة من عالم الأسواق الناشئة، بارتفاع من 32.5 في المائة في الوقت الحاضر. إذا حدث ذلك، فإن تنوع المؤشر، أي إحدى نقاط قوته الحالية، سيبدأ في التراجع، ولربما بشكل مريع.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES