FINANCIAL TIMES

أسلوب آردرين في مزج التعزية بالحزم يوحد نيوزيلندا

أسلوب آردرين في مزج التعزية بالحزم يوحد نيوزيلندا

كان هدف الإرهابي الأسترالي الذي قتل 50 شخصا في مسجدين في نيوزيلندا الأسبوع قبل الماضي، زرع بذور الفرقة في هذ البلد الصغير متعدد الثقافات.
في الوقت الذي اجتمع فيه المسلمون لأداء صلاة الجمعة، بعد مرور أسبوع على مذبحة كرايستشرش، كان المزاج الوطني يتسم بالوحدة. الفضل في ذلك يعود إلى رئيسة الوزراء.
قالت جاسيندا آردرين، رئيسة وزراء نيوزيلندا، بينما كانت تواسي عائلات الضحايا "لا يمكننا إدراك مدى الحزن الذي تشعرون به، على أنه يمكننا مرافقتكم في كل مرحلة".
صور هذه الزعيمة التي تبلغ من العمر 38 عاما، وهي ترتدي الحجاب الأسود، وتعانق المسلمين وتشاطرهم أحزانهم، أصبحت هي السمة المميزة في الرد على أسوأ هجوم إرهابي في تاريخ البلاد.
تعاطف آردرين واستجابتها السياسية الواثقة – تحركت بسرعة لإصلاح قوانين حمل السلاح، وأدانت محاولات الذين يسعون إلى تسييس تلك الحادثة المأساوية – حازا استحسانا في الداخل ورسخا سمعتها على الصعيد العالمي كشخص يحمل لواء السياسة التقدمية.
زياراتها المتعددة لمنطقة كرايستشرش وأهاليها المتماسكين والمصدومين منحت الناس شعورا بالراحة والأمل، بحسب ما قالت برونوين هاي وارد، أستاذة العلوم السياسية في جامعة كانتربيري.
وأضافت "رأيت بأم عيني كيف عملت قدرتها على التعاطف والتعبير عن أحزان الأمة، وتحديدها الواضح لهذه الحادثة بأنها عمل إرهابي، وعزمها القوي على الدفاع عن حقوق الجاليات المسلمة في نيوزيلندا، التي كانت تؤدي فرائضها الدينية، ومن المفترض أن تكون آمنة في ذلك المكان".
بعد مضي 18 شهرا على فوز الزعيمة المتوجة حديثا لحزب العمل الذي صدم النقاد من قوة الفوز، بات حتى النقاد السابقين يتعجبون من قدرتها على التوصل إلى توافق في الآراء، في مثل هذه الأوقات الحالكة.
صحيفة "نيوزيلند هيرالد" New Zealand Herald، وهي صحيفة محافظة كانت من أشد الناقدين لحكومتها في السابق، قالت إنها أظهرت تركيبة قوية من "التعزية والحزم" في ردها على تلك الهجمات.
وقد أثنت جوديث كولينز، وهي من كبار مسؤولي الحزب الوطني في البرلمان وناقدة معتادة لآردرين، على الإجراءات التي اتخذتها هذا الأسبوع، واصفة إياها بأنها "رائعة تماما".
في نظر كثير من المعلقين الأجانب، أكدت استجابة آردرين لهذه المأساة سمعتها الموسومة بها كرئيسة للوزراء من قبل مجلة فوج. لقد أشادت هذه المجلة المختصة بالأزياء برئيسة الوزراء على "أفكارها الليبرالية بلا مواربة" العام الماضي، عندما أصبحت أول زعيم في العالم بعد بي نظير بوتو، رئيسة وزراء باكستان السابقة، تنجب طفلا أثناء فترة توليها منصبها. حين سئلت هذا الأسبوع حول ما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لها عبر مكالمة هاتفية، قالت آردرين "سألني عما يستطيع تقديمه للمساعدة، وأعتقد أنني بكل بساطة نقلت له الشعور السائد هنا داخل نيوزيلندا. كانت رسالتي متمثلة في التعاطف والحب لجميع الجاليات المسلمة".
انتهزت آردرين كل فرصة متاحة للتقليل من الترويج للمزاعم المروعة التي أطلقها المسلح الأسترالي، فقد رفضت مجرد ذكر اسمه. وقالت "لقد سعى إلى تحقيق كثير من الأمور من خلال هذا التصرف الإرهابي، لكن أحدها كان الحصول على سمعة سيئة. إنه شخص إرهابي. إنه مجرم. ومتطرف. عندما أتحدث عنه، لن أذكر اسمه".
كما تسببت أيضا في إرباك النقاد المحليين من خلال إظهار صلابة كان البعض يشك في أنها تتمتع بها، حيث انتقدت علنا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمحاولته استغلال الهجمات قبل الانتخابات المقبلة في تركيا. كما أرسلت نائبها، ونستون بيترز إلى تركيا "لتقديم صورة حقيقة الأحداث، وجها لوجه".
تم انتخاب آردرين كزعيم لحزب العمل قبل سبعة أسابيع من الانتخابات جرت عام 2017، عندما استقال سلفها من منصبه مع تفوق حزبها على الحزب الوطني بـ20 نقطة مئوية. حملتها الانتخابية، التي ركزت على تزايد عدم المساواة والتشرد، لقيت تجاوبا كبيرا من الناس، ومكن ذلك حزبها من تشكيل ائتلاف مع حزبي نيوزيلندا أولا وحزب الخضر.
على الرغم من صغر سنها وتقدمها السريع واعتلاء أعلى منصب في السياسة، عملت آردرين، التي نشأت في بلدة ريفية صغيرة في نيوزيلندا، في المجال السياسي منذ مغادرتها المدرسة، بما في ذلك الفترة الزمنية التي عملت خلالها موظفة لدى هيلين كلارك، رئيسة وزراء سابقة من حزب العمل.
كما عملت بعد ذلك لفترة قصيرة في مكتب رئاسة الوزراء البريطانية، في ظل حكم توني بلير.
أظهرت آردرين حنكتها السياسية من خلال فوزها بتأييد سريع عبر الأحزاب من أجل تشديد الرقابة على استخدام السلاح، بما في ذلك حظر استخدام الأسلحة شبه الآلية.
وقد فشلت محاولات مماثلة لتشديد الرقابة على قوانين الأسلحة في أعوام 2005 و2012 و2017.
لقد وضعت شركاءها في الائتلاف، حزب "نيوزيلندا أولا"، وهو حزب له تاريخ من الخطابات المعادية للمهاجرين ومعارضة الضوابط المفروضة على الأسلحة، في مشهد الأحداث من خلال توجيه سؤال خلال مؤتمر صحافي حول قوانين الأسلحة لمؤسس الحزب ونائب رئيسة الوزراء بيترز. فقدم الدعم علنا لإجراء تلك التغييرات.
قال برايس إدواردز، مختص سياسي في جامعة فكتوريا في ويلينجتون "دائما ما كانت هنالك تساؤلات حول كفاءة آردرين، بالنظر إلى افتقادها الخبرة نسبيا. أعتقد أن هذه التساؤلات انتهت الآن".
كما انتقدت أيضا شركات وسائل التواصل الاجتماعي، بما فيها موقع فيسبوك، التي بثت مباشرة على الهواء مقطع الفيديو الذي يبلغ طوله 17 دقيقة لإطلاق النار في المسجدين، مناشدة قادة العالم محاولة التوصل إلى توافق سياسي في الآراء، من أجل فرض إصلاحات لدى شركات التكنولوجيا. سيكون من الصعب جدا تحقيق مثل هذه الأهداف الطموحة، لكنها تؤكد اعتقادها أن الحلول متعددة الأطراف لازمة لحل المشكلات المعقدة، بحسب ما يقول المحللون. استجابة آردرين القوية إزاء الهجمات ستعمل على تقوية جاذبيتها قبيل الانتخابات التي ستجرى في عام 2022، وفقا لجرانت دنكان، أستاذ العلوم السياسية المشارك في جامعة ماسي في نيوزيلندا. وكان حزب العمل يحظى في الأصل بمرتبة متقدمة، في آخر استطلاعات للرأي أجريت قبل الهجوم. على أنها تواجه أيضا تحديات مرتبطة بقائمة طويلة من السياسات الطموحة، بما فيها حل مشكلة النقص الشديد في المساكن، وتعهدات بإنقاذ 100 ألف طفل من الفقر بحلول عام 2020.
قد يتبين أيضا أن من الصعب جدا إدارة العلاقة مع حزب "نيوزيلندا أولا"، في الوقت الذي يسعى فيه الحزب إلى تحديد جدول أعمال حول الهجرة وضريبة أرباح رأس المال المقترحة.
التحقيقات المقبلة في هجمات كرايستشرش قد تكشف أيضا عن أن حالات الفشل في التأهب قد تضر بموقفها، بدوره.
قال إدواردز "بالنسبة إلى نيوزيلندا، هذه بمنزلة هجمات 11 من سبتمبر في 2001، وهي حدث صاعق للغاية قد يتسبب مع مرور الوقت في استثارة النوع نفسه من ثقافة الحروب التي شهدناها في الولايات المتحدة. قد تصبح السياسة أكثر استقطابا".
بالنسبة إلى الوقت الحاضر تثبت آردرين أنها تتمتع بالمزاج الذي يؤهلها لقيادة الأمة خلال الأزمة.
قال البروفيسور دنكان "حظنا ممتاز في أن لدينا هذه القائدة الرائعة، في هذا الوقت العصيب. آردرين، لديها حب وتعاطف وتواضع، وتلقى قبولا ممتازا لدى أهل نيوزيلندا. أحد أهداف المجرمين هو زرع بذور الفرقة، إلا أن مثل هذه الاستجابة الصادقة والسريعة في مواجهة مأساة هكذا تحقق الأثر المعاكس".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES